CET 11:06:07 - 20/10/2009

أخبار عالمية

إيلاف

إذا كان اختيار الشريكين أحدهما للآخر يرجع الى انجذاب عاطفي أو إلى حب من نظرة أولى في الأساس، فهو في لبنان يخضع إلى قوانين تحدد عدد نبضات القلب ومجال تحركها ضمن حدود.. الطائفة. فغالبا ما يقطع اللبنانيون البحار ليرسوا في قفص ذهبي مكلل بزواج مدني. خاصة وان الزواج المدني غير مطبق بلبنان ولكنه يسجل ويعترف فيه في السجالات الرسمية.. وغالبا ما تكون قبرص اقرب دار ليعقد العشاق قرانهم بعيدا عن التجاذبات الطائفية التي تعصف في وطنهم لبنان .

 
بيروت: في بلد يتغنى بالحريات، يختار الكائن شريك حياته ضمن إطار الطائفة والمذهب، فهو محكوم بالزواج غالباً ضمن الشرنقة وعليه القبول بقانون للأحوال الشخصية مفصل على مقاس استمرارية مصالح الطائفة وضمان الموارد المالية التي يؤمنها الزواج الديني، وإلا فعليه أن يمخر البحر إلى قبرص أو اي بلد آخر ليتزوج .. مدنياً.

وقالت رين عازار، مديرة احد المختبرات الطبية في بيروت التي تزوجت في قبرص زواجاً مدنياً لوكالة الأنباء الألمانية ( د. ب. أ ) "توجهت مع خطيبي الى قبرص منذ 15 عاماً لنتزوج  مدنياً،  لأن مؤسسة الزواج، مؤسسة اجتماعية معرضة للانهيار لأسباب جمّة، ولأننا لاحظنا ان قانون الاحوال الشخصية الكنسي يفتقر إلى آلية حل المشاكل الزوجية في حال حصولها، حيث يبقى الزوجان بهذه الحالة في وضعية (لا معلق ولا مطلّق)".  وتابعت عازار "لم يعارض الاهل فكرة زواجنا المدني ، لكن كاهن القرية عارضها وتوجه في عظة الاحد الى المصلين شارحاً ضرورة الابتعاد عن الزواج المدني لأنه زواج غير مبارك من الله".

واضافت: وقعنا العقد بعد ان قرأ القاضي شروطه علينا فوافقنا عليها .وتوجهنا بعدها الى وزارة الخارجية في قبرص لتصديقه ثم الى السفارة اللبنانية لإيداعه على أن نستلمه  من وزارة الخارجية اللبنانية بعد فترة معينة ، ثم أوصلناه إلى دائرة الأحوال الشخصية في المنطقة التي نسكن فيها حيث جري تسجيله رسمياً

ويتناقض منع اللبنانيين من ممارسة خياراتهم الحرة إلى حد بعيد مع جوهر النظام السياسي اللبناني الذي يقوم على الحرية والديمقراطية وحق الاختيار. وكان مجلس الوزراء اللبناني  أقر مشروع  قانون الزواج المدني الاختياري الذي طرحه رئيس الجمهورية الاسبق الياس الهراوي، في 16 أذار/ مارس عام 1998  بغالبية 21 صوتاً ومعارضة ستة وزراء، ولكن رئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري استخدم سلطته لكبح سيرورة المشروع.

 وقال النائب السابق في المجلس النيابي اللبناني غسان الأشقر لـ( د.ب.أ)  "إن نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي (وهو حزب سياسي علماني) هم أول من طرح مشروع قانون الزواج المدني وكان الرئيس الياس الهراوي مؤمناً فعلاً بهذا المشروع فطرحه بنفسه على مجلس الوزراء، ونال المشروع موافقة أغلبيتهم. وتابع الاشقر "في حديث لي مع الراحل الحريري لاحظت ان الزواج المدني بالنسبة اليه كان بمثابة زواج غير شرعي، وكان يرفضه رفضاً قاطعاً ويرفض إقراره. ثم جاء الرفض القاطع من مفتي الجمهورية الذي لاقاه في مواقفه البطريرك الماروني، فوُضع هذا المشروع في ادراج الانتظار".

  ولا يوجد في لبنان حتى اليوم قانون موّحد للأحوال الشخصيّة، فكلّ طائفة تتبع قوانينها الخاصة المستمدّة من الشريعة للمسلمين ومن الكنيسة للمسيحيّن. وبما أن في لبنان اليوم 18 طائفة فهناك 18 محكمة روحيّة لها قوانينها الخاصة وقضاتها. وأضاف الاشقر "تقدمنا بهذا المشروع لاننا نرى أن إقرار قانون الزواج المدني، يوحد قوانين الاحوال الشخصية التي تتوزع على 18 قانونا، ويعزز المجتمع المدني المناهض للحالة الطائفية. فلبنان هو بمثابة مجلس أمن مصغر تحكمه طوائف كبيرة لها حق الفيتو على كل القرارات والمشاريع التي تتناقض مع مصالحها"..

ويتوجه اللبنانيون الراغبون بالزواج مدنياً، وهم كثر، إلى بلد ينفذ عقد هذا الزواج حيث يوافق الطرفان على شروط الارتباط، وتقسيم الثروة في حال فك الارتباط، بحضور القاضي وشاهدين لا ينتميان إلى الاسرة المصغرة لكل من العروسين. ولاتوجد احصاءات رسمية  ترصد رغبة الللبنانيين باقرار مشروع قانون الزواج المدني، لكن تقديرات تشير الى ان اكثر من نصفهم يرغبون بإصدار قانون مدني ينظم عقد الزواج.

 وقالت استاذة في الجامعة الاميركية لـ( د.ب.أ)، "إن الزواج المدني هو تعاقد بين شخصين ولا يمكن تقييمه الا من خلال الشروط التي يتضمنها والغاية منه. فإذا كانت شروطه عادلة، والغاية منه حماية مؤسسة الاسرة كان مفيداً، وهو في كل الاحوال يحل مشكلة الارث في حال انتمى الزوجان إلى ديانتين مختلفتين. ويمكن للزواج المدني الاختياري أن يحل الكثير من المشاكل للبنانيين المتوزعين على اتساع 18 طائفة، بدل إيجاد مخارج للاحتيال على القوانين المرعية الإجراء. وقال بعض المحلليين أن رجال الدين شعروا أن مشروع الزواج المدني الاختياري الذي تقدم به الرئيس الهراوي يهدد إمتيازات تاريخية لمؤسساتهم فاتفقوا على رفضه. وأضافت الأستاذة الجامعية " رفض قانون الزواج المدني الاختياري لأسباب إيديولوجية من جهة، ولأنه يلغي سلطة الطوائف والعائلات، من جهة ثانية. حيث يجد الفرد نفسه محاصراً بمجموعة من التقاليد الموروثة منذ ولادته وحتى موته. ولا شك ان مصلحة بعض المؤسسات السياسية والدينية هو الاستمرار في السيطرة على الناس والامساك بمصالحهم الاساسية".

ولا يهدف الزواج المدني الاختياري إلغاء الزواج الديني وإنما يساعد في حل مشكلة اجتماعية وإنسانية كبرى يعيشها لبنان منذ بداية القرن تتمثل في غياب قانون لتنظيم أحوال قطاع واسع من الأسر التي لم تجد في الزواج المذهبي ما يناسبها، فاضطرت باستمرار للذهاب خارج الأراضي اللبنانية للزواج.

 وقال الاب طوني كرم لـ( د. ب. أ) "تحترم الكنيسة الزواج المدني ولكنها تفضل الزواج الكنسي على اعتبار ان الكنسي هو عقد امام الله والناس، وسر من أسرار الكنيسة، وهذا ما يجب ان يكون عليه الامر. اما المدني فهو عقد أمام الناس فقط. وتؤيد الطبقة الشابة من الكهنة المثقفين عقد الزواج المدني". وتابع كرم "في حقيقة الامر لا ترفض الكنيسة الزواج المدني الاختياري بل تشجعه لانه يحد من تعدد الزوجات وله العديد من الحسنات الاخرى، ولكن رفضها لمشروع قانون الزواج المدني الاختياري الذي تقدم به الرئيس الياس الهراوي عام 1989 جاء مسايرةً منها للطوائف الاخرى التي يتشكل منها الوطن والتي رفضت هذا المشروع رفضاً قاطعاً. ولأن النظام الطائفي في لبنان يفرض على القوى السياسية احترام رغبات الطوائف وعدم اتخاذ أي قرار الا بموافقتها".  وأضاف "قد نجد بعض الكهنة المتشددين الذين يرفضون الزواج المدني الاختياري ويجدون فيه تهديداً لامتيازاتٍ لطالما تمتعوا بها".

ووجدت اللجنة العربية  لحقوق الإنسان أن مشروع القرار هذا يحتوي على الكثير من النقاط الايجابية  خاصةً منعه تعدد الزوجات (المادة 9) ومساواته المرأة بالرجل في حق طلب الطلاق وإقراره لمبدأ التبني (الباب الثاني: الفصل السادس، المادة 73) وتحويله النظر في قضايا الإرث والوصية وتحرير التركات للمحاكم المدنية (المادة 110). واعتبرته الأقرب للشرعة الدولية لحقوق الإنسان و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من جملة القوانين المذهبية الموجودة في لبنان.
وقد نوقش هذا الموضوع كثيرا في لبنان ، لكن حتى اللحظة ما زال من رماهم "كيوبيد" بسهمه، أو من حلت عليهم "صاعقة " الحب أو من تدّله " مثل قيس بن الملوح، يلوحون بالسفر إلى مكان آخر ليتزوجوا مدنياً..ثم يسجلون زواجهم في لبنان ،وكما يقول المثل العامي"كل  على دينه ..الله يعينه".

 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع