إذا ثبت بالدليل المادي في يقين لجنة تحقيق برلمانية محايدة ونزيهة أن نائب الحزب الوطني عن دائرة دشنا محمد مندور قد اقتحم مركز شرطة المدينة وسط عشرات من أنصاره لمحاولة إطلاق سراح بعض المحتجزين من اقربائه في محبس القسم, فإن هذا النائب يجب اسقاط عضوية مجلس الشعب عنه ليكون عبرة لزملائه.
(1)
تصور فقط أن الإمام الذي أحضرناه لكي يعلمنا الدين, ضبطناه يعاقر الخمر ويزني بالنساء؟ تري هل يصلح بعد ذلك للمهمة التي أوكلناها له؟ بالقطع لا.
هذا بالضبط هو موقف النائب عضو مجلس الشعب, فالمفروض أن صلب وظيفة النائب هي المشاركة في سن القوانين ووضع التشريعات التي تضمن انصياع الجميع لحكم القانون واحترامه ورفض أن يحاول أي شخص مهما يكن أن يأخذ القانون بيده هو لينفذه من وجهة نظره ورفض أن يسعي أي شخص لأن يستخدم عشيرته وثروته ونفوذه لأن يجعل من قوته قانونا للمنطقة أو الجهة التي يقيم بها.
قد نفهم أن يقرر لص أو قاطع طريق, أو مجرم أن يجعل نفسه الحكومة, ويفرض قانونه الخاص علي الحكومة وأن يصرخ مع احمد السقا في فيلم الجزيرة من النهارده مفيش حكومة أنا الحكومة... فهو مجرم وبلطجي وقاطع طريق وتاجر مخدرات.
أما النائب في مجلس الشعب فإن الناس جميعا تنتظر منه شيئا آخر, وبالقطع لا يمكن أن يكون هذا الشيء هو اقتحام أقسام الشرطة وترويع ضباط البوليس وتهديدهم حتي لا يقترب واحد منهم من أي شخص من أقاربه أو اصدقائه أو معاونيه وإلا!!
(2)
المدهش في القصة كلها أن يفعل حضرة النائب كل هذا, فالمعروف أن الدولة بكل اجهزتها تدلل السادة النواب أعضاء مجلس الشعب خاصة من كانوا من أعضاء الحزب الوطني.
فهو يتم تفضيله بوسائل عديدة مثل تمييزه بتعيين اقاربه وذويه في الدوائر الحكومية ومجاملته في أي طلب مثل رصف طريق أو إقامة كوبري أو اعطائه إذنا للاسمنت أو حديد التسليح أو حتي تأشيرات الحج والعمرة وتخصيص الأراضي, فضلا عن تيسير حصوله علي قروض البنوك التي قد يطلبها لنفسه أو لمعارفه, وفوق ذلك كله فإنه تتم مجاملته في قسم الشرطة, وتسري هذه المجاملة بدءا من المأمور وانتهاء بأصغر جندي أو خفير, كلهم يحرصون علي ترضيته وتنفيذ طلباته, ناهيك عن أنه إذا كان مطلبه صعبا ففي مقدوره بكل سهولة أن يلتقي أي مسئول في المحافظة من السيد الوزير المحافظ, ومدير الأمن حتي أصغر قيادة في المحافظة سواء في التعليم أو الصحة أو الشئون الاجتماعية... إلخ.
والبديهي أنه في ظل كل هذه التيسيرات المتاحة للسيد النائب عضو الوطني أن يشعر بالامتنان للدولة والحكومة التي وضعت نفسها في خدمته, وبالتالي ينصاع لقانونها ويحترم هيبتها ويغرس في انصاره هذه القيمة... لكن يبدو أن هذا الأسلوب, لا يؤدي إلي النتيجة المطلوبة.
(3)
الواقع يقول: إن طريقة التعامل مع النائب عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطني, وقد وجد كل شيء تحت يديه, ورهن اشارته فإنه يزداد إحساسه بتضخم ذاته, ويعتبر نفسه فوق القانون.
ولا يقبل أبدا أن يخضع هو أو أنصاره للقانون الذي يخضع له كل الناس باختصار ليصبح الاستثناء هو قانون وجوده.
فطالما أنه وجد أن كل شيء ممهد له, فلماذا يقف في الطابور مع الآخرين؟ وكيف يستطيع أن يتقبل فكرة أنه مجرد مواطن من ملايين المواطنين المتساوين في كل شيء؟ فلقد نجح في الانتخابات بطريقة مريبة ودخل المجلس بشكل لا يخلو من الشكوك... ويستطيع أن ينال تيسيرات وتسهيلات وخدمات لا حصر لها بفضل الإمكانيات التي يتم تسخيرها له.. كل هذا يدفعه دفعا في النهاية لأن يتيقن أنه فعلا فوق الدولة والقانون والنظام العام والحكومة
ولهذا فكيف نستطيع أن نطلب من هذا النائب أن يحترم سلطات الدولة وأولها سلطة الضبطية القضائية ممثلة في قوة الشرطة؟؟ لقد اعتاد أن كل شيء مسخر لخدمته, فكيف تستطيع الشرطة أن تتجرأ وتتجاسر وتحتجز بعض رجاله وأقاربه؟ إنه بالضبط وحش تم تربيته وتغذيته وتوفير كل السبل التي تجعله وحشا نموذجيا, وهذا ما حدث في مدينة دشنا بقسم البوليس... فإذا صدق هذا الوصف فإن الواجب يقضي بضرورة تغيير طريقة التعامل مع السادة النواب الأفاضل قبل أن يفلت الزمام.
نقلا عن الاهرام |