بقلم: هيام فاروق
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد
قررت يومًا خلال هذا الأسبوع أن أكسر طقوسي المعتادة وأستسلم للتعامل مع هذين الجهازين (التليفزيون والتليفون) نظرًا لأن تعاملي معهما قليل جدًا وفي أضيق نطاق لأني لا أحبهما.
وبالفعل أخذت أتنقل بين القنوات الفضائية وبدأت بالقنوات الإخبارية على أن أسمع خبر جديد.. ولكنى لم أسمع سوى كوارث، وأمراض، وأوبئة، وضوضاء، ونداءات، وأحوال إقتصادية سيئة، وأحوال اجتماعية أسوأ.... إلخ من أخبار لا تسر عدو ولا حبيب. وتذكرت كلمة رب المجد أن (العالم قد وُضع في الشرير).
وهُنا دق جرس التليفون وبدأت في سماع ما في قلوب الكثيرين.. وكان مُلخص معظم المكالمات لمن تشتكي من دوامة الحياة وقسوة تجاعيد السنين (وضاع العمر يا ولدي)، ومن تشتكي من سوء معاملة الزوج القاسي رغم تبريرها بصعوبة الحصول على لقمة العيش في ظل هذه الظروف السيئة، وأخرى تشتكي أنها لا تستطيع الحراك من المرض، وأخرى تشتكي مِمَن حولها من أصحاب النفوس المليئة بالأحقاد، وأخرى تشتكي من أولادها وهذا الجيل المتمرد دائمًا.
أغلقت التليفون وندمت أنني استسلمت لهذا الجهاز أو ذاك.. شكوى.. أنين.. آهات.. دموع.. أغمضت عيناي ووضعت رأسي بين كفّيَّ قائلة ((اللهم التفت إلى معونتي، يارب أسرع وأعنّي)).
وإذا بإبني الحبيب يأتيني قائلاً (مالك يا ماما؟) فأجبته بأن الجميع يتوجع وليس من شكر ولا تسبيح وكأننا بدون مسيح.. وظللنا نتبادل الحديث ولا أعلم كيف بدأ إبني أيضًا في الشكوى والتذمر على أشياء متعددة في حياته بما فيهم أنا ووالده.. وأعطاني الرب أن أتحدث معه بحقائق وصور فأتيت بألبوم الصور الخاص به وهو طفل صغير يتمتع بالنزهات والأحضان والحب من جميع أفراد العائلة، وأيضًا صور مؤتمراته ومعسكراته ورحلاته، وأحببت أن نقارن (هو وأنا) بين حياتنا التي نعيشها وبين أطفال وأناس يتلوون جوعًا وعطشًا ويموتون يوميًا نتيجة البرد القارس أو حرارة القيظ الشديدة وينامون على الأرصفة ويأكلون الفتات الساقط من أيدى المتنعمين، وعرضت له بعض الصور الخاصة بأطفال المجاعة في الصومال والسودان والنيجر، حتى كانت من بينها صورة لطفل مشرف على الموت إثر مجاعة شديدة ويقف من خلفه نسر منتظرًا موته حتى يلتهمه، وقد انتحر مصور هذا المشهد بعد التقاطه لتلك الصورة تأثرًا بها، لكى يعرف كيف أننا محظوظين بإلهنا الحي الرائع.
أبدًا أبدًا مش متساب
وحدي هنا في دنيا الأتعاب
مليان قلبى سلام من وعدك
رب المجد بذاته حاميني
رجعت بفكري إلى تلك الأحاديث التليفونية وتذكرت من تقول أنها استيقظت صباحًا وفتحت الإذاعة وإذ بها أول ما تسمع في الصباح الباكر أغنية (حاسس بمصيبة جايالي.. يا لطيف يا لطيف)، وقلت لها بدلاً من أن نفتح الإذاعة فلنفتح الكتاب المقدس الذي نسمع فيه صوت الرب قائلاً (هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونفرح فيه).. وتذكرت أيضًا من تشكو من عدم مشاركة أفراد أسرتها في مساعدتها في الأعباء المنزلية وتقول (جبتك يا عبد المعين تعينني لقيتك يا عبد المعين تتعان) وقلت لها ولماذا لم تأتِ أنتِ وعبد المعين إلى المعين نفسه؟ ملعون من يتكل على ذراع بشر!
وهكذا يا أحبائي أتعاب الحياة ثقيلة وكثيرة ومتنوعة ومليئة بالمشقات التي تجعلنا نجرى إلى من يستطيع أن يحمل الجمل بما حمل، الذي قال (تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم).. ليتني أرتمي في حضنك الأبوي الدافئ قائلة:
أنا جاي ضعيف قويني ..... أنا جاي حزين عزيني
أنا جاي لك خاطــي ..... إبرئنــي وإشفينــي
أتمنى لحضراتكم جميعًا حياة ملؤها البركة والشـكر |