CET 09:10:20 - 28/10/2009

مساحة رأي

بقلم: هاني دانيال
بقدر اهتمامي بمقالات الأديب والمبدع علاء الأسواني في جريدة الشرق، إلا إنها فى بعض الأحيان تختلف مع خلفيتي المسبقة عنه، فقد عرفت عنه أنه دائمًا ما يحلل أى قضية ويشخصها ويضع الحلول النموذجية لها، ولكن فى بعض القضايا وخاصة المتعلق منها بالأقباط لاحظت أنها تسير في مسار مختلف.
في مقاله الأخير بجريدة الشروق والذي حمل عنوان "معركة المآذن في سويسرا" دعا فيها علماء الإسلام للسفر إلى سويسرا لمواجهة المعركة الدائرة هناك حول رغبة حزب الشعب السويسري والذي يقوده كريستوف بلوشير والذى يرغب فى منع إقامة المآذن في سويسرا، على اعتبار أن الإسلام دين يدعو للقتل والعنف واضطهاد المرأة، وأن كثير من الدول الإسلامية تحرم المسيحيين فيها من إقامة شعائرهم الدينية، وبالتالي على سويسرا أن تعامل المسلمين بنفس المعاملة، وجمع عريضة عليها توقيعات 100 ألف مواطن لهذا الغرض، وتقرر عقد استفتاء رسمي في 29 نوفمبر المقبل ليصوت فيه المواطنون حول منع المآذن في سويسرا!
الأسوانى أشار إلى أن عدد كبير من الشعب السويسري مع حرية الاعتقاد، ويختلفون مع الدعوة الخاصة بمنع المآذن، والتأكيد على أن الغرب ليس كتلة واحدة ضد الإسلام، وإنما هناك من يؤمن بحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.

بمقارنة بسيطة نجد أن أفضل ما كان يمكن أن يدافع عن حق المسلمين في بناء المآذن هم المسيحيين في الدول الإسلامية، فلو كان المسيحيين يتمتعون بحرية ممارسة شعا ئرهم الدينية لكانوا أول المدافعين عن حق المسلمين فى بناء المآذن في أوربا، وما كانت هناك حاجة لسفر علماء المسلمين لتجميل الصورة، وما كانت هناك اتهامات بالأساس للمسلمين بأنهم يمنعون الآخرين من حرية الاعتقاد، مع الوضع في الاعتبار أننا نتحدث عن مسيحيين فى بلادهم وممنوعين من ممارسة شعائرهم الدينية، وحرية الاعتقاد ليست مطلقة في أوطانهم، أما المسلمين فغالبيتهم هاجر إلى أوربا وعلى الرغم من أنهم أجانب حسب قوانين البلاد الموجودين بها، أو أنهم حاصلين على جنسية البلاد التي يقيمون بها حاليًا، ومع ذلك الغرب يعطيهم نفس الحق الأصيل والذي يتمتع بها سكان البلاد الأصليون، دون أن يثير أحد أنهم أجانب وأنه ليس من حقهم المطالبة بهذا، والأمر كله يخضع لحقوق الإنسان وهي لغة عالمية.

يؤسفني أن نسمع عشرات الحوادث بسبب محاولة البعض بناء كنيسة، وربما يرجع البعض ذلك إلى أنها محاولة لبناء كنيسة بدون ترخيص، وكأن المجتمع المصري تخلص من عشوائيته وأصبح مسالمًا ولم يعد يتحرك إلا بأوراق رسمية، ناهيك عن عدم وجود جهة محايدة يمكن من خلالها التقدم بطلب لبناء كنيسة سوى رئاسة الجمهورية في وضع متفرد لا يوجد فى العالم، فحتى الآن لم نسمع عن دولة يقوم رئيسها بالموافقة على بناء دور عبادة من عدمه، رغم أن دستور هذه البلد ينص على أن الدولة تكفل حرية الاعتقاد بشكل مطلق وتسمح بحرية ممارسة الشعائر الدينية.
الحملة التى يتعرض لها الإسلام في سويسرا سببها المسلمين أنفسهم وخاصة المسلمين فى المنطقة العربية، والذين أهدروا ميراثًا كبيرًا في التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين وبددوا ثروة كبيرة كانت خير حصن لهم ضد الغزوات والحروب الأجنبية، فكثيرًا ما حاول الغرب غزو الشرق بدعوى الحفاظ على المسيحيين في الشرق إلا أن المسيحيين فضلوا الدفاع عن أوطانهم في مواجهة هذه الغزوات حتى ولو كان ذلك على حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية!

منطقة الشرق الأوسط تقدم أفضل نموذج للكراهية الآن، وهو النموذج الذى كثيرًا ما حاول الغرب الوصول إليه، فالآن يتم تفريغ المنطقة من المسيحيين لأسباب مختلفة ودفعهم للهجرة وربما يسعد البعض بهذه الخطوة، إلا أن الخطورة قادمة، فحين يتم تفريغ المنطقة من المسيحيين تصبح منطقة لا تحترم التنوع الديني ويعنى ذلك أن المسلمين لم يراعو حقوق المسيحيين في أواطنهم، وبالتالى لا يؤتمن هؤلاء على الوجود في الغرب، وحينذاك سيتعرض المسلمين في الغرب لحملات قاسية بسبب ما فعله المسلمين، وهنا تحدث الكارثة التي تحدث عنها المفكرين ولم يقم أحد بتوصيلها لرجل الشارع البسيط بعد أن لفظها الحكام!
الأديب المبدع الأسواني كنت أنتظر منه أن يتحدث عن هذه الأزمة، وجعل هذا الموضوع خطوة نحو تصحيح الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن تصاعد الحرب على الإسلام في الغرب يقابله هجوم عنيف على المسيحيين في الشرق، بينما التعاون الإيجابي وقبول المختلف في الشرق يقابله انفتاح في الغرب ومحاولة أكثر للتعرف على الإسلام والمسلمين!

كنت أنتظر من المبدع الأسواني أن يتخذ من هذه القضية فرصة لإنعاش الذاكرة الوطنية بضرورة التغلب على مشكلات الحاضر، كنت أنتظر أن يتخذها فرصة للمطالبة بإقرار قانون دور العبادة الموحد للرد على أي مبالغات تسيء للإسلام في الغرب، كنت أتمنى أن يساهم في تصحيح المفاهيم والتأكيد على أن قانون موحد لا يعني أن المسيحيين يريدون عدد الكنائس مساوية لعدد المساجد وإنما يطالبون بجهة إدارية واحدة تفصل في الطلبات الخاصة بالمساجد والكنائس حسب حاجة كل منطقة سكنية وحسب شروط العمران بها، كنت أنتظر أن تستغل هذه القضية لتحفيز المثقفين والمفكرين على حماية تراث هذا الوطن بعد أن تناقصت الفئة المدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام والأقباط بشكل خاص.
الأديب والمبدع علاء الأسواني.. لا زلت أنتظر منك الكثير، لأن المكتبة العربية ومقالاتك المنشورة في الصحف الأمريكية والإنجليزية والأوربية تحفر لتاريخ مصر وتؤرخ له، فقط أكمل مسيرة عطاءك وكن على علم بأننا ننتظر منك الكثير والكثير حتى ولو اختلفنا معك في كثير من الأمور.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق