بقلم: هيام فاروق
كانت لحظات أليمة.. ما أرهبها لحظة.. لحظة انطلاق الروح من الجسد.. حقًا لنا في الموت موعظة.
أدركت أن كل مباهج الدنيا ضئيلة وتافهة.. فقد نظرت إلى وجه والدة زوجى وقت نياحتها، وكنت أقف بجوار فراشها وهي تنازع مع الألم، بلا آهات.. كانت تئن بداخلها حتى لا يسمعها أحد أبناؤها فتؤلم قلوبهم.. قررت أن تصير أقوى من آلامها، لا بأن تحتملها فقط بل بأن توزع الحب لكل من حولها حتى وهي في قمة الألم في هذا الوقت الذي يعثر فيها الكثيرون.
لقد باركني الرب بالتواجد في هذه اللحظة الأليمة.. وتأملت كم صنعت هذه الأم طوال حياتها.. لم تكتفِ بتربية ثمانية من الأبناء فقط حتى شبوا رجال وسيدات مجتمع أفاضل، بل قامت أيضًا بتربية جيل من الأحفاد وأخص منهم أحفادها لإبنتها التي تنيح زوجها وكانوا أبناءها في عمر الزهور، لم يتخطى أكبرهم المرحلة الإبتدائية.. ضمت هؤلاء الأطفال الأربعة إلى حضنها وبدأت مرحلة جهاد طويلة معهم، حتى وصلت بهم إلى كليات القمة (صيدلة وهندسة).
لم تدعهم معوزين شيئًا من حب ورعاية واهتمام بل وحتى طلباتهم اليومية المادية بجانب عمل والدتهم، ومع هذا لم يشعر أي من أبناءها إلا وكأنها متفرغة لكل منهم على حدة تفرغ كامل حين زيارة كل منهم لها.
تنيحت بسلام,,,
تأملت في زمان غربتنا.. تأملت كيف أن الله طوال سني حياتنا يلاطفنا ويبدأ معنا مطاردة الحب.. يتحرق شوقًا لرجوعنا وسعيا نحو خلاصنا، لأنه يعلم مقدار الشقاء والتعاسة والموت الذي تتجرعه النفس التائهة.
تأملت كيف يظل الإنسان هو مشكلة الله -إن جاز التعبير- لأن الخليقة كلها تخضع لله بدون تحفظ.. أما الإنسان فهو الوحيد الذي يعاني من إرادته المعاندة لله. ولذلك يضطر الله أن يتعامل معنا مرة بالملاطفة، ومرة بالإلحاح، ومرة بالتودد، ومرة بقرعات متواصلة على قلوبنا، ومرة بلغة أخرى هي لغة الحزن وعظة الموت، وخصوصًا موت أحد الأحباء.. فالحزن هو آخر محاولة للدعوة الإلهية لأن الرب لا يسر بالأحزان ولا يريدنا حزانى، ولكنه يفعل هذا مرغمًا من حبه، فربما تكون مرارة هذا الحزن هو الباب الذى نعبر به إليه.. هو الطريق الذي نرتقي به فوق الأحداث.
نرى الموت شرًا بعيوننا البشرية وقلوبنا الضعيفة.. نحزن.. ولكن يجب أن نحول هذا الحزن كخطة في السعي لخلاصنا.. فهذا الحزن هو دليل يديه الحانيتين اللتان تصنعان قصة الخلاص.
عجيب هو الإنسان الذي لا يشعر بقيمة العمر وأهمية الأبدية إلا بعد فقد الحياة!
ليتني أستيقظ قبل فوات الأوان وأدرك قيمة ما عندي قبل أن أفقده ولا أستطيع أن أسترده بعد!
ليتنا نجاهد ووجوهنا مضيئة.. باسمة.. لأننا ورثة الحياة الأبدية!
ليتنا نفهم لغة الله في التعامل معنا.. |