CET 00:00:00 - 04/11/2009

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري
دعا الراحل الكبير الأستاذ مصطفى أمين إلى أن يكون يوم 4 نوفمبر عيداً للحب في مصر, إيماناً منه بأن الحب وحده هو بلسم كل الجراح ودواء كل الخطوب , فالحياة بدون حب لا تساوي شيئاً , فهي بدون حب صحراء قاحلة, غابة موحشة, ميدان قتال , ساحة حرب لا صوت يعلو فيها على صوت أزيز الطائرات, ورعد الصواريخ , ودوي المدافع, وانفجار القنابل.

وفي ظل المتغيرات المختلفة والصراعات المتنوعة التي يعاني منها عالمنا, وفي ظل المحن المختلفة التي تعاني منها بلادنا الحبيبة مصر من تعصب أعمى, ورفض للآخر المذهبي والديني, وفتن طائفية وعنف أحمق وإرهاب دموي, لابد أن نعترف بأن كلمة المحبة كادت أن تختفي من قاموس حياتنا وصارت نبتة الحب غريبة على عالمنا, لأن الإنسان ظن الحب وكأنه لغة الضعف بينما العالم لا يعرف إلا منطق القوة فأصبحنا نعيش في عصر تجمدت فيه ينابيع المحبة وتحول الإنسان إلى المادية وصار يصارع من أجل أهداف دنيوية حتى ولو أدى ذلك إلى التسلق على أكتاف الآخرين وهضم حقوقهم وسلب ممتلكاتهم, فنضب الحب وتجمدت العواطف وتحجرت القلوب وتصلبت المشاعر!! 
ما أعظم ما يفعله الحب في كيان الإنسان, إنه يؤصل فيه روح المحبة والإخاء والثقة والشجاعة والأمل والسلام والرجاء, والحب ليس كلمة تقال , ولا شعوراً نصفه , ولا شعاراً ننادي به , ولا أنشودة نتغنى بها, لكنه في حقيقته هو العطاء بلا حدود, الحب في جملته , وفي قمة كماله وجماله هو بذل الحياة بدون مقابل وتقديم النفس قرباناً على مذبح التضحية من أجل الآخرين بدون ثمن .

ولا يوجد شئ يؤكد إنسانية الإنسان مثلما يفعل الحب, فلقد قال فيكتور هوجو "إذا كنت نباتاً فكن حساساً, وإن كنت حديداً فكن مغنطيساً, وإن كنت حجراً فكن ماساً, وإذا كنت إنساناً فكن حباً" لذلك أدعوك قارئي العزيز لأن تدع زهور الحب تتفتح في أعماق قلبك ونفسك حتى تتفجر ينابيع الخير من حولك, فعندما تحب محبة حقيقية نابعة من أعماق قلبك تستطيع أن تقف بجوار أي مقهور مظلوم وتستطيع أن تقول كلمة حلوة لأي بائس محروم, عندما تحب ستتخير كلماتك وألفاظك وستنقيها من الحجارة حتى لا تقع على رؤوس المستمعين فتؤذيهم وتجرحهم, عندما تحب ستكون المنديل الذي يجفف دموع الباكين, والعصا التي تسند العاجزين, وستكون بلسماً يضمد جراح الناس لا خنجراً يجرح قلوبهم, عندما تحب لن تدوس على الواقعين على الأرض بل ستنحني وتأخذ بيدهم وتحملهم على ظهرك, عندما تحب سترى جمال الورد وستتغاضى عن الأشواك, سترى النجوم والنور في حياة الناس في ليل طباعهم وفي ظلام معاملاتهم, عندما تحب سيكون لكلامك معنى كالآلة الموسيقية التي تعطي للنغمات شكلها وجمالها واتساقها وانسجامها, عندما تحب ستجمع الحجارة التي يقذفها الآخرون عليك وتستخدمها في البناء وستتأكد بأن الخناجر التي تُغمد في ظهرك من الغادرين إنما تدفعك إلى الأمام, عندما تحب ستكون مع الذين يتألمون وستبكي مع الذين ينتحبون, وستجد سعادتك في تخفيف الألم عن الذين يتأوهون, عندما تحب محبة حقيقية ستكون كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً تُضرب بالصخر فتُلقي بأطيب الثمر , وعندما يكون قلبك مفعماً بالحب لن تجد فيه مكاناً لحقد أو لكراهية أو لحسد .

يقول الكتاب المقدس في رسالة يوحنا الرسول الأولى 4 : 7- 20 أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ.وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ المسيح كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً. اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا. بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ. وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ، وَاللهُ فِيهِ. بِهَذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ هَكَذَا نَحْنُ أَيْضاً. لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ، لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ، وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ. نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً. إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضاً.

إن الله محبة, وهو مصدر ونبع كل حب, ولا يمكن لنا أن نحب الآخرين أياً كان لونهم أو دينهم أو معتقدهم أو مذهبهم أو جنسهم أو جنسيتهم,  دون أن نحب الله من كل القلب والفكر والنفس والقدرة, فعندما تمتلئ قلوبنا من محبته لابد أن تنعكس هذه المحبة على الآخرين, ومحبتنا للآخرين هي برهان محبتنا لله, ومحبتنا لله لابد أن تنعكس فتشع حباً على الآخرين, فهل أحببت الله قارئي العزيز من كل قلبك؟وهل فاضت هذه المحبة على الآخرين أياً كان لونهم أو دينهم أو معتقدهم أو مذهبهم أو جنسهم أو جنسيتهم؟!
إنها دعوتي أقدمها لك في عيد الحب, ولست أبغي من ورائها إلا الحب!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق