يمنحنا آباؤنا جيناتهم الوراثية التي هى حتمًا تؤثر بنسبة ما على شكل سلوكياتنا الحياتية، ولكن تأثير تلك الجينات الوراثية محدود جدًا بالنسبة لعوامل أخرى ترسم شكل سلوكياتنا كأفراد.
البيئة المحيطة بنا وطبيعة مناخها الثقافي والفكري والاجتماعي تعد بمفرداتها من أكثر العوامل تأثيرًا في سلوك من يعيشون بها فتحدد"طباعهم" وترسم "أمزجتهم" وهناك من يستسلم لتأثير بيئته عليه ويرفض أي تغيير يدفعه له عقله الرافض لـ"طبع" ناتج من النشأة في بيئة سلبية، وهؤلاء تجدهم يرددون دائمًا "أنا طبعي كده ومش هغيره" ويظلوا هكذا متمسكين بسلوكيات نشأتهم في بيئات اجتماعية سلبية حتى بعد أن يغادروا تلك المجتمعات لأماكن أخرى أكثر رحابة.
الأقباط كغيرهم من المصريين تأثروا بالبيئة السلبية التي تجتاح المجتمع المصري وقيمه الإيجابية منذ عقود، وذلك ظهر في صور متعددة لا تعكس دوافع خبيثة للمتناحرين بقدر ما تعكس تأثر لم ينتهي دوره بالنشأة في مجتمع كان منفتحًا وإيجابياً في مرحلة سابقة.
الأقباط داخل مصر وخارجها يمكن إدراج طبيعة نشاطهم الآن لأخذ حقوقهم تحت مفهوم"الصحوة" فهم يملكون شعور جميل تجاه وطنهم مصر ويريدوا له المستقبل الرحب بمشاركة كافة أبنائه المؤمنين بضرورة أن تكون مصر"دولة مدنية" وليست "دينية" وذلك التوجه ليس رفضًا لعقيدة بعينها مذكورة حاليًا بالدستور وإنما لأن الأديان لا تصلح لأن تكون مرجعية لدولة تريد مستقبل رحب لكل مواطنيها دون تمييز.
عبر البحار هناك حالة اشتراك وجداني وفكري مع المشكلات المصرية بشكل عام والهموم القبطية بشكل خاص من قبل مصريون يعيشون بالخارج-أقول مصريون بالخارج لأنني أرفض مصطلح"أقباط المهجر" الذي أصبح مساوٍ للاتهامات بالعمالة والخيانة وما شابه ذلك من سخافات يروج إعلام غير مهني على الإطلاق- وهؤلاء باشتراكهم الفكري والوجداني هذا لا يسعون للتحريض ضد النظام المصري أو ضد فئة من المصريين يدينون بالإسلام وإنما كل ما يطمحون له أن يروا العدالة في وطنهم أن يلمسوا على أرض الواقع تحقيق لمفهوم"المساواة" بين الجميع بغض النظر عن المعتقد الديني للمواطن.
قد يقول أحدهم عن ماذا نتحدث نحن بالقرن الواحد والعشرين والمسيحي مساوي للمسلم، تلك ظنون بعقلك الذي تحكمه نظرية" المؤامرة"؟ ولهؤلاء أقول ليس بصحيح لا يحكم عقلي فكر "المؤامرة" أو الشعور المبالغ فيه بـ"الاضطهاد" فـ"المساواة" بين المصريين غير حقيقية في مضمونها والقوانين تؤكد ذلك، ولعل مآسي بناء الكنائس التي تتكرر يوميًا يكون من خلالها التوضيح الصارخ لحجم المساواة بين المصريين في الحقوق التي ينبغي للدولة أن توفرها لمواطنيها، بل الكارثي بحقيقي هو غض الطرف من قبل"الحكومة المصرية" على التطرف المتأسلم في الشارع المصري ولا أعرف هل ذلك خوفًا من "الحكومة" من مواجهة أباطرة التطرف الديني أم استغلالاً لحالة تجتاح الشارع للتخلص من مواطنين بعينهم لهم عقيدة قد لا تعجب من هم بموضع المسئولية في مؤسسات الدولة المكونين لما يطلق عليه"الحكومة".
استطاع المصريون المقيمون بالخارج المهمومون بقضايا وطنهم مصر أن يخرجوا للعالم "ريادات قبطية" –أقول ريادات لأنني لا أحبذ استعمال مصطلح الزعامات لإيماني أن الزعامة تحمل في أحيان كثيرة قدر من الديكتاتورية وتفرض أراء بعينها على مجموعة من البشر يعتقدون بأن هناك ملهم لهم يسمى زعيم- المهندس عدلي أبادير صاحب إشارة بدء لا يمكن لأحد أن يقلل من قوة إرسالها وضوئها لدفع عمل الريادات القبطية لمنحى جديد، وأتذكر جيدًا كيف أن هذا الرجل الذي منح الكثير جدًا يرفض أن يلقب بـ" الزعيم" ليؤكد بذلك تخلصه من تأثير بيئة الشرق السلبية التي تمجد مصطلحات بعينها تعطى انطباعات بعينها عن القوة والسلطة وما إلى ذلك من آليات الديكتاتورية، ولكن المنطق المتحضر الذي تعامل به ذلك الرجل مع مصطلحات القوة الشرقية أعطاه مساحة حب في قلوب كثيرين بل أن البعض أطلق عليه"البابا العلماني للأقباط" من إيمانهم بحقيقة دوره.
ولهذا كله أدعو "الريادات القبطية" البازغة في النمو حاليًا أن تتخلص من نشأة الشرق التي أكسبتنا سلوكيات سلبية خطيرة تؤثر على قضيتنا وعملنا، وتجعلنا نشعر بسعادة زائفة عندما نسقط الأخر المغاير لنا والعامل معنا بذات الحقل"الهم المصري وتحديدًا الشأن القبطي"، المؤسف أن اتهامات الخيانة والعمالة أصبحت "الريادات القبطية" ترددها على بعضها البعض مما جعل الأخر الذي يتابع من الخارج غير قادر على فهم ما يحدث؟ ومن ثم يعجز عن المشاركة بدعم وجوده لنصره من لا يملك حقوق المواطنة داخل وطنه وبذلك تفقد "القضية القبطية" داخل مصر الكثير ويبدأ المظلومون المقهورون بحق في الابتعاد تحت تأثير شعورهم بأن من يفترض بهم أن يكونوا" ريادة" أصبحوا غير ذلك منشغلين بالتخلص من انفعالات تنتابهم لأسباب شتى بعيدة كل البعد عن مضمون وهدف حقيقي واضح لخدمة المظلوم ومساعدته على جعل حياته أفضل.
فلنترك كل انفعالاتنا جانبًا ونركز بهدف نريد تحقيقه لوطننا مصر خاصة وأن الكثيرين منا يدركون جيدًا قيمة الحرية والمساواة والعدل بعد سنوات طويلة عشناها في مجتمعات مؤسسة على كل تلك القيم. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|