CET 14:36:33 - 16/10/2009

مساحة رأي

بقلم: أدولف موسى
كان لديّ حوضين سمك زينة في البيت، وضعت في أحد الأحواض بعض من السمك وتركته يتكاثر لعدة أجيال، لم أعمل أي شيء إلا أن أعطيه طعام وأنظف لهم مكانهم، بعد فتره وجدت أنهم تكاثروا. أردت أن أرى ما هو حال السمك الذي اُنجِب في هذا المكان فلم أجد سمكة واحدة سليمة الشكل. عندما بحثت عن السبب وجدت أنهم كلهم أقارب تزاوجوا لأنني لم أضع لهم دم جديد فكان كل ما جاء من تزاوج هؤلاء الأقارب مشوهون ومعوقون.
سألت نفسي، هل يمكن حدوث هذا في مجتمعات كائنات حيه أخرى؟ المجتمع الإنسانى مثلاً؟ دعونا ننظر للشرق كمثل يطبق هذه الطريقة.
إن كل منا يعلم أن زواج الأقارب شيء شائع متبع لدينا في قرى مصر وأيضًا في المدن، نجد أن الآباء -وهم متزوجون من نساء من أقاربهم- يصرون أن أبناءهم أيضًا يتزوجون من أقارب ويعتبروا أن هذا فرض طبيعي عليهم ويقال "ماذا نفعل ببنات العيلة؟ نتركهم للذئاب خارج العيلة لينهشوا فيهم ويبهدلوا في لحمنا وشرفنا؟" وأيضًا تأتي فكرة أخرى وهي أنهم لا يريدون أن الأرض أو مال العائلة أن يخرج خارج العائلة أو أن يطمع فيه غريب، إن لم يستجب الشباب لقرار وفكرة الآباء يأتي الفرمان القاطع من كبير العائلة ويقرر تزويج الشاب ببنت عمه - عمته، خاله أو خالته. هنا تحدث الفاجعه الكبرى، فمع مرور الزمن تبقى الجينات المتوارثة في العائلة الواحدة بلا عناصر جديدة تخطلت بها لتقويتها. بمرور الأجيال المتعدده تضعف هذه الجينات المتوارثه جيل بعد الآخر إلى أن تصل الأجيال الجديدة لدرجة كبيرة من التشوه الجسدي أو العقلي أو الاثنين معًا.

عندما ننظر إلى المجتمعات التي منعت هذا السلوك -زواج الأقارب- قَلَّتْ لديها هذه الأنواع من التشوهات لدرجة كبيرة، أمَّا مجتمعات الشرق وبالأخص لدينا في مصر -حتى وإن حدث تغير في عقول البعض- فإن الغالبية فيها مُصِرَّة على هذا المبدأ إلى الآن. إن أردنا ان نجد مجتمع ما يتمتع إلى حد كبير من الصحة الجسمانية ومستوى عقلي سليم في أجياله الجديدة لوجدنا فيه تشابك جيناته الوراثية كشبكة ممسوكة ببعضها وهذا يأتي عن طريق فتح كل طرق الارتباط إلا ارتباط الأقارب. أمَّا الصفات الوراثيه لدينا في الشرق تمثل عواميد متوازية بجانب بعضها لا تتلامس ولا تلتقي، كل عمود منهم يمثل الجينات الوراثية لكل عائلة وهذا لا يتلامس ولا يلتقي بعواميد جينات العائلات الأخرى. يبدأ كل عمود من هذه الجينات في الضعف وتوريث هذا الضعف بضعف أكبر. فمن العجيب أن هذه الجينات تضعف في كل شيء عدا قوة الإنجاب التي لا تضمحل على الإطلاق بل تتزايد.

نأتى لحقيقة أخرى ونطرح هذه الأسئلة: ما هو الفرق بين إنسان متعلم وإنسان مثقف؟ وكيف يسير التعليم في مصر؟
لنحاول أن نرد على السؤال الأول وهو ما هو الفرق بين الإنسان المتعلم والإنسان المثقف؟ الإنسان المتعلم هو الإنسان الذي تعلم من كتب ما كَتَبَها أو ألفها أناس آخرين عن طرق عديدة منها الأبحاث وتعلم منها هذا الإنسان ما يُمَكِنه الانتاج في الحياة العمليه لكسب لقمة العيش. هذا لا يعني على الإطلاق أنه لا بد أن يفهم أمورًا كثيرة في الحياة أو يكون مفكرًا أو مثقف. أمَّا المثقف فهو من أراد الفهم مع حب الإبداع فيما وصل إليه علمه وفكره. المتعلم يمكنه أن يتعلم عن طريق الحفظ، أما المثقف فلا بد أن يفهم ما تعلمه ويستطيع أن يتناقش فيه ويكمله بفكر جديد.
عند إجراء أبحاث عن نسبة ثقافة الشعوب وجِد في الشرق وبالذات في مصر نسبه قليله جدًا -تكاد تكون غير مرئية- مِن مَن يحبون القراءة الحرة أو الغير حرة. القراءة الغير حرة هي القراءة المفروضة في المدارس والجامعات على المتعلم في صورة مناهج تعليمية، أمَّا القراءة الحرة فهي قراءة نوعية الكتب التي يميل إليها القارئ وهي غير مرتبطة بمنهج تعليمي إجباري. وُجِد أيضًا أنه لمجرد لمس يد إنسان مصري لأي كتاب يجعله يُصاب في الحال بنوبة من الصرع والرعب الرافض لهذا المنكر ويوحَي له بأن هذا الذي في يده شيء مؤلم للغاية ويأتي له صوت غير مسموع يأمره أن لا يفعل هذه الفحشاء وهي محاولة قراءة هذا الكتاب.
من أين جاء هذا الشعور؟,, عندما نبحث في حقبة حياة أي مصري التي أمضاها في الدراسة المدرسية والجامعة بعد ذلك -هذا إن أمكنه المجموع في الثانوية العامة- نجد أنه كان قد كُتِبَ عليه حفظ مجموعة من الكتب بالعافية والتي لم يعطى له الحق أن يفهمها لأنها على أي حال مستحيلة الفهم، مع أن هذه الكتب قد كُتبت لتعليم الإنسان التفكر والعمل بما فيها في حياته العملية بعد انتهائه من التعليم ولكنها في الحقيقه غير مهيئة للفكر أو التعليم الآدمى العاقل. هذه الكتب كان منها ما هو ذو فكر ونوعية متخلفه تأتي من القرون التي كانت تحكم فيها الديناصورات الكرة الأرضيه، رديئة لدرجة أنها يمكنها أن تكون السبب الرئيسي في تخلفه، وبعضها بل الكثير منها لا يتناسب مع خطوط الإنسان الفكرية العادية والحديثة. 
نعود إلى نظم التعليم في البلد التي تمتلك أكبر وأعرق حضارة عرفها التاريخ البشري. لم يكتف هذا الشعب بالتعوق الذهني فقد أوسع مجاله بالتعوق الجسدي أيضًا. حتى إن أحب أي تلميذ أو طالب أن يمارس هواية رياضية أو يلعب قليلاً يُقال له أنه من الأصلح له بذل هذا الجهود وهذا الوقت "الضائع بلا فائدة" فيما ينفعه في المستقبل وهي المذاكرة! فلم يجد الطفل المصري أي حق في ممارسة الرياضة لأن الكل يعتبرها رجس من عمل الشيطان! حتى إذا سُمح له بممارسة الرياضة، فأين هو المكان الذى يستطيع استعماله؟ في الشوارع فقط! فوجدت أن حكومات الشرق لا تهتم على الإطلاق بهذه المجالات لأن من يحكم هناك أصبح عجوزًا قد نسى أنه يومًا ما كان شابًا يتمنى ممارسة الرياضة ولم يجد من يوفر له هذه الإمكانية.
حتى إن أراد هذا التلميذ قراءة شيء آخر بجانب كتبه المدرسية قيل له أنه من الأصلح له أن يبذل هذا المجهود في ما سوف ينفعه وهو الكتاب المدرسي. يجرم الشاب أو الشابه في مصر إذا فعل أي شئ بجانب هذا التخلف الموجود في كتبه المدرسية والتى الكثير منها لا يوصل إلا للتخلف لأنها لا تتماشى مع العلم الحديث المتغير. أصبح التعليم في الشرق بالقوة حتى أصبح الإنسان الشرقي يكره شكل الكتاب لأنه يعني الألم له.

الدروس الخصوصية، الأرقام الخياليه التي على الآباء أن يدفعوها لأبناءهم في هذا الشيء الملعون والتي يمكن أن توصلهم لعدم القدرة على دفع ثمن الخبز. ولنسأل أنفسنا بعد ذلك، هل يمكن إيجاد حتى ولو ثغرة صغيرة وسط هذه الكمية من الجهل التي تثقل عقول المصري لإعطاء العلم مجالاً في العقول المثقله بهذه الأعباء؟

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق