بقلم: سحر غريب
عندما فسخت خطبتها الأولي جاءت إلى الكُلية في اليوم التالي وهي تجرجر ورائها ذيول إسدالها أو خيبتها كما قالت، والإسدال ملبس يكتف المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها ويجعل حركة رأسها صعبة جدًا... ففهمت وقتها أن اكتئابها تعلنه بقطعة ملابس زائدة وعندما نسيت خطيبها القديم وفتحت صفحة جديدة في الحياة وخُطبت لغيره خلعت هذا الإسدال وعادت إلى طبيعتها العادية لتلبس البنطلون وتلبس الإيشارب القصير فقط، حفظت انفعالاتها وعرفت أنها تترك أذنيها وعقلها في وقت الشدائد لمدعي العلم والتدين ليقودونها، خفت عليها فهي صديقتي الحبيبة حتى فوجئت بها بعد زواجها تتصل بي وتعلنها فرحة: باركيلي أنا لبست النقاب.
ليه كدة يا حبيبتي؟ هكذا تساءلت بلا تردد عن فعلتها الغريبة التي لا تعني إلا أصابتها الجديدة بالغم والاكتئاب، فألححت في اتصالاتي عليها حتى أعرف طبيعة مشكلاتها، فإخفاء وجهها الذي كانت تعتز به لا يدل إلا على حزن شديد وقلق نفسي لا قبل لها به.
لقد استسلمت صديقتي لدعوات النقاب حتى أنها تمنت لي أن ألبسه مثلها فأنا في نظرها جميلة ويجب علي وجهي أن يُصبح ملكًا خالصًا لزوجي لا يراه غيره، فقلت لها لو ألبسوني النقاب ومعه مليون جنيه لرفضت النقاب ومعه المليون جنيه، فهو زِى قبلي وأنا لست ممن يتركون عقولهم للغير لكي يسوقونه ويتحكمون في توجهاتهم، أما عن زوجي فعليه أن يتقبل بأن وجهي ليس عورة وليس بفضيحة أيضًا لأخفيه عن الجميع وأنني لا أكن أي احترام لرجلاً يسحب وراءه زوجته المنتقبة كأنه يسحب ورائه تابعه الأخرس المسكين، فهذا الرجل في نظري رجلاً يفتقد لأبسط مبادئ الثقة بالنفس لكي يقبل بأن تتحمل زوجته من أجل عينيه كل هذا الحر والقيظ الشديد.
ثم أصبحت اتصالاتي بها تبدأ بـ: ها لسة لابسة النقاب وللا قلعتيه؟
وفي كل مرة كانت تؤكد لي بأنها لابساه عن اقتناع وأنها لن تخلعه أبدًا.
حتى يئست منها ومن إصلاح حالتها النفسية ففوجئت بها بعد عدة سنوات تتصل هي تليفونيًا بي وتبدأ المكالمة بـ: مش ها تسأليني سؤالك المعتاد.
فقلت لها وما هو سؤالي المعتاد يا فيلسوفة عصرك وأوانك.
فقالت: لقد خلعت النقاب وعدت للحياة من جديد.
لقد اعترفت صديقتي بأن نقابها كان هروبًا من الحياة ومن نفسها ومن أحلامها التي كانت كزبد البحر غزيرة.
حسنًا فعل الدكتور سيد طنطاوي عندما قاد حملته ضد النقاب فقد تُركت الساحة كثيرًا لمدعي الدين (الذين لا يملكون من العلم والبينة غير الجلباب الأبيض القصير والذقن الطويلة التي تعوض قصر جلبابهم والنقاب). لقد تركنا لهم ساحة الدعوة ليتجولون فيها ويحرزن الأهداف واحدًا تلو الآخر في غياب تام لرأي متزن ومعتدل يضحد من إدعاءاتهم.
لقد كنّا في حاجة إلي من يتولي عنّا مهمة دفاعنا عن حقنا في عدم لبس هذه الشرنقة التي تقبض النفس والروح معًا، فهم قد رفعوا علينا كتاب الله وقالوا بأن النقاب فرض ومن تتركه فهي امرأة فاسقة وكان يجب أن تأتي دعوة الدكتور طنطاوي منذ أمد بعيد قبل أن تنتشر تلك الظاهرة كانتشار الجراد الأسود القاتم على وجوه السيدات، أنا أرفض مَن يقول أن الأمر قد أخذ أكثر من حقه فهو عن جد أمر خطير فهو فكر سلفي يبدأ توغله خطوة وراء خطوة حتى يغرقنا في السلفية العمياء، فالنقاب ليس سفيرًا للأخلاق الحميدة ولو كان فعلاً هكذا كما يدعون لما انتشرت الرزائل في دول تمسكت بالنقاب والتزمت به. |