بقلم: حشمت حمدي
من المهم أن لا يمارس العالم العربي والإسلامي المعايير المزدوجة في تقدير قيمة الحياة والدفاع عن الحريات والحقوق الدينية والشخصية.
من يتابع المظاهرات التي تطالب بالحريات الدينية للمسلمين في الغرب والقضاء على العنصرية وضمان المساواة في الحقوق والواجبات يعتقد بأن العالم العربي والإسلامي نموذج للقيم والمبادئ، بينما في حقيقة الأمر هو أبعد ما يكون عن ذلك، وهذا ما يشكل حالة من النفاق الواضح!
كرامة الإنسان (عربي - مسلم - مسيحي) مُنتهكة في بلاده من حيث غياب الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق المواطنة، ومن الأولى لنا أن نعمل على إدخال وترسيخ هذه القيم في بلادنا ومجتمعاتنا، وأنا أتمنى أن أشاهد في العالم العربي مظاهرة تنتصر لكرامة المرأة وترفض الجرائم المروعة باسم الشرف والتي تحصد مئات الضحايا سنويًا في العالم العربي.
الحقيقة التي يجب أن نواجهها وبصراحة هي أن من ثاروا على مقتل مروة الشربيني، يشبهون أليكس دبليو إلى حد كبير. فلو أن الفرصة سنحت لهم سيقومون بما قام به أليكس وأكثر لكل من يخالفهم في الرأي.
إنهم عنصريون، يكرهون المسلمين المعتدلين والأقباط والبهائيين. إنهم لا يرون منطق إلا في الجهاد ضد من يخالفهم، لأنهم يرون في أنفسهم الحق المطلق، ويرون في غيرهم الشر كله. إنه إنذار لمن لا يرى.
إن تشريح فكر قاتل مروة الشربيني يثبت أنه متشابه إلى حد بعيد مع مستغلي الدين، إن لم يكونوا هم أكثر عنصرية منه! إن هؤلاء يأخذوننا على الطريق نحو حروب مع العالم، ستُلحق بنا هزائم مثل ما مُنيت به ألمانيا في الحربين العالميتين وأكثر.
مقتل مروة الشربيني تحول من مأساة مروعة وحادث فردي إلى سلاح ديني وسياسي بل وترفيهي..!! والحكومة استخدمت الحادث بذكاء شديد لتحسين صورتها الكئيبة في سجل الدفاع عن حقوق مواطنيها في الداخل والخارج وإلهاء المواطنين عن الفساد الداخلي المستشري في جسد النظام الذي أصبح كالسرطان في مراحله النهائية والخطيرة..!!؟
أولاً المجال السياسي:
أنظمة فاسدة متعطنة ومتعفنة تلعب على مشاعر الجماهير المغيبة بفعل فاعل حتى تستمر في طول البقاء على عروشها وكراسيها حتى تضخمت كروشها!!؟
فأين قيمة المواطن المصري داخل بلده ووطنه وأين حقه في حياة حرة وكريمة وآمنة!!؟؟ وماذا عن جَلد المصريين في دول الخليج وخاصة المملكة السعودية؟؟ وماذا عن نظام الكفيل في دول الخليج المطبق علي المصريين دون غيرهم الخالي من أي إنسانية؟ فنظام الكفيل عنصري وغير أخلاقي وغير حضاري ولا يمت للإنسانية بصلة ودليل على عنصرية وتخلف وتعصب هذه الدول التي تتخذ من الشريعة الإسلامية شعارًا لها. وأين نحن من عربدة السعوديين ومواطنو دول الخليج داخل بلدتنا مصر؟
أين كانت الحكومة من غرقى العبارة الذي يتراوح عددهم إلى ألف وخمسمائة فرد وأكلهم جميعًا سمك البحر الأحمر نتيجة فساد القائمين على أمور النقل البحري وهروب المسئول والقضية تقيد ((جنحة)) وهي تحكم بأقل عقوبة!!؟؟؟
أين كانت الحكومة من قطار الصعيد المحروق والذي تراوح عددهم إلى أربعة آلاف شخص!!! وتحولوا إلى كباب مشوي داخل عربات القطار المحروق وضاعت حقوقهم هدرًا!!؟؟
أين كانت الحكومة من سرطنة الشعب المصري وفيرسته (فيروس سي) بفعل فاعل عن طريق استيراد الأغذية الملوثة والمسرطنة من بعض المسئولين!!؟؟
أين كانت الحكومة من قتلي حوادث الطرق والمواصلات الذين يفوق عددهم في سنة واحدة عدد القتلى في جميع الحروب التي خاضتها مصر في كل عصورها!!؟؟
فهل حادث مروة أصبح مثل القشاية التي تمسّك بها النظام حتى ينجوا من الغرق والانهيار واستخدم قضية مروة لصالحه ومصالحه والمزايدة على التيارات المتأسلمة حتى يظهر أكثر إسلامًا من كل هؤلاء لغرض ما في نفس يعقوب!!؟؟
ولماذا مروة أصبحت شهيدة الحجاب؟؟
وكم من الجرائم تُرتكب باسم وتحت ستار الحجاب؟؟؟
ولو كانت مروة غير محجبة وحدث ما حدث إذًا لا شأن للحجاب الذي فوق رأسها من عدمه لأن صورة الحجاب أمر سائد أصبح في ألمانيا وكذلك أوروبا.
ثانيًا المجال الإعلامي:
إعلامنا للأسف عنده حول فكري ولا يرى الحقيقة إلا من منظورة الخاص والشخصي، فهو إعلام موجه يخدم النظام وليس حر هذا الإعلام يقذف صديد فكري مملوء بالتخلف والتعصب في وجوه مشاهديه وآذان مستمعيه!! فأصبح طارد لكل العقلاء والحكماء.
وهنا الكارثة.. إعلام يسكب نار التخلف على بنزين التعصب فيصبح متلقيه المواطن المصري العادي بركان مدمر لكل معاني الإنسانية وكل شيء جميل. إعلام يفرق ولا يوحد. إعلام استهلاكي وليس إنتاجي. إعلام يفتقد للمبادئ الأساسية للإعلام فأصبح إعلانًا!!
وهناك فرق بين الإعلام والإعلان؟؟؟ فهذا الإعلام أصبح إعلانًا للتخلف والتعصب والقهر والغيبوبة الفكرية والنوم في بحر الظلمات!! فأصبحنا بسبب هذا الإعلام مثل أهل الكهف تمامًا؟
ثالثًا المجال الثقافي:
نحن نعيش ونحيا في عصر وزمن النرجسية الثقافية الارتكاسية الوهابية! وكلنا يعرف ما هي النرجسية والارتكاسية الوهابية... فأصبح ينطبق علينا المثل القائل يا أمة ضحكت من جهلها الأمم فأصبحنا نرفع شعار حسنة وأنا سيدك!!
نقتات كالهالوك المتطفل على منتج وثقافة الآخر ولا نحترمه ولا نعترف به وهنا المعضلة الكبرى. فثقافتنا أصبحت طاردة ونافية للآخر وخاصة الآخر الديني وتحولت هذه الثقافة بفعل فاعل من ثقافة اقرأ إلى ثقافة اقتل!! وكذلك تحولت من ثقافة المواطنة الراقية والحرة إلى ثقافة الجواري والغلمان المخلدون وما ملكت أيمانكم!! وهذا لا يجوز ولا يليق في عصر وزمن السموات المفتوحة والعولمة والانترنت، فأصبح هذا الكوكب حارة صغيرة جدًا جدًا!!
ثقافة تحتضر باحتضار أصحابها ومؤسسيها!! إنها ثقافة رقصة الديك المدبوح أي حلاوة روح يعني!! ثقافة ازدواجية المعايير والفكر ثقافة نفي الآخر وذبحه ونحره.
مما سبق نعلم ونعرف أن قضية مروة الشربيني فرصة غضب مصرية لإلهاء المصريين عن مشاكلهم الحيوية!!
الحجاب
من أقسى مظاهر حالة الازدواجية الدينية والأخلاقية الرهيبة التي يعاني منها مجتمعنا، هو ذلك الارتفاع الهائل في نسبة المحجبات مع وجود أخلاقيات في غاية الانحطاط، قنوات فضائية دينية يشاهدها الملايين وحالات اغتصاب وتحرش لا تعد ولا تحصى.. فهل منع الحجاب تلك الأخلاقيات؟ بل هل هو حجاب بالفعل أم أنه مظهر لا بد منه؟
في كتابه الرائع " ثقوب في الضمير" قسم الدكتور أحمد عكاشة -أستاذ الطب النفسي- أنواع ارتداء الحجاب من حيث المنزع إلى:
1- إنسانة استطاعت أن تتطهر في سلوكها العام وتحتاج إلى نوع من الانتماء إلى الشعائر الدينية، فهي تتحجب وتمارس الشعائر الدينية بمعناها الصحيح وهي الصورة التي نتمنى أن تسود في مجتمعنا.
2- وهناك من ترى أنها لن تتزوج إلا إذا تحجبت وبالتالي فهي مجبرة على ذلك والدليل أن مثل هذه النوعية تقوم بخلع الحجاب يوم زفافها وربما تعود أو لا تعود إليه بعد الزواج .. فقد أدى الغرض وانتهى الأمر.
3- وهناك حجاب التمويه وتهدف صاحبته إلى إخفاء سلوكها الحقيقي الذي سيرفضه المجتمع "المتدين" إذا ما عرف عنها ذلك، ومثل هذه النوعيات نراها ترتدي قطعة من القماش التي تظهر من الشعر أكثر ما تخفي وترتدي ملابس لا تتناسب مع ما يسمى بالحجاب الموضوع على رأسها.
4- وهناك من تلجأ للحجاب لأسباب اقتصادية مثل ضعف تكاليف ارتدائه وما يستتبعه من ملابس أخرى وليس استنادًا إلى شعور ديني أو قناعة.
5- أو أن تكون المرأة قد لجأت إليه تعبيرًا عن نوع من صدمة نفسية أو عاطفية كانفصال الأب أو الأم أو فقدان احد الأقارب فتبدأ في التقرب من الله وهو أمر محمود بدلاً من الانحراف والأهم الاستمرار عليه.
6- وهناك من تتحجب عند الإصابة بالمرض نفسيًا كان أو عضويًا وما أن تُشفى حتى تخلع الحجاب والعكس صحيح أيضًا.
7- وهناك من تتحجب رغمًا عنها بسبب ضغوط عائلية وأسرية أو بسبب صعوبة تقبل المجتمع الذي تعيش فيه لفكرة وجودها دون حجاب.
وبناء على ما تقدم يسهل علينا أن نعرف سبب انتشار الحجاب في مصر، فهو ليس جهد الجماعات الإسلامية في مصر ولا الفضائيات وشيوخها وإنما هي عادة مجتمعية جعلت كل من لا ترتدي الحجاب آثمة وخاطئة رغم أنها قد تكون أفضل خلقًا من بعض المحجبات –أقول بعض-!!
نغمات دينية.. وقرآن
أعاني أشد المعاناة كلما ركبت المترو لعدة أسباب –بغض النظر عن همجية العديد من الركاب من تدافع وممارسة لهواية هرس الأقدام طبعًا– منها أنك ترى البعض يرفع صوته عاليا بالقرآن الكريم وغالبًا ما يقرأه بطريقة خاطئة أو أن يكون صوته سيئًا، أو أن يشغل البعض تليفونه المحمول ليسمع الجميع التلاوة..
دعونا نحسب من يفعل ذلك على خير في البداية ولكن أليس ذلك تعديًا على حق الآخرين في القراءة أو الذكر أو غيره؟ هل أمر الدين بذلك التعدي؟ أليس هذا تعارضا مع أخلاق الإسلام ويخالف كل ما في القرآن من احترام لحق الآخرين.
أمر آخر يغيظني بشدة وهو أن تسمع البعض يضعون على تليفوناتهم المحمولة "رنات" لجزء من دعاء أو آية بصوت شيخ أو غيره.. وعادة ما تكون "الرنة" عالية للغاية وطويلة ويصر صاحب التليفون ألا يغلقه أو يرد إلا إذا سمع الجميع "الرنة" إلى آخرها.. ولن أعلق على من يفعل ذلك.. فقط أرجوكم أن تراقبوا بعضهم إذا ما صعدت إلى السيارة أو المترو فتاة أو امرأة!!
رمضان والصيام
إلى الآن لا افهم سر ربط المصريين بين سرعة الغضب والذي قد يتطور إلى سباب بالدين وعراك رهيب -خاصة في المواصلات العامة- خلال شهر رمضان بدعوى إن "البيه صايم".. أليس هذا تناقضًا غريبًا؟ كيف يصوم شخص ما عن الحرام -فضلاً عن الحلال– ويثور لأقل شيء خلال صيامه؟ هل هذا صيام؟ هل يقبل الله مثل هذا النوع من الأعمال؟ وإذا كان الامتناع عن التدخين سبب ذلك الغضب.. أليس من الأجدى أن نحاول قهر هذه العادة الرذيلة ليخلص صيامنا أو حتى على الأقل أن نكظم غضبنا.. لقد تحول هذا الأمر أيضًا إلى عادة صارت لصيقة بنا كمصريين.
ضعيف يستقوي على.. ضعيف
لا يخفي على أحد في مصر ما قد يفعله أصغر فرد أمن في وزارة الداخلية بمواطن لو اشتم فقط انه ضعيف أو "مالهوش ضهر" وقد يصل الأمر إلى ضرب المواطن وسحله في الشارع بل قد يكون المضروب امرأة وقد تسحب من شعرها إلى سيارة مسروقة بها بلطجية لا يجرؤ أحد على مقاومتهم -اعتقادًا بأنهم من الأمن في زي مدني- دون أن يتدخل أحد خوفًا من أن يناله من الحب جانب. الكل خائف ومرتعد وتصطك أسنانه فرقا ورعبا، فيما نستطيل على بعضنا البعض ونتطاول على بعضنا البعض ويكاد أحدنا يفتك بالآخر لأقل شيء وكلٌ يقول للآخر إنت ما تعرفش أنا مين أو ممكن أعمل فيك إيه وكلاهما أضعف من ذبابة ولا يقوى على شيء ولكننا "فنجرية بق" وكل هذا الصوت العالي والعيون المحمرة تزول تماما أمام الباشا "حظابط" خوفًا من العصابة إياها –طبعا كلنا فاهمين-!
التحرش الجنسي والاغتصاب
وهو ما لن أمل من تكرار الحديث فيه، في دولة يدعى أغلب أهلها أنهم قوم متدينون ويتابعون فضائية الناس أو غيرها، فيما نسمع ونقرأ كل يوم عن حادثة اغتصاب بشعة وصلت إلى اغتصاب الأطفال والحوامل!! وأرجو منكم أيضًا –لمن لا يزال يستخدم مواصلاتنا العامة غير الآدمية- أن يراقب عيون من حوله إذا ما وقف أحدهم إلى جانب امرأة ما، والله إني لأشعر أن الكل يحسده ويتمنى أن يقف مكانه وإذا ما صدرت منه أي حركة أو اشتكت منه المرأة وتشعر وكأن الركاب "المتدينين" يكادوا يقتلون الرجل انتقامًا منه على أنه أخذ مكانهم بجانب الفتاة، لماذا لا نغض أبصارنا عما حرم الله؟ لماذا نقول وننصح وننهي ونحن داخلنا خرب يحتاج إلى قرون للإصلاح؟ كيف يمكن أن يقول الإخوان المسلمون مثلاً أننا نمر حاليًا بجيل الصحوة؟ أي صحوة وأي مجهود ذلك الذي يُبذل ولا يوجد له أي نتاج في مجتمع أصبح الحصول على البانجو فيه وتدخينه في سهولة الحصول على سيجارة؟ مجتمع لا تأمن على زوجتك أو ابنتك أن تسير وحدها في الطريق دون أن تُسرق مصوغاتها أو يتحرش بها أحدهم؟ أي صحوة في مجتمع ازدادت فيه معدلات الجريمة من كل نوع؟ أي صحوة في مجتمع يهرب أفراده من دفع تذاكر المواصلات العامة ثم تراه يصلي!!! أي مجتمع متناقض هذا؟!!
الفرانكو أراب
أشعر بمرارة شديدة وأنا أشاهد البعض –خاصة الشباب- وهم يستعملون ألفاظًا أجنبية في معرض حديثهم باللغة العربية وكأنما أصبح التحدث بالعربية أو حتى العامية المصرية عيبًا وسبة. هل لا يحوز الاحترام إلا شخص لا يستخدم هذه الطريقة العجيبة في لي اللسان أو ترقيق بعض الحروف وإضافة بعض الكلمات الأجنبية "ويا ريته بينطقها صح". لماذا لا نكون مثل الألمان والروس مثلاً واللذين لا يتخاطبون مع أحد إلا بلغتهم فقط اعتزازًا بها وإكبارًا لحضارتهم وتاريخهم –والذي لا يُقارن بالطبع بالحضارة والتاريخين العربي والإسلامي-.. ندعي أننا أحفاد حضارة كانت تحكم أكثر من نصف العالم في وقت ما ونفخر بالرازي وابن النفيس وابن فرناس وغيرهم ونحن نشعر داخلنا بالخجل إذا لم ننطق بكلمة أجنبية خلال حديثنا مع بعضنا؟
المغالاة في المهور
وقرأت لأحد الزوار مثالاً آخر يوضح لنا حجم التناقض الذي يعيشه مجتمعنا وانقله بالنص حفظا لحقه، فها هو الأب الذي يعترض على زواج ابنته من شاب بسيط ومؤهله متوسط لأنه لا يملك سوى عمل متواضع وبعض النقود القليلة، وهو نفسه -أي الأب- الذي يذهب من أجل أن يخطب فتاة ذات مؤهل عال لابنه الذي يحمل مؤهلاً متوسطًا ولا يملك شيئا سواه!!!
وها هي الأم التي تعترض على الشبكة التي قدمها خطيب ابنتها لأن ثمنها لا يتعدى الخمسة آلاف جنيه، هي نفسها التي تناهض وبقوة جشاعة واستغلال أهل خطيبة ابنها لأنهم يبالغون في طلباتهم المادية دون مراعاة للظروف السيئة للشباب والغلاء المستمر للمعايش!!!
ونفس الأخ الذي يعارض خلوة خطيب أخته بها خيفة أن يمسك يدها أو أن يسرق منها قبلة -هي ليست طبعًا من حقه– هو نفسه الذي ما يلبث أن يختلي بصديقته وليتها كانت حتى خطيبته حتى يفعل معها ما يشاء!!!
القمامة وغيرها
لا يمكن أن نكون متدينين بالفعل ونحن نعيش وسط هذا الكم الهائل من القمامة والتي لا تتزايد إلا بسبب سوء تسيير البعض لأمور حياته، فلا نزال نلقي ببواقي الطعام في القمامة ولا نزال نسرف في استهلاك رغيف الخبز ولا نزال نستكثر على جامع القمامة عدة جنيهات بسيطة شهريًا ونفضل أن نراها تتراكم من حولنا جالبة لنا ولأولادنا عشرات الأنواع من الحشرات والأمراض.. ونعود لنقول إنها مسئولية الدولة فقط.. بالطبع لا.. هي مسئولية مشتركة.. فلو أن كل أم علمت أبناءها ألا يلقوا القمامة أو أكياس الساندويتشات في الشارع وألا يبصقوا وألا يقضوا حاجتهم في الطرقات لما أصبحت بلدنا من أقذر الدول وأكثرها تلوثًا بين الدول العربية - وربما الأفريقية.
وقبل أن يرد البعض ويقول أني لا أدرك قيمة الجنيهات الثلاثة التي يأخذها جامع القمامة بالنسبة لأسرة فقيرة أقول إن هناك حلاً آخر بأن يأخذ كل منا قمامته ويلقيها في أقرب صندوق قمامة لمنزله.. أليس هذا أفضل من أن تلقى في المراحيض أو من نوافذ المنازل أو من السيارات؟
ختامًا.. هذه هي بلدنا التي نشأنا بها.. هل هذه هي مصر الحبيبة ؟ مصر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وامتدح رسوله الكريم أهلها.. كيف لنا أن نرضى أن تصبح بلدنا بهذا السوء والانحطاط.. عندي يقين لا يتزعزع أن ما نعانيه من استهتار الحكومات المتعاقبة بقيمتنا الإنسانية ما هو إلا مردود لتصرفاتنا وأفعالنا.. فمن أعمالنا سلط الله علينا هذه الحكومات المتعاقبة التي أذاقتنا الهوان وعرفنا معها معنى الذل وجعلت الشباب يفقدون انتمائهم لبلدهم ويشعرون أنها ملك لأمثال تجار الحديد والاسمنت والسلاح والمواد الغذائية.. ولو أن كل منا بدأ بنفسه وأهل بيته لا نصلح الحال ولكن.. هل من مجيب؟ |