بقلم: منير بشاى – لوس أنجلوس
الشبكة العنكبوتية العالمية WWW World Wide Web أو الإنترنت تعد من أهم الإختراعات التى توصل لها الإنسان فى العصر الحديث. وتقف شامخة بين الإكتشافات الكبرى التى غيرت مجرى البشرية مثل الكهرباء والسيارة والطائرة والراديو والتلفاز. وكأى إختراع جديد كان الهدف منها أساسا هو خدمة الإنسانية، ولكنها كسلاح ذى حدين سرعان ما إكتشفنا أعراضها الجانبية ومضارها الكثيرة. فكيف إستطاع هذا الزائر الذى أقتحم حياتنا وبيوتنا أن يسيطر عليها ويقلبها رأسا على عقب: أحيانا إلى الأفضل وأحيانا أخرى إلى الأسوأ.
من الناحية الإيجابية
?. أحدثت الإنترنت ثورة عظيمة فى عالم المعلومات فأمكن عن طريقها تخزين كميات هائلة من المعلومات فى كافة العلوم والمعارف يمكن إستدعائها فى الحال بمجرد لمسة من الأصبع ودون أن تتحرك من مقعدك أمام جهاز الكومبيوتر العجيب.
?. إستطاعت الإنترنت أن تجمع بين الناس وتقرب بين المسافات وتوصل بين الأقارب والمعارف والأصدقاء. بل وساعدت الناس على تكوين صداقات جديدة مع أشخاص لم يروهم من قبل. وأمكن للإنسان أن يتواصل مع هؤلاء جميعا من المتفرقين على وجه الكرة الأرضية بالكلمة المكتوبة وبالصوت والصورة فى آن واحد وكأنهم يجلسون معا فى غرفة واحدة فى أى وقت يشاؤن وبتكاليف زهيدة .
?. ساعدت الإنترنت على تحويل العالم الى قرية صغيرة فما يحدث فى بلدة مغمورة نائية فى مجاهل أفريقيا أصبح معروفا فى العالم كله فور حدوثه. لقد زالت الأسوار وتحطمت الفواصل وكشفت الأقنعة ولم يعد ممكنا للأنظمة الشمولية القمعية أن تخبىء ممارساتها تحت ستار من التغطية عن أعين الرأىالعام العالمى أو رقابة منظمات حقوق الإنسان الدولية.
من الناحيةالسلبية
?. هذه المعلومات الضخمة التى تنشرها الإنترنت قد أصابت الإنسان بالتخمة الفكرية من كثرة ما يقدم فيه. بعض هذه المعلومات جيدة ومفيدة وللأسف بعضها الآخر غير صحى كالطعام الردىء Junk food. ومع ظهور الإنترنت ظهر الكثير من الكتاب ذوى المستويات الضحلة يملأون الإنترنت بكتاباتهم المتدنية علميا وفكريا. وأصبح هناك الكثير من المواقع الإلكترونية فى كل تخصص التى تنشر العديد من المقالات والتى أحيانا تتغير يوميا. ومن كثرة المعلومات اصبح القارىء يمرعلى المقالات دون قراءة أو يقرأ بضعة أسطر من مقالة وينتقل الى مقالة أخرى دون تركيز أو تمعن أو تمتع بما يقرأ. هذا مثل انسان شبعان تماما أو فاقد الشهية للأكل وأمامه مائدة مليئة بالأطعمة.
?. وانتشرت مع الإنترنت ظاهرة التزييف. فالواحد أصبح فى إمكانه أن يتخفى وراء جهاز الكومبيوتر ويرسل معلومات غير صحيحة ويوقع عليها بإسماء مستعارة ويضلل الناس. وقد سمعنا عن رجال كبار فى السن يمثلون أدوار شباب حديثى السن ويدخلون فى دردشة جنسية مع فتيات مراهقات على شبكات الإنترنت. ومنهم من استغل سذاجة الفتيات من القصر فى إقامة علاقات جنسية غير مشروعة. هذا ورأينا ظاهرة التزييف تعبر عن نفسها فى السرقات العلمية والأدبية بالإدعاء بملكية أفكار وكتابات قام بها آخرون. والمؤسف أنه فى وسط هذا الزحام تضيع الحقائق ويصعب التمييز بين أصحاب الحقوق الحقيقيين وبين المزيفين.
?. ووقع الكثيرون وخاصة من الشباب فى ظاهرة الإدمان على الإنترنت. يذهبون اليه أول شىء فى الصباح ويتركونه أخر شىء فى المساء ويعودون اليه إذا أرقوا خلال الليل. وقد سمعت مرة رجل الأعمال نجيب ساويرس يقول أنه يحس بأنه يسرق بضع دقائق بصعوبة من إبنه عندما يريد ان يكلمه فيجيبه الإبن دون أن يحول رأسه عن جهاز الكمبيوترالذى يستأثرعلى كل انتباهه. لقد أثرت الإنترنت على حياة الإنسان والعائلات وأضعفت من الروابط الأسرية وضيعت الوقت الذى كان من المفروض أن يقضوه معا. وقد أصابت الإنترنت الناس بتوتر الأعصاب.فقد استحوذت على وقت الناس فلا وقت الآن للإسترخاء والهدوء والسكينة.
?- وباعدت الإنترنت الفجوة بين الأجيال. فالجيل الجديد أصبح يتكلم الآن لغة الدوت كوم .comوهى لغة جديدة تختلف عن اللغات المتعارف عليها ولا تجيدها الأجيال القديمة التى وجدت نفسها مضطرة الى التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة فى سن متأخر دون دراية كاملة بمفردات هذه اللغة ومعرفة باصطلاحاتها وكيفية فك طلاسمها.
?. وكادت الإنترنت أن تقضى على مفهوم الكتاب والمكتبات.ونتيجة لذلك تغير مفهوم المكتبات العامة فتحولت بالإضافة الىعرض الكتب إلى قاعات بها كومبيوترات لمن يرغب زيارة الإنترنت. بل أن مكتبات بيع الكتب قد أصيبت بالكساد وتناقص خطير فى حجم مبيعاتها. لقد مضى الوقت الذى كان فيه يجد الإنسان المتعة بأن يتمدد على الأريكة ويسترخى مع صفحات كتاب. بل وحتى من يجلسون فى وسائل المواصلات لمدى ساعات نادرا ما تراهم الآن يقضون الوقت فى القراءة بل أصبح الكثيرون منهم يمضون وقتهم على شبكة الإنترنت فى أجهزتهم المحمولة.
?. وكما أن الإنترنت كانت أداة فى نشر الخير فقد أصبحت أيضا أداة لنشر الشر. فمواقع الإنترنت أصبحت مليئة بافلام البورنو الإباحية وغرف الدردشة فى الموضوعات الجنسية بين الجنسين. وساعد على ذلك إعتقاد المشاركين أنهم لا يعرفون الواحد الآخروهذا يعطيهم الإحساس بالإطمئنان عندما يتخطوا الأعراف والقيم والتقاليد. ولكنك فى الحقيقة لا تعرف فى غرف الدردشة على الأنترنت من يكون على الطرف الآخر. لا تعرف ما اذا كان عدوا أم صديقا، أو ما اذا كان من رجال الأمن أو أحد عملاء أجهزة الإستخبارات ويسجل لك ما تقول .
? - وقد أمكن إستخدام الإنترنت كوسيلة للنصب والكسب غير المشروع. فكم من الرسائل التى تصلنا يوميا وتزف لنا البشرى أننا كسبنا اليانصيب العالمى أو أن ثريا يريدنا أن نساعده لتحويل ملايينه ويعدنا بنسبة كبيرة كعمولة وكل ما يريدوه منا أن ندفع رسوما مالية لإتمام التحويل مع إرسال معلومات كاملة عنا. وطبعا الهدف هو سرقة هذه الأموال والإتجار غير المشروع فى المعلومات. بل وقد سمعت أن رئيسا لإحدى الكنائس الشرقية فى أمريكا قد وقع فريسة لهذا النصب. فقد وصلته رسالة على الإنترنت أن مليونيرا على فراش الموت يريد التبرع بثروته للكنيسة وطلب منه أن يمده بمعلومات عن حساب الكنيسة فى البنك مع الكود السرى ليحول الأموال. ولكن على العكس تمكن ذلك النصاب من سرقة مبالغ ضخمة من حساب تلك الكنيسة.
والتحدى الكبير الذى أمامنا الآن هو كيف نستفيد من هذا الإختراع العظيم ونسخره لخدمة البشرية. وكيف نضع حدا أمام هذه الشبكة العنكبوتية حتى لا تتحول الى أخطبوط ضخم يطوينا فى شباكه ويسيطر على حياتنا وأسرنا ومجتمعنا بل وعلى البشرية كلها.
Mounir.bishay@sbcglobal.net |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|