بقلم: سلام خماط
تعتمد كل أشكال السلطات على شرعيتها السياسية ، ومدى قبول الشعب بها. لذا فإن العملية الديمقراطية تتطلب، درجة عالية من هذه الشرعية؛ لأن الإنتخابات تقسم الناس إلى معسكرين إحدهما رابح والآخر خاسر.
إلا أن الديمقراطية الناجحة هي وحدها التي تضمن قبول الخاسر بالإنتقال السلمي للسلطة. لهذا نقول يمكن أن يختلف السياسيون، ولكن لابد أن يعترف كل طرف للآخر بحقه الشرعي. وهذا لم يحصل إلا في المجتمعات التي تعرف التسامح والتعايش، وبالتالي يعني أن كل الأطراف المتنافسة والمختلفة، لابد ان تشترك في قبول القيم الديمقراطية ومفاهيمها. أما المجتمعات التي لا تعرف التسامح فقد سادت فيها دساتير لا تحمل من الديمقراطية سوى التسمية.
ولهذا فان الكثير من الأنظمة كانت تمارس نوع من التحايل على مبادئ الديمقراطية ومفاهيمها -كما حصل في ظل النظام السابق وكيف كان أتباعه يحشدون الناس ويجبرونهم على الذهاب للاستفتاء على مرشح واحد، وهكذا إستمرت هذه المهازل في العديد من الأنظمة المذكورة ولدورات انتخابية عديدة، بينما لا يبيح النظام الديمقراطي الحقيقي إعادة ترشيح المرشح لأكثر من دورتين انتخابيتين, هنا نستطيع القول أن الدكتاتوريات ليست وحدها معادية للديمقراطية، بل الفساد هو من ألد أعدائها كذلك، بالإضافة إلى عدم التسامح الديني والسياسي.
كما أن المجتمع لا يمكن أن يكون مستعدًا لتقبل الديمقراطية في ظل وجود الفقر والبطالة والفساد المالي والإداري وغياب الأمن وتفشي الجريمة. ولابد للنظام الديمقراطي أن يكون مستعدًا لمساعدة الطبقات الفقيرة، وإتاحت الفرصة للحصول على التعليم الأفضل والمعالجة المجانية لها، واستتباب الأمن والضرب بيد من حديد على ايدي المفسدين وهذا لا يتم إلا بمساعدة المثقفين والمتعلمين من أطباء ومحاميين وصحفيين وأساتذة جامعات،
من خلال تفهم مسؤولياتهم على نحو أفضل، وإستعداد هذه النخب لقبول المفاهيم الديمقراطية في قبول والاعتراف بالآخر المختلف، والعمل على تغيير الآليات الإنتخابية التي تعطي أصوات الخاسرين إلى المرشح الفائز الأقوى، بدلاً من إعطائها إلى أفضل الخاسرين -كما حصل في انتخابات مجالس المحافظات السابقة- وهذا يعني عدم قبول الآخر، وعدم الإعتراف به ويعني بالتالي إفراغ العملية الديمقراطية من مفاهيمها .
إن أزمة الديمقراطية، وصعوبة تحقيها في مجتمعاتنا العربية، ليس بسبب الأنظمة الدكتاتورية فحسب، بل بسبب المجتمعات التي تضع العراقيل أمام المثقف كذلك.
بل الأدهى من ذلك عندما يكون الأستاذ الجامعي، من يشارك في وضع العراقيل في طريق الديمقراطية. ففي ندوة حول الديمقراطية حاضر فيها المفكر العربي "جورج طرابيشي" في إحدى دول المغرب العربي حضرها نخبه من الباحثين وأساتذة الجامعات، حيث طرح عليهم السؤال التالي: إن الديمقراطية تتضمن كشرط أساس من شروطها (حرية الرأي والتعبي)
فهل نحن كنخبة مثقفة على إستعداد لتقبل (لوثرمسلم وفولتيرعربي) وحتى نتمثل بإسم أحدث عهدًا؟، هل نحن على استعداد لتقبل "سليمان رشدي" آخر في صفوفنا ؟
يقول طرابيشي "إن صمت طويل قبل أن يرتفع صوت مدوي في القاعة" ( أعوذ بالله ).
وهذا يعني أن ما يسمى بالنخب في مجتمعاتنا العربية، لا تتحمل فكرًا حرًا؛ لأنها لا تتقبل الفكر الحر، وخاصة فيما يتعلق في الدين أو الجنس. وهذا ما حصل في إحدى جامعاتنا العراقية عندما رفضت لجنة (أطروحة الدكتوراه في شعر حسب الشيخ جعفر) بحجة إنتماءه الفكري والطائفي وقد اصدر إتحاد الكتاب والأدباء في العراق بيانًا أدان فيه هذا التصرف الطائفي المقيت، والذي يصدر من مؤسسة علمية كان من الأجدر بها أن تنأى بنفسها عن التخندقات الطائفية البغيضة.
إن الديمقراطية وحدها، تبيح للإنسان أن ينعتق من العقلية الطائفية كي يفكر وينتخب من يشاء على أساس عقله الذي يدله على من هو الاكفأ والأجدر، حتى لو كان من خارج طائفته أو قوميته أو مذهبه.
ولا يخفى على أحد كيف أدلى الناخبون بأصواتهم لأشخاص يمثلونهم دينيًا أو طائفيًا، وبعد تكرار هذه العملية الإنتخابية، توصل هؤلاء الناخبين إلى حقيقة أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق في ظل هذا الوضع الطائفي، وإن الديمقراطية الحقيقية وحدها التي سوف تأتي بمن هو أفضل . |