خاص تلفزيون ليفانت- على عكس ما رأيناً في حروب الأطلسي الكثيرة تراجع الدور العسكري المباشر الظاهري للناتو إلى مستويات
معدومة تقريباً مع اشتداد أوار الحرب الكونية الشرسة على سوريا، وبالكاد نلمح ظهور أحد جنرالات الناتو مزهواً بنجومه الأربع ليتكلم في العسكرة وإدارة الحرب والاستراتيجيات. ولم يعد ظهور هؤلاء إلا للتذكير، فقط، وإلا كي يعلنوا بأنهم لن يتدخلوا في سوريا، وأن لا نية للأطلسي، البتة، بإرسال جنوده إلى سوريا.
وفي الحقيقة، وفي واحدة من المرات النادرة، يستشم المرء روائح صدق في تصريحات الأطلسيين، وفي هذا القول شيء، إن لم يكن الكثير من الصحة، والسبب ليس لكرم أخلاق من الناتو، وسياسييه، وجنرالاته، أو لتغيير في نواياه، وتبدل في استراتيجياته، وتحول في أهدافه، بقدر ما هو تغيير جديد وخبيث وماكر في قواعد اللعب، وقواعد الاشتباك، وإدارة الصراعات مع استحداث جيش رديف وجديد للناتو، من “الجهاديين” (الإرهابيين)،، الذين بات الاعتماد عليهم كبيراً ومربحاً جداً في حروب الأطلسي ومغامراته العسكرية، وتطبيق استراتيجياته وأحلامه في إحكام السيطرة على العالم، والتقدم لقضم مناطقه الدسمة واحدة بعد الأخرى، ودولة إثر دولة عبر الوصفات الديمقراطية الغربية، وإشعال الثورات الملونة للشعوب المنكوبة بالاستبداد والديكتاتورية0
لم يعد التدخل الأطلسي المباشر، وكما يبدو من “أخلاقيات” الأطلسي، وقواعد “اشتباكه” الجديدة، من أولويات الأطلسيين، الذين باتوا يديرون اللعبة من بعيد، ويتحكمون بها عبر وكلاء محليين أو إقليميين، ويشتغلون على أي بلد دبلوماسيا، وإعلامياً، وسياسياً، وديمقراطياً، ويضعون الخطط، ويفكـّرون، ليس في إنقاذ البلد المستهدف، بقدر ما يبحثون عن ماهية الطريقة الأنجع، لتشريحه، وتقطيع أوصاله، والقضاء عليه قضاء مبرماً واستنزاف خيراته، وموارده، وتشريد شعبه، وقتل أبنائه.
لقد قدّر بعض الخبراء الاستراتيجيين أعداد جيش “الجهاديين” (الإرهابيين)، المنضويين تحت علم القاعدة، ممن باتو يشكلون الاحتياطي الجاهز لخوض الحروب (الثورات)،عبر العالم، ومن مختلف تلك الدول التي لا عمل لها سوى تصدير الفقر وبضاعة الموت والشقاء للعالم، بحوالي 750 ألف مقاتل يتم تجنيدهم عبر مكاتب ومنظمات ومؤسسات تحت أسماء خيرية وغيرها عبر العالم، ويخضعون لدورات عسكرية وتدريبية خاصة في خلق الفوضى والخراب. وقد أغرى الأنموذج الأفغاني “الجهادي، في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ونجاحه في تقويض الإمبراطورية السوفييتية الشيوعية الحمراء، إلى إعادة استنساخ السيناريو في غير مكان من العالم.
وفي ليبيا نزل حوالي خمسة عشر ألفاً من “متطوعي” الناتو، “الجهاديين”، في ميناء طرابلس الغرب، في محاكاة لا تشبه في تاريخ الحروب العسكرية، إلا الإنزال الأمريكي الشهير في النورماندي، في السادس من يونيو/ حزيران، في فرنسا، والقضاء على حكومة “فيشي” العميلة للنازيين، الأمر الذي قلب موازين الحرب العالمية الثانية، وتوج انتصار الحلفاء على المحور “الفاشي”، لقد كان ذلك العدد الهائل من “ثوار” الجهاد العالمي، مع المؤثرات “الثورية” الدعائية والإعلاميةّ، كافياً للقضاء على القذافي، وإسقاط نظام حكم العقيد. كما جرّب الغربيون عضلاتهم، أيضاً، مع الروس في القوقاز، وتحديداً في الشيشان، في تسعينات القرن الماضي، حين دلف “الجهاديون” الخارجون من حرب أفغانستان لتحرير الشيشان مزودين بعطالة وزخم جهادي، ومن مختلف دول الشرق الأوسط المبتلاة بالفقر، كما بلوثة الغباء.
لم يعد الناتو، مع وجود جيش عرمرم من المرتزقة ممول من خارج المنظومة الأطلسية، بحاجة لإرسال جنوده، وبوارجه وطائراته لأي بلد في العالم، فالجهاديون (الإرهابيون)، يقومون بالمهام على خير ما يرام. وفي سوريا (التي أقر الإبراهيمي مرغماً بوجود 40 ألف جهادي فيها) يعاد استنساخ الوصفة، وذات السيناريو ، لكن مع تمايزات استراتيجية هائلة، بعد انبثاق قطبية دولية جديدة فرملت إلى حد بعيد جنوح وطموح وخيالات الأطلسي، ووضعت حداً لمشاريعه وبرامجه “الثورية” المشبوهة، قد تقلل من فرص نجاح المغامرة الجهادية الثورية العالمية.
فلماذا إذن، والحال، يرسل الأطلسي جنوده للقتال، وقالت الأمثال، “اللي عنده عشي ما بيزفر يديه”؟
- المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها
Levant TV |