بقلم : الناصر لعماري |
أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية شأنها شأن جميع المجامع الأرثوذكسية في العالم، الأرمن الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس وغيرها، عندها في قوانينها الكنسية أسباب محددة لفسخ الزواج بمعرفة الكنيسة ومجلسها الإكليريكي وليس بإرادة الزوج أو الزوجة.وأن هذه الأسباب موجودة عندنا في الكنيسة المصرية في كتاب القوانين الكنسية (المجموع الصفوي لابن العسال) من القرن الثالث عشر وأن الحكومة المصرية طلبت من الكنيسة أن تتولى المحاكم المدنية الحكم بالتطليق بين المسيحيين بناء على هذه الشروط التي تضعها الكنيسة التي عُرفت بلائحة 1938 .
فقام المجلس الملي آنذاك بنقل هذه الشروط نقل مسطرة من كتاب المجموع الصفوي لابن العسال وتقديمها للحكومة، وظل معمولاً بها حتى نياحة البابا كيرلس السادس وانتخاب بطريرك جديد خلفاً له، الذي قام بدوره بإصدار قرار بالإرادة المنفردة بإلغاء العمل بلائحة 1938. بينما ظل معمولاً بها في المحاكم المصرية حتى اليوم. وكانت نتيجة هذا التناقض مئات الحالات من المطلقين التي حصلت على أحكام بالتطليق من المحاكم دون أن تسمح لها الكنيسة بالزواج وما ترتب على ذلك من مشاكل رهيبة وترك عدد كبير من المسيحيين للمسيحية بجملتها.
نحن نكره الطلاق لأن الكتاب المقدس قال إن الله يكره الطلاق ولا ننادي به ولكننا ندعو لحل مشاكل المطلقين فعلياً من خلال أحكام القوانين الكنسية المعمول بها في سائر المجامع الأرثوذكسية.
ونقول إن حل مشكلة الطلاق الحقيقي هو في الرعاية وليس في القمع الذي أدّى إلى تفاقم المشكلة وزيادة عدد المطلقين وترك الألوف للمسيحية بسبب مشكلة الطلاق.
قبل أن تخوض في التفاصيل فإن جلاء الإلتباس يبدأ بالتعريفات، فغالبية غير المتخصصين لا يعرفون الفرق بين ما الطلاق وما هو التطليق؛ فالطلاق فعل عائد على الرجل وحده دون المرأة أن يصدر أمره أو قراره بإرادته المنفرده بطلاق أمرأته فتصبح طالقة منه (في الشريعة الإسلامية يلقي الرجل يمين الطلاق على امرأته بقوله أنت طالق. فيصير الطلاق، في اليهودية يعطيها كتاب طلاق فتطلق).
والطلاق بهذا التعريف أي بالإرادة المنفرده للرجل أمر غير وارد في المسيحية فلا يحل للرجل أن يطلق امرأته لأي سبب إلا لعلة الزنا (انجيل متى 18) الا أن الكنائس الأرثوذكسية في العالم بما في ذلك الكنيسة المصرية -حتى وقت قريب جداً – أقرت حق الكنيسة وواجبها بتوظيف سلطانها في إجراء التطليق. ونعود هنا الى التعريفات فتقول أن التطليق هنا ليس قرار للرجل دون المرأة أو العكس انما هو توظيف لسلطان الكنيسة التي يصدر عن أسقفها أو اساقفها القرار وليس يصدر عن الأشخاص وهذا هو الفرق بين التطليق والطلاق.
ومن ثم فقد وضعت كل من الكنائس الأرثوذكسية منهجاً وأسباباً لإجراءات التطليق إذا دعت الضرورة إليه وقد لخص كتاب "المجمع الصفوي" للقوانين الكنسية الذي جمعه "ابن العسال" وقام بتأليفه سنة 1239م وظل معمولاً بمرجعيته في الكنيسة القبطية طوال القرون الخوالي واستندت اليه اللائحة الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الصادر سنة 1938م شرح ولخص بن العسال منهج التطليق على النحو التالي يقول: "من تزوج ووجد بينه وبين زوجته شراً أو سبباً من الأسباب وكانت هي الظالمة فليصبر ويرفق بها حتى تراجع أمورها معه إلى أحسن القضايا وأجملها فإن لم يطق ذلك وزاد أمرها عليه فليتوسط بينهما القسيس الكبير فإن لم تطعه فليتوسط بينهما الأسقف فإن لم تطعه ونأت عن زوجها فليعود اليها فإن
لم تسمع قوله ولم تجب إلى الرجوع فلينفض الأسقف نعله على بابها ومباح للرجل أن يعمل ما أحب فإن أشتهى أن يتزوج فليتزوج"
ابن العسال لم يفتر هذا الرأي من إستحسانه لكنه تطبيق حرفي لنص الإنجيل (متــى 18: 15- 18) قال السيد المسيح: "وإن أخطأ اليك اخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما إن سمع منك فقد ربحت أخاك. وان لم يسمع فخذ معك أيضا واحداً او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة. وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار.الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء."
وعلى هذا الفهم وبناء على هذا النص الإنجيلي إعتمدت الكنائس الأرثوذكسية على تحقيق سلطانها وواجبها في القيام بالتطليق بعد فحص وتمحيص للأسباب القوية التي تدعوا إليه.
أما القول بأن الكنائس الأرثوذكسية لا تصرح بالتطليق فهو قول مجافي للواقع والحقيقة والتاريخ وعلى سبيل المثال فإن: (هنا أمثلة من السريان والروم الأرثوذكس).
وأما القول بأن هذا هو نص الإنجيل في (متى 19) فهذا خلط ظالم وتلبيس متعمد بين الطلاق والتطليق.
وأن محاولة شرح نص واحد من نصوص الإنجيل – ودون الرجوع إلى باقي النصـوص- بطريقة مجافية لحقيقة النص مع الإصرار العنيد على تجاهل تاريـخ الكنيسة على مدى القرون الطويلة وإهدار حقوق البشر وظلمهم بإسم الإنجيل فهو مسئوليه رهيبة أمام الله والناس والتاريخ.
هذا ليس مجرد رأي شخصي ولكنه عرض لواقع تاريخي لما سارت عليه الكنيسة الأرثوذكسية مستندة على نص الإنجيل في (متى 18) " وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء."
فإذا انحرفنا مؤقتاً عن التحليل اللاهوتي لموضوع التطليق إلى الجانب الإجتماعي من القضية فلابد أن نقول أن الطلاق ولا شك كارثة تحل بالأسرة وأن كنائسنا الأرثوذكسية تعمل جاهدة على مقاومة التطليق ومنع حدوثه- لم يحدث في كنائسنا على مدى ربع قرن حالة تطليق واحدة- هذه المقاومة لا سبيل اليها إلا من خلال العمل الرعوي وحل المشاكل بشكل مستمر وعلاج الشروخ الأسرية بأقصى سرعة.
على أن تغليظ العقوبة وحرمان المطلقين من الزواج لم ينجح في حل المشكلة أو ايقاف نزيف التطليق في جسد الأسرة القبطية بل على العكس، تفاقمت المشكلة إلى إعداداً رهيبة من المطلقين وأكثر منهم يحاولون اللحاق بهم والحصول على حكم بالتطليق على الرغم من الإصرار المستميت على عدم إعطاء سابقيهم تصاريح بالزواج في محاولة قوية للردع وإيقاف نزيف التطليق دون جدوى!
لست أظن أن مشكلة التطليق يمكن أن تحل بهذا الشكل وأظن أن المطلقين هم بشر أيضاً. وهم بشر يمرون بمحنة إنسانية قاسية فلا يمكن أن يستسهل انساناً ان يضرم النار في عشه الجميل الذي انفق كل شبابه يسعى اليه ويحلم به، ما لم يكن هناك انهياراً حقيقياً قد حدث ولم يجد من يساعده على تفاديه.
فإذا كان المطلقون يمرون بمحنة نفسية وإنسانية قاسية فمن العبث أن نتصور أنهم سيحتملون مزيداً من الألم واننا نستطيع أن نعاقبهم بالحبس في سجن العزوبية دون أن يحدث مزيداً من الإنفجار والدمار أو اننا ندفع بهم دفعاً إلى التهلكه وبإسم الدين!!
قال السيد المسيح: " لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. فإذهبوا وتعلموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لإني لم آت لأدعوا ابراراً بل خطاة إلى التوبة".(متى 9: 13).
إن اتهام المجلس الملي بأنه هو الذي ابتدع لائحة 1937 كلام مجافي للحقيقة والتاريخ:
أولاً: فلائحة 1938 التي قدمتها الكنيسة للدولة منقولة نقل مسطره من كتاب القوانين الكنسية المعروف بالمجموع الصفوي لابن العسال من القرن الثالث عشر ميلادي.
ثانياً: إذا كان المجلس الملي ابتدع الأسباب التسعة للائحة 1938 لفسخ الزواج كما يسميه ابن العسال فكيف وجدت هذه الأسباب أو يشابهها في باقي المجامع الارثوذكسية في العالم لم تعرف المجلس الملي المصري ولا ابن العسال – الروم الارثوذكس والارمن ارثوذكس والسريان الارثوذكس والروس.. إلخ.
ثالثاً: وإذا كان كل هذه المجامع الارثوذكسية مخطئة فيما ذهبت إليه مع ابن العسال مع كل البطاركة الأقباط من بداية التاريخ حتى سنة 1971 فكيف أيد الانبا اغريغوريوس الراحل لائحة 1937 وكيف نشر هذا التأييد في كتاب شريعة الزوجة الواحدة لكاتبه الانبا شنوده اسقف التعليم (انذاك) على النحو التالي:
في صفحة 96 و 97 تحت عنوان الطلاق والتطليق:
"ومسألة أخرى يجب أن توضع مع شريعة (الزوجة الواحدة) في قمة الاعتبار وفي بؤرة الشعور هو أنه لا طلاق في المسيحية بالمعنى المعروف في الإسلام وهو حق الرجل في فصم الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة. فالمسيحيون جميعاً على اختلاف مذاهبهم مجمعون على أنه ليس في المسيحية طلاق من هذا النوع. إن المسيحية تسمح بالتطليق وليس الطلاق، والتطليق هو الفصل بين الزوجين بناء على حكم محكمة ولأسباب تقرها الكنيسة".
ومن هذا يتضح كما ذكر الانبا اغريغوريوس في كتاب الانبا شنوده (شريعة الزوجة الواحدة) أن الطلاق شيء غير التطليق (أي فسخ الزواج).
الطلاق هو حق الرجل بالإرادة المنفردة – دون المرأة – أن يطلق امرأته وهو ما كان معمولاً به في اليهودية وكذلك في الإسلام وهو سؤال الفريسين للسيد المسيح في إنجيل متى 19 "هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لأي سبب..".
أما فسخ الزواج (أي التطليق) فهو حكم مجمع الكنيسة وليس ارادة الرجل وهو ما صار مبلوراً في لائحة 1938 التي تعمل بها المحاكم المدنية (أي بحكم مجمع الكنيسة كما ذكرنا.
فأين الصدق وأين الحقيقة؟
يقول السيد المسيح "لا يحتاج الاصحاء إلى الطبيب بل المرضى فأذهبوا وتعلموا ما هو. إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آتي لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة" (متى 9 : 12 و 13).
الطلاق والتطليق:
ومسألة أخري يجب أن توضع مع شريعة "الزوجة الواحدة" فى قمة الأعتبار وفي بؤرة الشعور هو أنه لا طلاق في المسيحية بالمعني المعروف في الإسلام وهو حق الرجل في فصم الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة، فالمسيحيون جميعا علي اختلاف مذاهبهم مجمعون علي أنه ليس في المسيحية طلاق من هذا النوع، إن المسيحية تسمح بالتطليق وليس بالطلاق، والتطليق هو الفصل بين الزوجين بناء على حكم محكمة ولأسباب تقرها الكنيسة.
وإذا كان ذلك كذلك فقد تعين عليهأن ينص فى التشريع والقانون المزمع صدوره على أنه طبقا للشريعة لا يجوز الطلاق بالإرادة المنفردة، و أن التطليق يتم بمعرفة القضاء إذا توافرت أسباب التطليق التى تنص عليها الشريعة المسيحية .
وبناء عليه يضا يجب أن يوضع حد للتحايل الذي يلجأ إليه بعض الأزواج للنكاية بزوجاتهم فيغير مذهبه الكنسي أو ملته فيتضم مثلا إلى الأروام أو إلي السريان الأرثوذكس, ليخول له هذا الإنضمام أن يطلق زوجته بإرادته علما أنه لا الأروام ولا السريان ولا الأقباط ولا أية طائفة أو ملة أخري مسيحية تبيح لتابيعيها حق الطلاق بالإرادة المنفردة فكيف إذن يحدث هذا التحايل ويحميه القانون؟
وهو يتعارض مع الشريعة المسيحية في جميع مذاهبها؟ من أن يجوز لزوج مسيحى سواء كان أرثوذكسيا أو كاثوليكيا أو بروتستانتيا أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة ؟
نقلان عن الحوار المتمدين |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |