CET 00:00:00 - 15/10/2009

مساحة رأي

بقلم: ماريان جرجس
تمر الكرة الأرضية- مسكننا الوحيد المؤقت - بأيام كثيرة وسنين وعقود، بل و قرون..تولد  بها أحداث  بولادة أشعة الشمس الذهبية كل يوم،  ...لكن هناك أيام وساعات  تقف عندها ساعاتنا، ويتوقف التأريخ وكأنه أصابه الشلل..
كان هذا ما حدث  مع مايكل...ذلك الشاب الذي ترعرع فى أسرة مسيحية جميلة نادرة التواجد, وهو الشاب الذى اعتبر نفسه محظوظا بأبيه الروحى فى الكنيسة ..أبونا الذى أحبته الكنيسة منذ ان رُسم كاهنا.....
كان مايكل شماسه الخاص الذى لازمه فى كل ُقداساته وخدماته ..يذهب أينما يذهب .. ويشاركه أحلامه فى مستقبل الكنيسة القبطية ...كان أبونا حقا أباً  لكل ابن وابنة فى الكنيسة...كانت ثمار الروح القدس هى سماته  وحُفرت كنيسته فى قسماته  .. لم يسع مرة  واحدة إلى مجد أرضى أو مقابل مادى..فقد كان  شعبه به  محظوظا  ..كذلك كان يلحظ البعض  ملا حظة غريبة وهى أنه  فى بعض الأحيان يرون رجلا- فى نفس هيئة أبونا-  يأتى إلى الكنيسة ليلا يرتدى ملابس فقيرة  ووجه مغطى ..يطلب المبيت داخل حوش الكنيسة مدعيا أن ليس له مأوى.
بالفعل يُسمح له بذلك -ولكن إذ تشرق الشمس فيجدون الكنيسة نظيفة جدا _وأرضياتها لامعة والحمامات نظيفة والأيقونات تبرق بنور الصباح الذى يحتضن  شبابيك  الكنيسة لذلك الصباح، ..مما أثار دهشة الجميع .!!..ولكن عندما كانوا يسالون أبونا عن ذلك الرجل فيقول لهم:-( ياولادى سيبوه ياخد بركة وبطلوا تراقبوا غيركم) ويبتسم...كما اعتادوا عليه من خفة ظله.

فى ذات الأيام بعد قداس الصباح كان  ابونا  يمشى مع مايكل حول الكنيسة بناء على طلبه فقد قال له مايكل:- "أنا مخنوق ومنزعج يأابى جدا أريد التحدث اليك" , وبدأت رحلتهما حول سور الكنيسة فى النسيم العليل لذلك اليوم  المشرق التى كانت الرياح فيها تعزف أنغام السلام،   كما وصفها أبونا –الذى  كان  منيرالوجه، وقال لمايكل:-مالك ياابنى الحبيب؟؟ ..رد مايكل:- أنا منزعج ياابى من سلبيات كثيرة تحدث فى كنيستا اليوم ..زوج ينفصل عن زوجته ويهدم بيت بنُى على صخرة ارثوذكسية..ابنة تترك الملك وابن يهاجر وتضيع كينونته ...أطفال لاتعرف ما هى الكنيسة، وشباب لا يعى الا بالكمبيوتر والأغانى والعلاقات الغير صحية –وكاهن يسعى إلى شهرة وصيت ..بل ومسيحون لا يعلمون أنهم مسيحون الا بالبطاقة الشخصية فقط !!!
رد أبونا قائلا:-اعلم انك لاتدين احدا، بل تقول هذا من شدة حبك وغيرتك المقدسة على شعبك وكنيستك،..لكن ياابنى بدلا من أن نرتقب لذاك وتلك..اعطنى يدك نأخذ من نور الشمس -المرسل من عند أبيك  - طاقة نحول بها ثلوج الشيطان التى ألقاها على قلوب كثيرة، إلى انهار تنبت وتثمر وتحول الأراضى الجافة الى أراض خصبة..   

واذ فجاة تقطع حديثهما ..تاسونى تريز، التى جاءت مسرعة إلى الكنيسة تبلغ أبونا ..بأن رجال الأمن جاءوا وطلبوا  أبونا لأمر غاية فى الأهمية،  وكانت قلقة جدا !! فهدأ  من روعها أبونا وقال لها:- حاضر ياتريز أنا سأذهب الان ..
قالت له:بلاش يابونا ..اتركنى أتحدث مع المحامى ليذهب مكانك...رد قائلا :لابد أن نحترم السلاطين والحكام ياتريز.. سأذهب وأعود ومع مايكل ...لكن لاتجلسى فى البيت بمفردك ربما أتأخر..ابقى مع عائلة مايكل..
بالفعل ذهبا إلى الجهة التى استدعت أبونا..ألذى دخل بكل سلام وحب وسأل عن من استدعوه ملبيا النداء،  ولكن طُلب منه الانتظار حتى ياتى المسئول الكبير، وبالفعل جلس أبونا يكمل حواره مع مايكل وكأن شيئا لم يكن، على العكس كان الحال لدى مايكل الذى بدأ يقلق ويضطرب ولم يركز فى حوار أبونا –لكن تذكره فيما بعد-
طالت ساعات الانتظار حتى جاءت الساعة، وطُلب من أبونا الدخول واذ مايكل يتقدم معه كما اصطحبه طول اليوم ولكن تلك المرة منُع، ودخل أبونا الحبيب وغربت شمس ذلك اليوم بعد ان مر نهار ذلك اليوم...

وكأن قد قُدر لمايكل الانتظار أكثر من الساعات ..واكثر من الأيام فقد مر 3650 يوما ويومين منذ ذلك النهار الذى كان أخر نهار  رأى فيه مايكل أبيه، وتربع ألم الفراق على عرش  قلب ذلك الشاب  الذى كان ياتى كل يوم لعله يرجع ومعه أبونا،  كما وعد تاسونى تريز ذلك اليوم...ولكن جاءوا معه الآن ولديه بولا وبيشوى ،وكانت افكار تزوره، أن ابونا ذلك الملاك  ملقى مع  المجرمين والسارقين  فيقشعر جسده،  ولكن فى نفس الوقت تتردد كلمات أبونا فى أذنيه، ذلك اليوم الاخير الذى رأه فيه  قائلا:-من يحب الكنيسة القبطية يحبها لأنه أحب تاريخها المتوج بالدماء، ولغتها القبطية المرصعة بالأنين، فطوبى لنا إذا سجنا مع المجرمين كما صلب المسيح مع اللصوص، ولكن ليتنا نستطيع أن نهبهم الحياة الأبدية كما فعل المسيح مع اللص الأيمن.
حينئذ اشتق ألمه فرحا ناتجا عن يقين أنه من الأكيد أن  ابونا قد قام بواجبات كثره داخل القضبان الحديدية،  كل هذا الوقت ...كما عرف شعب كنيسته سر الرجل الذى كان ياتى الكنيسة ليلا، لأنه لم يعد ياتي منذ ذلك الحين!!
اهداء الى أبونا متاؤوس وهبة الذى حرمتنا منه القضبان الحديدية واهداء إلى كل أب كاهن يرعى رعيته ويحب كنيسته،  غيور عليها مكرساً ذاته لها لا طالبا مجداً أوشهرة  لاسمه أو مقابل مادى ولإلهنا كل المجد الدائم...

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٣ صوت عدد التعليقات: ١٧ تعليق