بقلم: ألبير ثابت
عظيمة يا مصر .... تحتفل مدينة أبو سمبل السياحية مع شروق شمس يوم الخميس الموافق 22/ 10/2009 بالحدث العالمى الفريد لتعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثانى بالمعبد الكبير بقدس الأقداس بمدينة أبى سمبل معلنة عن بداية شهر " شمو " الذى يمثل بداية موسم الحصاد عند المصريين القدماء .
ومن المعروف، أن تلك ظاهرة فلكية وهندسية نادرة تتكرر مرتين يومى 22 فبراير وأكتوبر من كل عام على وجه رمسيس الثاني، الأمر الذى يبين تقدم القدماء المصريين فى علوم الفلك واستفادتهم الكاملة بظواهره فى حياتهم العامة وأنهم كانوا يعرفون خصائص شروق الشمس وغروبها ومواقيتها ومواقعها وطول السنة الشمسية . ففي خلال الاحتفال بتلك الظاهرة الفلكية النادرة في 22 فبراير الماضي من العام الجاري ( الذي يوافق يوم تتويج رمسيس الثانى ) ، استمر التعامد نحو 24 دقيقة، قطعت خلالها أشعة الشمس مسافة 60 مترا داخل المعبد، لتصل إلى صالة قدس الأقداس، ولتتعامد على وجه تمثال الملك «رمسيس الثاني» وتمثال زوجته « نفرتا ري »، وتمثال « آمون رع » ، مدعو طيبة ، صانعة إطارا حول التماثيل الثلاثة دون التمثال الرابع المجاور لهم، وهو تمثال « بتاح » الذي كان يعتبره الفراعنة معبود « الظلمة ». وقد شهد هذا الحدث آلاف السائحين الأجانب والمصريين ، كما اكتظت ساحات المعبد الخارجية حول شاشات عرض كبيرة للتمتع بمشاهدة الظاهرة الفلكية الفريدة التى تنقلها كل عام المحطات التليفزيونية ووكالات الأنباء العالمية على الهواء مباشرة .
في سياق متصل يتم في تلك المناسبة إقامة إحتفالات فنية مختلفة حيث تقدم فرق الفنون الشعبية عروضا ورقصات من الفلكلور النوبي، شاركهم فيها السائحون وسط أجواء من السعادة والاستمتاع بتلك الظاهرة ، كما قامت محافظة أسوان فى الاحتفال السابق باهداء طاقية نوبية وشالاً نوبياً لكل سائح يحضر مهرجان تعامد الشمس بالمعبد الكبير لرمسيس الثاني بأبو سمبل .
ويعد رمسيس الثاني هو ثالث فراعنة الأسرة الـ 19 وحكم مصر لمدة 66 عاما من 1290 قبل الميلاد حتى 1224 قبل الميلاد . حيث قام ببناء العديد من المعابد والتماثيل المثيرة للإعجاب وكان قائداً شجاعاً قاد عدة حملات شمالاً إلى بلاد الشام ، وحملات إلي جنوب الشلال الأول إلى بلاد النوبة. وفي معركة قادش الثانية قامت القوات المصرية تحت قيادته بالإشتباك مع قوات ملك الحيثيين ولم يتمكن أي من الطرفين هزيمة الآخر. ولذلك أبرم رمسيس الثاني في العام الحادي والعشرين من حكمه معاهدة معهم ، وهي أقدم معاهدة سلام في تاريخ البشرية .
ولا ننسي منذ ثلاث سنوات منظر الحشود الغفيرة من الجماهير التي تجمعت عند منتصف الليل في ميدان رمسيس ، وعلى الشرفات وفوق الأسطح وأمام نوافذهم المشرفة على ميدان باب الحديد أمام محطة رمسيس مودعين تمثال القائد وسط حفاوة بالغة إلي مقره الجديد في المتحف المصري الكبير خارج مدينة القاهرة لحمايته من التلوث والاهتزازات التي تسببها حركة مترو الإنفاق الذي يمر قرب موقعه. ... بل أصطف أكثر من 15 ألف شخص فوق جسر 6 أكتوبر لمشاهدة لحظات مروره ، وقد سجل الكثيرين تلك اللحظات التاريخية بهواتفهم الجوالة ، ويصورون تلك المشاهد التي لن تتكرر ، حيث استغرقت عملية النقل عشر ساعات في وجود أكثر من عشرة آلاف من رجال الأمن لتأمين مسار التمثال ، ولمنع الجماهير الذين اكتظت بهم الأرصفة من الاقتراب من الموكب ، وكان التصفيق والصفير يعلو فور ظهور التمثال بعد كل منعطف بضخامته في الشوارع وبين العمارات التي تجاوز ارتفاع التمثال ارتفاعات بعضها. بل أطلق بعض المواطنين الواقفين على الشرفات اللحن المؤثر لموسيقار ثورة 1919 الراحل سيد درويش " بلادي بلادي لك حبي وفؤادي " وقاموا بإلقاء البالونات على الموكب، بينما رفع آخرون لافتة كتب عليه " نستحق أن نحافظ على عظمة تراثنا وأن نرتقي إلى مستواه" ... وكان من أجمل الهتافات المعبرة عن تلك العظيمة عندما هتف بعض المحتشدين : ( جدو يا جدو خليك معانا ) .
أن ما قد تم اكتشافه من الآثار الفرعونية يقدر بنسبة 30 في المائة فقط من التماثيل والآثار المدفونة تحت رمال الصحراء المصرية التي ضمتها وغطتها منذ آلاف السنين.... إنها عظمة حقيقية تتحدث في صمت بأنها الأعلى والأبقي ، وأنهم نقلوا مصر لتكون بكافة المعايير أما للحضارات الإنسانية جمعاء . |