كنت أمر بوعكة (عاطفية) ـ إن جاز التعبير ـ ولم أكن أطيق حتى الهدوم التي على كتفي.
وكان لا بد لي من حل يطفي النيران المضطرمة في جوفي، واستقر رأيي بعد أن خبطت رأسي في الحائط ما لا يقل عن عشر خبطات، على الهروب غير المنظم، ولكن إلى أين؟!
هنا وقفت محتاراً، إلى البحر، أم إلى الجبل، أم إلى الصحراء، أم إلى الغابات، أم إلى بلاد لا تذوب فيها الثلوج في كل الفصول، أم إلى (لاس فيغاس) لأعلن إفلاسي على الملأ من هناك.
وبينما كنت أقلب وجهي في السماء محتاراً، تذكرت إعلاناً قرأته قبل يومين في إحدى المجلات عن (منتجع) مناسب، وأخذت أبحث عن المجلة وسط ركام الأوراق والكتب المبعثرة في كل مكان، وهي التي أقتات عليها صباحاً ومساءً، وأحياناً أنام عليها وأتلحف بها.
لا تستغربون، إنها (الفوضى الخلاقة) مثلما يقولون.
المهم أنني بعد جهد جهيد استطعت أن أعثر على تلك المجلة السياحية الفنية الممتلئة بصور الغيد الحسان، وقد التقطتها بصعوبة بالغة من تحت كتاب (الخطيئة والتكفير) للدكتور عبد الله الغذامي.
قلبت صفحاتها حتى وصلت إلى الإعلان الذي جاء فيه:
أن ذلك المنتجع يبعث على الاسترخاء التام، وينسيك همومك ـ عندها قلت بيني وبين نفسي (جاك يا مهنا ما تمنا).
وازداد تهافتي عندما عرفت أن ذلك المكان ذو جو ساحر وعلى شيء من البساطة الريفية ـ وهذا هو ما أتوق إليه حقاً، بعد قرفي من حياة المدينة التي أحياها.
واستمررت في القراءة وقد تهللت أساريري أكثر خصوصاً عندما عرفت أنه يوجد في المكان مسبح قريب ـ وليس هناك من وسيلة تشفط همومي شفطاً عنيفاً أكثر من أن أتحول إلى ضفدع في داخل الماء.
واكتملت قناعتي بذلك المنتجع عندما عرفت أن مساحته واسعة، وهو لا يبعد عن مطار (المدينة الفلانية) غير بضعة كيلومترات.
وأخذت أتخبط كالأعمى من شدة الحماسة ولم أعد أطيق صبراً، واتصلت تلفونياً بإدارة ذلك المنتجع وحجزت، وفي اليوم الثاني كنت في مكتب الطيران، وفي اليوم الثالث كنت مقلعا ووصلت لمطار (المدينة الفلانية)، وركبت التاكسي وأعطيته العنوان، وقرأه بذهول، وسألني: هل أنت متأكد؟!، أجبته بنعم، فهز رأسه ورفع حاجبيه مبتسماً ثم انطلق، وإذا بالبضعة كيلومترات تتحول إلى (250) كيلومترا، وإذا بالمكان الذي يبعث على الاسترخاء شبه مهجور، والجو الساحر فيه يعني انقطاع الماء والكهرباء بين الحين والآخر، وعرفت أن عبارة (المسبح القريب) تعني أنه لا يوجد هناك أي مسبح سوى في قرية ليست بعيدة عن ذلك المنتجع، ومعنى أن مساحته واسعة فهو يعني أن عليّ أن أضرب مشواري كل يوم بمقدار ثلاثة كيلومترات على أقدامي للوصول إلى المطعم لتناول الوجبات الثلاث.
وتحولت الوعكة العاطفية عندي إلى وعكة سكنيه مزعجة، خصوصاً أن الوقت كان صيفاً ولا يوجد تكييف، وهذا مقدور عليه، ولكن البعوض المتوحش ضارب أطنابه هناك ولا تسلم منه لا ليلا ولا نهارا.
حاولت أن أعمل خناقة مع الإدارة، ولكنني توقفت عندما تيقنت أنهم لم يكذبوا ولا في نقطة من النقاط التي ذكروها، كلها صحيحة، الغلط فقط هو في مخيّ الذي أكله الصدأ.
m.asudairy@asharqalawsat.com
*نقلاً عن الشرق الأوسط |