بقلم: أ.د يحيى الوكيل
يعرف جميع الجيولوجيون أن السجل الحفرى – و هو لمن لا يعرفه سجل لأنواع الحياة التى عاشت على وجه الأرض فى الأزمنة التى سبقت التاريخ المكتوب و الأنواع الموجودة الآن و الموثقة – به فترات اندثرت فيها أنواع الحياة السائدة من نبات أو حيوان و على نطاق جغرافى كبير جدا يشمل الكرة الأرضية كلها أحيانا كما فى حالة الديناصورات مثلا.
و من غير المعروف بشكل قاطع سبب أو أسباب حدوث حالات الانقراض هذه، الا أننا متأكدون من حدوثها و نعلم أن الجنس البشرى معرض لها كغيره من الأجناس التى عمرت كوكب الأرض ثم بادت.
تعددت السيناريوهات المتصورة لما يمكن أن يتسبب عنه زوال الجنس البشرى من على ظهر البسيطة، و لكن الملاحظ أنه لا تخلو ثقافة واحدة من توقع هذا الحدث و ذكرته كل الأديان تقريبا كيوم الدينونة أو يوم القيامة و الاختلاف بين هذه الثقافات و الأديان كان فى كيفية حدوثه فقط – ما بين كارثة كونية أو الصيحة أو غيرها.
الثابت أنه لم تتطرق أى من تلك السيناريوهات الى احتمالية حدوث وباء يفنى البشرية كلها، و أظن ذلك لعدم ادراك تلك الثقافات القديمة لما هية الإصابة بالمرض و كان يُظن أنه نتيجة أرواح شريرة أو تلبس بشياطين و أن الحمى لفحة من جهنم و غير ذلك من الخرافات.
دفعنى التفكير فى هذا الأمر الى تصور نظرى لابادة الجنس البشرى بما يمكن أن يطلق عليه "السوبر فيروس"، و هو فيروس لابد من أن تكون له الخصائص التالية:
1- أن يكون محمولا جوا، أى ينتقل عن طريق الهواء لأى من فتحات الأنف أو الفم أو العينين و الجراح المفتوحة و غيرها. و كلما زادت فترة صموده خارج العائل كلما زادت خطورته و قابليته للانتشار، إذ يكفيه أن يعيش على أى سطح لمدة معقولة حتى يلتقطه عائل جديد لم يكن حتى فى المجال الذى يجعله يلتقط الفيروس من العائل الأول مباشرة عن طريق الهواء.
2- أن تكون فترة حضانته طويلة – ثلاثين يوما على الأقل قبل ظهور الأعراض على المصاب به – و ذلك حتى ينتشر بين أكبر عدد قبل الانتباه لأن العائل الأول مريض و اتخاذ اجراءات علاجه أو عزله.
3- أن تكون الوفاة سريعة جدا بعد وقت قصير من ظهور الاعراض و خاصة فى الساعات الثمانى و الأربعين الأولى، و هذا يقلل من فرص التداوى و ينهك أجهزة الخدمات الطبية بل و أجهزة الصحة العامة معها.
يستطيع الأطباء المتخصصون بلا شك اضافة خصائص أخرى لما أسلفت، كأن يكون الفيروس مقاوما للمطهرات العامة و يتحمل درجات الحرارة العالية و غير ذلك.
فى كل الأحوال فإن حظى الفيروس الذى يخشى منه بالصفات الثلاث التى عرضتها فسيكون قادرا على احداث وباء عظيم خاصة و أن عوامل الحضارة ستساعد على انتشاره.
فسهولة الانتقال الحالية بين أجزاء الكرة الأرضية بالطيران و غيره و طول فترة حضانة المرض ستوفران وقتا كافيا لاختلاط الكثير من المصابين و الحاملين للفيروس بأناس من كافة أقطار الأرض، و هكذا يتحقق الانتشار الجغرافى للمرض حتى و إن بدأ فى جزيرة معزولة.
و لأن المراكز الحضرية و المدن الكبرى الأهم هى المداخل التى يوجد بها المطارات و الموانئ و عُقد المواصلات فسيضربها الفيروس أولا، مما سيحمل الخدمات الطبية ما لا تطيقه و لا تقدر عليه و ستستنزف مواردها من امدادات طبية و أجهزة بل و أطباء و أطقم تمريض كذلك حيث لن يكونوا بمنأى عن الاصابة بالمرض؛ و سيكون انهيار الخدمات الطبية بالمدن مانعا لتقديم أى خدمة طبية بالأرياف و المناطق النائية و التى و إن كان مقدار تعرضها لانتشار الفيروس أقل من المدن الا أن انعدام المساعدة الطبية و كذلك الانخفاض النسبى للاشتراطات و الرقابة الصحية سيؤدى كل ذلك الى نفس معدلات الوفاة العالية كما بالمدن.
و لأن الحياة و الحضارة التى نعيشها اليوم يلزمها الكثير من المجهود و العديد من الوظائف و التى لا تظهر لأعيننا فتساقط المهندسين و الفنيين صرعى للمرض و هم الذين يقومون بتغذية بيوتنا بالكهرباء و يديرون محطات الصرف الصحى و ينقلون لنا البضائع و الأغذية و غير ذلك، سيؤدى تساقط هؤلاء الى انهيار الحضارة كما نعرفها و لن يبقى من الجنس البشرى إلا بؤرا متباعدة تجاهد للحصول على غذائها من الطبيعة كما كانت الحال آلاف السنين الماضية لكن الفارق هنا أن البشر فى هذه الأيام قد أنعمتهم الحضارة ففقدوا مهارات الاعتماد على النفس و العيش على الطبيعة. سيكون من تبقوا من البشر كالحيوانات الأليفة أو التى تربت فى الأسر ثم أُطلقت فى البرية، فليس لها الا الفناء.
بعد هذا العرض المفزع لما يمكن أن يتسبب عنه السوبر فيروس إن أصاب البشرية يوما يكون التساؤل التالى هو: هل فيروس انفلونزا الخنازير هو السوبر فيروس؟
من العرض السابق نجد أن هناك من العوامل ما يشترك فيه فيروس انفلونزا الخنازير مع السوبر فيروس التخيلى من سهولة العدوى به لكونه محمول جوا، و سرعة تدهور الحالة المرضية للمصاب بانفلونزا الخنازير إن لم يتم شفاؤه فى ثلاثة أيام - و هو ما يعتبر سريعا بالنسبة للاصابات الفيروسية الأخرى الا أنه أبطأ من خصائص السوبر فيروس، و سنعتد به كعامل مشترك مع التحفظ.
أما بالنسبة لمعدلات الاصابة و الوفاة بفيروس انفلونزا الخنازير فلا زالت قليلة و لم تصل الاصابات فى أسوأ حالاتها الى سبعة فى العشرة آلاف فى سلطنة عُمان و الوفيات لم تتعد الواحد فى المائة ممن أصيبوا حسب آخر احصائيات منظمة الصحة العالمية و المنشورة فى منتصف أكتوبر.
الوقت الطويل الذى مضى منذ تم الاعلان عن المرض حتى تاريخ ووقت كتابة هذا المقال ينفى عن فيروس انفلونزا الخنازير أن يكون هو السوبر فيروس، فهذا الوقت يتيح للأطباء و العلماء فرصة لدراسة المرض و اعداد الدواء اللازم لعلاجه و الأمصال المطلوبة للوقاية منه.
الأهم من كل هذا أن فيروس انفلونزا الخنازير أثبت أنه مرض يمكن علاجه، و إن تم هذا فى المراحل الأولى للمرض فلا احتياج لأدوية خاصة أو رعاية طبية مكثفة.
مما سبق نستنتج أن فيروس انفلونزا الخنازير ليس هو السوبر فيروس الذى يؤدى لفناء البشرية أو حتى ابادة قسم كبير منها – و ذلك حتى الآن.
إذن ما هو فيروس انفلونزا الخنازير؟ و لماذا كل هذه الضجة حوله؟ و لماذا فى منطقتنا العربية بالذات، بينما لا نكاد نجد صدى فى أوروبا و أمريكا – و هم أقرب منا لمصدر الوباء – لكل التحذيرات و المحاذير التى نعيش تحت نيرها؟
الاجابة الوحيدة التى وصلت اليها هى أقرب ما يكون لكتب الخيال العلمى أو التشويق التقنى للكاتب توم كلانسى.
بنيت النظرية التالية على المعطيات الخاصة بمكان ظهور الوباء و توقيت الاعلان عنه و أخيرا تكلفة مقاومته.
فقد ظهر الوباء فى مكان شديد القرب من الولايات المتحدة الأمريكية، و بالقرب أيضا من المعامل التى أنتجت القنبلة الذرية فى لوس ألاموس بصحراء ولاية نيومكسيكو حيث الظروف المثالية لاجراء أبحاث أسلحة الدمار الشامل من البعد عن الكثافات السكانية و مصادر المياه – ومن هذه الأسلحة الأسلحة البيولوجية الفيروسية.
و لأن أى سلاح ينتج لابد و أن تختبر فعاليته و امكانية استخدامه، فالأسلحة البيولوجية الفيروسية لابد لها من وسيلة لتجربتها مثلها مثل غيرها. و المشكلة فى تجربة أى سلاح ان تكلفة التجربة بلا عائد غير المعلومات التى يتم جمعها، فماذا لو أمكن أن أجرب صاروخا على هدف عدو بدلا من تفجيره فى رمال الصحراء؟ فى هذه الحالة سأحصل على المعلومات التى أريدها بالاضافة الى عدم ضياع ثمن الصاروخ و هو الوضع الأمثل.
تعالوا اذن نتخيل السيناريو التالى:
تنتج الولايات المتحدة الأمريكية فيروسا مخلقا يمثل سلاحا بيولوجيا فائقا، لكنها تحتاج لتجربته و أداء "مناورات" تدريبية به قبل اضافته لترسانتها. فتسرب لجارتها المكسيك نوعا أقل فتكا مما تحوزه – و ما أقرب حدودهما المشتركة من لوس ألاموس بصحراء ولاية نيومكسيكو، بعدها تراقب الولايات المتحدة الأمريكية ما يحدث فى العالم جراء انتشار هذا الفيروس و يقوم خبراؤها بتحليل أسلوب الانتشار و سرعته و اتجاهاته و معدلات الاصابة و كيفية الوقاية الفعالة و غير ذلك الكثير و الكثير آملين الوصول بنتائجهم لتحسين سلاحهم المخبأ لحين الاحتياج الي استعماله.
و لا يفوت الولايات المتحدة الأمريكية الاشتراك فى هذه المناورات طبعا، فهى فرصة لتقييم استعدادها هى للدفاع عن نفسها فى غمار حرب بيولوجية، و إن طالتها بعض الخسائر فلا بأس فذلك يحدث أيضا فى المناورات بالأسلحة التقليدية و هو ثمن ضرورى للاستفادة من هذه المناورات.
أنا لا أتهم الادارة الحالية بهذه المؤامرة، فأبحاث كهذه و تخليق فيروس كهذا يستغرق سنوات و هو ما لا أستبعد أن تكون الادارة السابقة قد قامت به. و قد تخيل الكاتب الأمريكى ستيفن كينج فى رائعته "The Stand" المنشورة عام 1994 سيناريو شبيه بالذى عرضته. الاختلاف أن الفيروس فى قصة ستيفن كينج كان قاتلا و تسرب عرضا، و الفرق الآخر هو الهدوء الشديد الذى تتعامل به الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك الدول الأوروبية و هو ما يتعارض مع ما هو منشور عن خطورة المرض.
لابد أنهم يعرفون شيئا لا نعرفه.
و كما أن التوقيت ضرورى لحبكة الدراما، فتوقيت الاعلان عن هذا الفيروس كان بعد أسابيع قليلة من بداية الأزمة المالية العالمية ليتم تعلية الصراع الى ذروته و هى ضرورة درامية للوصول الى الحل.
و الحل يظهر بالعودة للماضى، فكل أزمة مالية عالمية لم يحلها الا صراع و كارثة عالمية أقوى منها.
القارئ للتاريخ يجد أن كارثة انهيار البورصة فى عام 1929 خرج العالم منها – خاصة الولايات المتحدة الأمريكية – بالانغماس فى سباق تسلح أدى للحرب العالمية الثانية فانتعشت المصانع و زاد الانتاج لتخرج الولايات المتحدة الأمريكية الى حالة من الرخاء غير المسبوق فى الخمسينيات من القرن العشرين.
مر العالم بكارثة انهيار البورصة مرة أخرى فى نهاية الثمانينيات، و مرة أخرى تعبر الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة المالية بالانتاج العسكرى اللازم لحروب الخليج و الذى دفعت ثمنه الدول العربية المتخمة بالبترودولار، و لابد أن الثمن المدفوع قد غطى خسائر الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية كلها بالاضافة الى المصاريف العسكرية.
ثم حدثت الأزمة المالية الحالية و بدأت فى سبتمبر 2008، و للخروج منها كان لابد للدول العربية كافة هذه المرة من دفع التكاليف اللازمة لذلك. هذه المرة لن تدفع تلك الدول ثمن السلاح بل ثمن الأمصال و الأدوية من الشركات الأمريكية و الأوروبية.
و هكذا يشارك العالم كله فى مناورات أمريكية تم اختيار توقيتها بعناية و مدفوعة تكاليفها الغرض منها اختبار سلاحها الجديد و ملأ خزائنها التى أنضبتها الأزمة المالية.
هل هو محض خيال؟
ربما. ستثبت لنا الأيام القادمة ذلك. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|