CET 00:00:00 - 24/10/2009

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري
منذ فترة من الزمن وأنا أدرب نفسي وأحاول أن لا أنجرف أو أنزلق في معارك جانبية تبعدني عن القضايا الحقيقية التي تحتاج لنضال وكفاح, وقد آليت على نفسي ألا أتورط حتى في مجرد الدفاع عن نفسي ولاسيما عندما يكون الهجوم شخصي وغير موضوعي أو يكون متجاوزاً لحدود اللياقة واللباقة, أو عندما يأتي الهجوم من أصدقاء أو أحباء أكن لهم كل تقدير واحترام, فالنيران الصديقة وإن كانت مؤلمة وحارقة ولكنها أولاً وأخيراً هي آتية من رفاق يسيرون على نفس الدرب ويعانون نفس المعاناة, ومن ثم فلابد من تجاوز المواقف وعدم الوقوف كثيراً على هجوم الأحباء والأصدقاء رفقاء الدرب وشركاء المحنة .
ولكن السؤال الذي وقفت أمامه طويلاً خلال الفترة الماضية هو ماذا يريد المسيحيون بالضبط؟ وأنا أقصد هنا تحديداً المسيحيون المصريون ومسيحيو المهجر الذين يناضلون دفاعاً عن قضايا المسيحيين من خارج الوطن, فعلى الرغم من أن هناك همَاً واحداً ومشتركاً يحتاج منا جميعاً إلى التماسك والوحدة , إلا أنني وجدت أشخاصاً  يدعون للفرقة والانقسام ويبثون سموم الكراهية والضغينة سواء في الداخل أو الخارج .

فعلى المستوى الداخلي هناك تشاحن وتناحر طائفي وصل لحد تكفير مسيحيين لمسيحيين آخرين والتصريح بأنهم لن يدخلوا ملكوت السموات , لمجرد أنهم مختلفون في الفكر, أو القول بأنهم غزاة وذئاب خاطفة .... الخ
وعلى المستوى الخارجي يوجد تناحر واضح بين المسيحيين في المهجر والذين كان لي شرف الالتقاء ببعضهم في مؤتمر زيورخ ومؤتمر شيكاغو , ولكم يؤلمنى كثيراَ وأنا أتجول بين المواقع القبطية الألكترونية لأجد مقالات وتعليقات بها الكثير من بث سموم الفرقة والشقاق واتهام  كل فريق للآخر بالتنازل عن القضية والتهاون والتفريط في المبادئ, أو العمالة أو الخيانة أو التربح أو السرقة أو... أو .........أو ......الخ

أين نحن ؟ وماذا نريد بالضبط ؟ هل لدينا قضية بالفعل ؟ هل نحن جادون في حلها ؟ ما أراه وما أقرأه وما أسمعه يجعلني أشك في جدية البحث عن حل
لقضايانا, وأسباب هذا الصراع من وجهة نظري أراها تتلخص في الآتي:-
أولا ً التعصب , فالتعصب موجود في معظم بقاع الأرض ولكنه متوفر بوفرة في منطقتنا العربية, وإذا كان المسيحيون يلومون المسلمين على تعصبهم ورفضهم للآخر, فماذا يقولون عن تعصبهم ورفضهم لبعضهم البعض ؟!!! هل يمكن أن نعالج الداء ونحن مرضى بنفس المرض ؟!! هل يحق لنا أن نلوم الآخرين على تعصبهم ؟!! ألم يقل السيد المسيح  لا تدينوا لكي لا تدانوا, لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم , ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها , أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك , يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك ,  فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم أيضا بهم لأن هذا هو الناموس و الأنبياء" متى 7 : 1 – 5 , 12

ثانياً :- عدم الاتساق مع الذات , فالمسيحيون يدافعون بشدة عن حقوق الإنسان عندما يتعرضون للظلم وانتهاك حقوقهم , وعندما لا يُسمح لهم بنشر معتقداتهم , أما عندما يتعلق الأمر بالغير فموقفهم يختلف , ماهذا التناقض ؟ هل حقوق الإنسان يمكن أن تتجزأ ؟!! أعتقد لا , فمن حق كل انسان أن يعبر عن فكره ورأيه ومن حقه أن يكون موجوداً ومن حقه أيضا أن يكون مختلفاً ومن حقه أن يعلن ويبشر بفكره ومعتقده بكل الطرق السلمية والقانونية والمشروعة بشرط ألا يضر الآخرين وألا يرهب الآخرين أو يستخدم العنف لإجبارهم على اعتناق مبادئه , هذه هي حقوق الإنسان , هل المسيحيون على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم – مع حقوق الإنسان فعلاً  أم ضدها ؟ هل هم معها كلها أم مع بعضها فقط ؟ أم أنهم معها عندما يدافعون عن قضيتهم وهم ضدها في نفس الوقت عندما يتعلق الأمر بالغير المختلفين فكرياً وعقائدياً ؟!!!!!!!

ثالثاً :- الظن بأن كل جماعة هي الوحيدة التي على صواب, سواء داخل الطوائف المسيحية , أو حتى داخل جماعات النضال في المهجر التي تدافع عن حقوق المسيحيين عن طريق مواقع الانترنت أو المؤتمرات أو اللقاءات أوالمظاهرات المختلفة  , ياأحبائي .. يا أصدقائي .. في الداخل والخارج , أؤكد أنه لاتوجد حقيقة مطلقة , ولا يوجد طريق واحد يمكن أن نعتبره صحيحاً, فنحن نحتاج لبعضنا البعض ونحتاج لكل الطرق ولجميع السبل , نحتاج لل(أحرار) ونحتاج لل(متحدون) ولجميع المناضلين سواء في أمريكا أو كندا أو أوربا أو استراليا أو لندن,   نحتاج لمن يعمل في هدوء ونحتاج لمن يعمل في صمت , ونحتاج لمن يتعامل بحدة أحياناً , نحتاج لمن يناضل في الخارج ولمن يناضل في الداخل, إننا نحتاج لكل قلم جرئ يصوبه صاحبه في اتجاه اعداء الحرية والمواطنة وليس في ظهر رفقاء الدرب وشركاء الكفاح وأصدقاء الطريق, فليس من مصلحة أحد أن يُقصي الآخرين ليظهر هو فقط في المشهد , نحتاج لأن نأتلف ولأن نختلف , نحتاج إلى تضافر جميع الجهود طالما أننا نعمل معاً ولنا قضية مشتركة ونحمل همأ مشتركاً .  
          
أذكر أنني عندما كنت في السنة الخامسة من المرحلة الابتدائية كان مقرراً علينا من ضمن كتب الدراسة كتاب ( التعبير اللغوي ) , وكان الدرس الأول في هذا الكتاب عنوانه ( الاتحاد قوة ) , ويذكر هذا الدرس أن أباً طاعناً في السن جمع أبناءه الثلاثة وأراد أن يعلمهم درساً في الاتحاد , فأعطى لإبنه الأكبر عصا وطلب منه أن يكسرها وبكل سرعة ويسر كسر الابن الأكبر العصا , ثم أعطى عصا أخرى لإبنه الثاني فقام أيضا بكسرها دون أدنى مجهود , ثم أعطى عصا ثالثة لإبنه الثالث فقام بكسرها فوراً . حينئذ أخرج الأب حزمة من العصي مرتبطة معاً كانت بحوزته, وأعطاها لإبنه الأكبر وطلب منه أن يكسرها كما كسر العصا وحاول الابن أن يكسرها بعد أن بذل مجهوداً واضحاً ولكنه فشل, فقام الأب بإعطاء الحزمة لإبنه الثاني وطلب منه كسرها وحاول الابن أن يكسر الحزمة ولكنه فشل , وأخذ الأب الحزمة وأعطاها لإبنه الثالث ليكسرها ولكنه بعد عناء شديد فشل أيضاً . وعندما فشل الأبناء الثلاثة في كسر حزمة العصي التفت إليهم الأب وقال لأبنائه الثلاثة ( أنتم ياأبنائي مثل هذه العصي عندما تتفرقون ويكون كل منكم بمفرده ما أسهل أن تنكسروا وتتحطموا, ولكن عندما تكونون يداً واحدة وتتحركون معاً بترابط ومحبة وتعاون فلن تستطيع أي قوة أياً كانت أن تحطمكم أو تفرقكم)
فهل لنا أن نتعلم الدرس ونضع أقلام الهجوم على بعضنا البعض داخل أغمادها؟ أرجو ذلك!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق