CET 00:00:00 - 07/11/2009

مساحة رأي

بقلم: المستشار نجيب وهبة
يبدو أن ثمة صراعًا في الفينة بعد الفينة بين التقدم من جهة وتفسير عقائد الدين من جهة أخرى. وإذا كانت الأصولية الدينية أحد أشكال تفسير عقائد الدين فيمكن القول بأن ثمة صراعًا بين التقدم والأصولية الدينية.
بعد نشوب الثورة الفرنسية بعام, صدر كتاب لـ"أدموند بيرك" بعنوان (تأملات فى الثورة فى فرنسا 1890). فهو يقرر أن الدولة والكنيسة كيان واحد لأن الدين هو مصدر التشريع، ومن ثَمَّ فليس من حق أحد أن يُغير التشريع. والعدالة أيضًا مصدرها النظام الإلهي عبر الحكمة الجماعية والتقاليد. وبذلك يهز "بيرك" مفهوم التقدم الذي هو من مفاهيم التنوير، ولهذا كان من المنطقي أن يصف "بيرك" عصر التنوير بأنه (عصر الجهل).
مع بداية القرن العشرين تجاوزت نظرية "أنيشتين" نسق "نيوتن" ومهدت لبزوغ الفيزياء النووية التي أفضت إلى صناعة الأسلحة النووية, وبالتالي إلى تهديد الوجود بل إلى (الانتحار النووي البشري) الذى يعني (قتل بعض البشر لكل البشر).

والسؤال: ما سبب هذا الميل إلى الانتحار النووي البشري؟ هل هو الإنسان أم العلم؟
جوابي: أنهما معًا باعتبار أنّ العلم إفراز إبداعي من الإنسان من حيث هو حيوان مبدع.

والسؤال: مَن الذي يساند هذا الرأي؟
إنها الأصولية الدينية أيًا كانت تتسم بـ(تفسير عقائد الدين). فيمكن القول بأن (تفسير عقائد الدين) هو سبب سوء استخدام العلم.

والسؤال: مَن هو (المذنب)؟المسئول عن تدمير مدينة "هيروشيما " بالقنبلة الذرية في 6 أغسطس عام 1945؟ هل هو العالِِم أم (مُفسّر عقيدة الدين)؟
إنّ لفظ (مذنب) لا محل له في هذه المناسبة, فجميع العلماء قد أدوا دورهم في تطوير العلم الحديث. وهذا التطور يفضي إلى الخير وقد يفضي إلى الشر. ولكنهم مقتنعين ومعهم العقلانيون الذين كانوا يؤمنون بالتقدم, أنّ نمو المعرفة يفضي بالضرورة إلى سيادة الخير والتحكم في الشر.
ولم يرد بخلدهم على الإطلاق إمكان صناعة قنابل ذرية. ولهذا لا يمكن أن ينطبق لفظ (مذنب) على أولئك.

والسؤال: إذا لم يكن العالِم مذنبًا, فمن هو المذنب؟
إنّ المذنب فى رأيي, هو ذلك (مفسر عقائد الدين) الذي توهم أنه قد امتلك حق التفسير, وأراد أن يفرضها علينا مستعينًا في ذلك بالقوة المسلحة. ومن ثمّ فهذا (المفسر لعقائد الدين) يذكّرنا بالإنسان (الفاشي) الذي قال "اعتقد, ِطع ثم حارب". وهذا القول بمثابة الحقنة التي غرزها "موسوليني" في الجماهيرية الإيطالية.
وتأسيسًا على ذلك يمكن القول بأن العقبة الأساسية أمام تحقيق السلام هي (تفسير عقائد الدين). والإبداع هو المضاد الحيوي للأصولية والممهد للسلام.
إنّ أمامنا شوطًا طويلاً قبل أن ننقل الرؤية الحقيقية إلى واقع. وتغيير فكر من دورانه على الحرب إلى دورانه على السلام, ومن دورانه على الحكومات إلى دورانه على الشعوب, ومن دورانه على القطيعة إلى دورانه على الحوار، ومن دورانه على الإرهاب إلى دورانه على التسامح.

والسؤال الأخير: مَن هم أعداء السلام؟
مصطلح غامض, وتوضيحه أمر مطلوب, والإ فإن النضال من أجل السلام يصبح وهمًا.

إن لفظ (عنف) وهو (الإرهاب) من إفراز الأصوليات الدينية. ذلك أن هذه الأصوليات أيًا كانت سمتها الدينية ترفض إعمال العقل في النص الديني فتلتزم حرفيته, وتتهم مَن يخرج على هذا الإلتزام بالكفر والزندقة, وما يلزم عن ذلك من مشروعية, قتل من يُوجه إليه هذا الإتهام.
وتأسيسًا على ذلك فإن الأصوليات ترى أن أي فشل يلحق بأي حل أصولي مردود إلى مؤامرات الشيطان، كما ترى أن أي تنازل عن المبادئ الأساسية "خيانة للحق".
أما ما يبدو اليوم أنه قطيعة مع الغرب, فمردود إلى تيارات فكرية ترفض التأوبل, أي ترفض إعمال العقل في النص الديني, كما ترفض تطور العلم, ولا ترى في التكنولوجيا سوى سلبيات. وهذه التيارات الفكرية هي على وجه التحديد أصوليات دينية دخلت في صراع مع حضارة العصر, فتوقف التقدم وتعثر السلام.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق