CET 00:00:00 - 01/11/2009

مساحة رأي

بقلم: هشام منور
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الأزمة بين تركيا و"إسرائيل" بشكل لافت، وبالتزامن مع انفتاح الحكومة التركية ذات الجذور الإسلامية بزعامة (رجب طيب أردوغان) على جيرانها العرب (سوريا والعراق)، والتقارب الذي طرأ على العلاقات التركية الإيرانية، في تحول يبدو للوهلة الأولى غريباً على دولة حكمها نظام علماني "متشدد" لعشرات السنين، وتهيمن على صناعة القرار فيه مؤسسة عسكرية قوية، وتعد واحدة من أهم حليفات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وقاعدة متقدمة لحلف الشمال الأطلسي (الناتو).

وقد برزت أولى ملامح هذه الأزمة بين تركيا و"إسرائيل" في 30 يناير الماضي خلال الموقف الشهير لرئيس الحكومة التركية (أردوغان) حين انسحب من جلسة جمعته بالرئيس الإسرائيلي (شمعون بيريز) في مؤتمر (دافوس) الاقتصادي بسويسرا؛ احتجاجاً على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على كلمة (بيريز) بشأن عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي اتهم فيها "إسرائيل" علانية بقتل الأطفال في غزة.
ومنذ ذلك الحين، ومؤشر العلاقات التركية الإسرائيلية لا يزال ينحدر، ولم تشأ الدبلوماسية التركية التي أعلنت إيقاف وساطتها حينها بين سوريا و"إسرائيل" احتجاجاً على عدوان غزة، أن تدع واقعة منع وزير خارجية تركيا (أحمد داود أوغلو) من زيارة قطاع غزة تمر مرور الكرام، فجاء الانفتاح التركي على جارتها سوريا، وتوقيعها لاتفاقية مجلس تعاون استراتيجي يلغي رسوم التأشيرات الحدودية بين البلدين ويفتح الحدود بينهما كردّ على فتور العلاقات بين تركيا و"إسرائيل"، وهو ما فهمته الدبلوماسية الإسرائيلية جيداً. ورغم أن تركيا قد وقعت مع العراق اتفاقية اقتصادية هامة تسمح بموجبها تركيا بمرور أنابيب الغاز العراقي إلى أوربا عبر أراضيها، ووعدت بتوسيع مثل هذه الاتفاقيات لدول الجوار، إلا أن التقارب السوري التركي كان رسالة تركية شديدة اللهجة على ممارسات "إسرائيل" واستمرار حصارها لقطاع غزة.

ثم جاء "الزلزال" الكبير الذي نجم عن القرار التركي الأسبوع الماضي بإلغاء مشاركة "إسرائيل" في مناورات "نسر الأناضول" الجوية (والتي تضم "إسرائيل" وإيطاليا والولايات المتحدة)، والتي أطلقت حرباً إعلامية وغضباً إسرائيلياً إزاء القرار الذي بررته الحكومة التركية بالاحتجاج التركي على الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة والقدس. فيما قال رئيس الوزراء التركي (أردوغان) إن بلاده استبعدت "إسرائيل" من المناورات «استجابة لضمير الرأي العام التركي الرافض أن تحلق الطائرات التي قتلت الأطفال والعزل في غزة فوق أرضه... يجب أن ننصت لرغبات شعبنا».
ورغم تهديد الحكومة الإسرائيلية بالانتقام من الخطوة التركية من خلال التدخل لدى الدول الأوروبية والتأثير على ملف المفاوضات التركية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن الاستراتيجية التركية الجديدة التي لم تعد تلقي بالاً لأهمية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في ظل شروطها "التعجيزية" ورغبتها في رسم سياسة دولية وإقليمية جديدة تجعل من تركيا محوراً لمنطقة نفوذ جديدة تصل البحار الأربعة المتجاورة وصولاً إلى الخليج العربي، بدد من أهمية التهديد الإسرائيلي لها.

وحتى التهديد الإسرائيلي بتأجيل تزويد تركيا بصفقة طائرات دون طيار متفق عليها منذ 4 سنوات قبل نهاية عام 2009، كرد على الإعلان التركي إجراء مناورات عسكرية مع سوريا، قوبل برد فعل تركي قوي حين أعلنت هيئة الصناعات العسكرية التركية أن أنقرة ستفرض غرامة مالية "ثقيلة" على "إسرائيل" إذا قامت بتأجيل تسليم الصفقة عبر رفع شكوى ضد "إسرائيل" أمام المحكمة الدولية للتحكيم التجاري، مطالبة بتقديم غرامة من المتوقع أن تكون ما بين 3-4 ملايين دولار.
وفي غمرة التوترات والتصريحات المتبادلة، ظهرت أزمة أخرى بين الجانبين، إذ قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية باستدعاء القنصل التركي لديها؛ لإبلاغه الاحتجاج على عرض مسلسل درامي يحمل عنوان "وداع" "يحرض ضد إسرائيل" على شاشة التلفزيون التركي الرسمي. وتدور أحداثه حول عائلة فلسطينية تتبع إحدى فصائل المقاومة في الضفة الغربية. يظهر فيها جنود إسرائيليون يقتلون أطفالاً ونساء ومحتجزين فلسطينيين عزلاً بشكل سادي مع سبق الإصرار والترصد.

وفي قراءة للمواقف التركية الأخيرة، يمكن القول إن البعض يرد تحول الموقف التركي من الحليف القديم "إسرائيل" إلى صحوة ضمير المسؤولين الأتراك، الذين ينحدر أغلبهم من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، واستجابة منهم لمطالب ناخبيهم والشعب التركي برمته، كما يمكن ربط هذا التحول بتلكؤ الاتحاد الأوروبي في ضم تركيا لعضويته وورقة ضغط عليه، وأن البديل الذي سيكون أمام تركيا إقامة تحالف إقليمي جديد يضم كلاً من سوريا والعراق وإيران وتركيا ودول آسيا الوسطى، وحتى بعض الدول العربية في الشرق الأوسط. لتعيد تركيا (ربما) صياغة الشرق الأوسط وفق قواعد جديدة.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٩ تعليق