CET 09:43:20 - 25/10/2009

مساحة رأي

بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
تعقد جماعة من أقباط المهجر بأوروبا مؤتمرًا في مدينة فيينا عاصمة النمسا يوم الأربعاء الموافق الثامن عشر من نوفمبر، وسيشارك فيه نخبة متميزة ورفيعة المستوى من وزراء النمسا السابقين والسياسيين والأكاديميين والفلاسفة والعاملين في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الكنائس المضطهدة ومؤسسة التضامن المسيحي العالمي بالإضافة إلى -وللمرة الأولى- أحد رجال الإكليروس القبطي وآخر سرياني. هذا إلى جانب تمثيل إعلامي تلفزيوني وصحفي رفيع المستوى. 

كانت فيينا المعقل الأخير الذي صمد أمام المد الإسلامي العثماني الزاحف على شرق ووسط أوروبا, وعانت من حصار خانق لعدة شهور ساند العثمانيين خلالها بعض أصاغر حكام شرق أوروبا من مدعيي المسيحية.  كادت المدينة الباسلة أن تقع في أيدي الغزاة البرابرة لولا العناية الإلهية التي أرشدت ملك بولندا المسيحي الورع "يان الثالث سوبيسكى" أن يترك مملكته ويسرع للدفاع عن فيينا وينهي الغزو الإسلامي الجديد لأوروبا الآتي من الشرق بعد أن تطهرت الأندلس من غزو سبقه دنسها، أتى من الجنوب وتهدد بوجوده فيها غرب القارة الجميلة.
وبقت فيينا لتواصل مجدها في مجالات الطب والعلوم والموسيقى، تدفع بني البشر إلى التقدم وتبهج قلوبهم بالفنون والجمال. أنقذ التحالف المسيحي فيينا وأنقذت فيينا أوروبا من بطش وعنجهية وعنصرية وشرائع آل عثمان وزبانيتهم. أما مصطفى باشا قائد الحملة على المدينة الجميلة فقد خنقه جنوده الانكشارية بقماش من حرير حسب التقليد العثماني التليد! ليس من قبيل الصدفة إذًا أن تأتى المبادرة والدعوة لهذا اللقاء القبطي المسيحي من فيينا.

علمني أحد أساتذتي العظام في الطب مبدأ أولي: فحواه أنه عندما أدعو طبيبًا آخر من تخصص مغاير لتخصصي لإبداء الرأي في مضاعفات أصابت مريض لي تتعدى مجال تخصصي, فأنه من المنطق والفطنة أن أنصت لما يقول ولا أحاول التأثير على رؤياه وتوصياته بفرض وجهة نظر مسبقة أتبناها حيث إنني إن فعلت لأصبحت استشارة الطبيب الآخر عديمة الجدوى وأكون عندئذ كمثل متحدث أمام مرآة وأهدر أي نفع قد تجلبه الاستشارة. هذا مع العلم وبالرغم من إنني المسئول الأول والوحيد عن صحة وسلامة مريضي.
بناءًا على هذا المنطق, فأن أول نصيحة أسديها لزملائي الأقباط المنظمين للمؤتمر هي أن نعرض مشاكلنا بوضوح وصدق وأمانة دون مبالغة أو تقليل ثم نستمع إلى نصائح وتوصيات النخبة الممتازة التي دعيت للمشاركة في إيجاد الحلول. ولا شك أنها فرصة لا تسنح كثيرًا أن ينصت إلينا ساسة وأكاديميين وقانونيين هم حقًا وليس قولاً يمثلون أرقى وأرفع مستويات الفكر في هذا العصر.

وقد سررت أن يكون بين المشاركين في المؤتمر القانوني الكبير الدكتور عوض شفيق الذي أرجو أن يداوم ويستمر في عمله القانوني حيث إن لم يبقى أمامنا حيال النفي والإهمال والتآمر الذي تتعمده السلطات المصرية تجاه المطالبة بحقوقنا الأساسية المشروعة المعترف بها إنسانيًا وقانونيًا ودوليًا سوى اللجوء إلى جميع محافل القضاء العالمية التي تتناول قضايا مماثلة ترفعها الأقليات والشعوب المقهورة ضد الطغاة  الفاسدين من الحاكمين. د.عوض شفيق رئيس إتحاد المنظمات القبطية بأوروبا
يجب علينا أيضًا ألا نتوانى عن أن نوجّه أنظار ضيوفنا الأوروبيين المشاركين إن أعداء الأقباط هم ذاتهم أعدائهم المتربصين بهم, بل بالعالم بأسره, الحالمين –بلا أمل- في السيطرة وفرض التخلف وممارسة العدوان والعنصرية على كل شعوب الأرض أينما كانوا, فيعملون على توعية من غفل منهم بهذا الخطر القاتل واتخاذ جانب الحذر والحيطة عند سن التشريعات والقوانين وعدم الاستسلام والرجوع لأخطاء الماضي عندما اجتاحت جيوش الفاشية التي أسقطتها جحافل الشيوعية ثم انهارت هذه أيضًا بإرادة الحرية في الشعوب بعد صراعات وضحايا وشقاء أصاب الملايين من البشر وكان الدواء ربما أشد مرارة من الداء. والعاقل هو من اتعظ.

لا تلقى أوروبا بجيوشها وأساطيلها على عواهنها في كافة أركان العالم ولكن لم تكن الجيوش أو الأساطيل هي التي أنهت كابوس الشيوعية بل رغبة الأمم المتحضرة الواعية في ممارسة الحرية والاستمتاع بها وبالتقدم والرخاء الذي أتاحته لنا الشرائع الراقية والعقول المتفتحة.
ليس لأوربا "مصالح إستراتيجية" أو تدخلات معقدة في الشرق الأوسط البائس بقدر ما للولايات المتحدة. وربما بدأ الأوروبيون الشعور بخطر الغزو المتساقط كقطرات الماء التي تحفر أشد الصخور صلابة إن استمرت.
ولعلها لذلك تكون أكثر تفهمًا واستجابة لمأساة الأقباط والعالم. فلنستمع إلي ما لهم من قول في هذا الأمر ولنأخذ قضيتنا إلى العدالة الدولية بعد أن ترنحت العدالة في مصر وعورت وأصبحت ترى بعين واحدة "معمصة" وعليها نقطة كمان!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق