بقلم: زهير دعيم
نشر السيّد فادي يوسف الجبلي مقالا بعنوان " حوار هادئ مع السيّد زهير دعيم في العدد 2820 وبتاريخ 5.11.09 ..ردًّا على تعليق لي حول مقالته عن د. وفاء سلطان والقمص زكريا بطرس ...أدناه رابط المقالة :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=190596
وللحقّ أقول ان هذا الرجل كان هادئًًا في نقاشه ، مؤدبًا في حواره، يقول كلمته بوضوح ويمشي ، بل يقف أحياناً ويتلفت فيما حوله ويتابع المسير بأقدام ثابتة مرّة وراعشة مرّة أخرى نحو الأفق ؛ وافقه مضيء في بعض الأحيان ، وأحيانا تجده مُبرقعًا ببعض التجنّي ، فالأنبياء –الصادق منهم والكاذب- كلّهم واحد في نظره والاهم الله غير موجود.
فكّرت ان أردّ ردًّا مُقتضبًا كعادتي ، ولكنني وجدت ان تساؤلات أخي العزيز فادي تستأهل وقفة أطول ، وردًّا أعمق بعض الشيء ، مع أنّني في قرارة نفسي أجد أنّ الأمر شائك ، فموضوع العلمانية والدّين هو موضوع حسّاس ، مليء بالصخور ، رغم انني لا أرى انّ العلمانية والإيمان بالسّيّد المسيح الإنسان والإله يتعارضان ، بل بالعكس يلتقيان ، فهذا الربّ هو عنوان الحكمة ورأسها وأساس كلّ علم ومعرفة ، ففيه تدّخر كلّ كنوز الحكمة.
أخي فادي يذهب بعيدا في نقاشه الهادئ، فيقول ان الثالوث الحقيقي هو : الإيمان ، الحبّ والأعداء.
وأقول – وانا اضحك دهشًا- أخطأت يا أخي خطأً فادحًا ، فثالوثك هذا هو ثالوث ولكنه ليس مقدّسًا ، فالثالوث المُقدّس هو فقط : الآب والابن والرّوح القُدس، هذه هي المعادلة الرائعة التي كسرت النواميس البشرية ولم يستطع ولن يستطيع العقل البشري من فهمها تمامًا الآن – رغم محاولاتنا – فهناك أمور يستعصي على عقلنا البشريّ الصغير فهمها ، وأنت تسميها الغيبيات ، وأنا أقول عنها ما فوق الطبيعة والإدراك البشري التي لا يمكن فهمها الا بعد أن نعاين السيّد.
يُحكى انّ القدّيس اوغسطينوس العالم اللاهوتي الكبير ، المولود في قرطاجنة ( تونس) في الثالث عشر من تشرين الثّاني من سنة 354م.....يحكى انّه ذهب مرّة إلى شاطئ المحيط مختليًا ليجد تفسيرًا للثالوث المُقدَّس ( الآب والابن والرّوح القدس) وفيما هو يفكّر شاهد طفلا صغيرا يحمل صدَفةً صغيرة ، ينقل فيها مياه المحيط رائحا غاديًا الى اليابسة ، فلمّا شاهده اوغسطينوس تعجّب جدًّا فدنا منه سائلا : ما تفعل يا صغيري ؟
فردّ عليه الطفل بثقة قائلا : إنّني أنقل المحيط إلى اليابسة !!
فضحك القدّيس وقال : أتظنّ انك تستطيع ان تفعل هذا ؟ فأجابه الطفل : وهل تظن انك نستطيع يا اوغسطينوس أن تُفسّر بعقلك الصّغير ما معنى الآب والابن والرّوح القدس ؟!!
امّا بخصوص ما فُهم كاتهامي لك بالدفاع عن الإسلام ، فاسمح لي يا أخي أن أقول إنًني أخطأت هنا ، وكان يجب أن أقول :" فليردّوا عليه ويفحموه ان استطاعوا إلى ذلك سبيلا وما أظنهم يقدرون " لأنه متبحّر بل مُتحيّطٌ إن صحّ التعبير ودارس هذا القمص زكريا وباحث كبير في التراث والسُّنة والقرآن والاهم انه يرتكز على الرّوح القدس في قيادته ...إنّ له هدفًا ساميًا ، انه يبغي ان يقود موكب الكثيرين المارّين في ممرّ الحياة الضيّق والقصير الى الحياة الأبدية ، الورديّة ، الخالية من المرض والحزن والهمّ والخطيئة .
إنه يفعل ذلك بمحبة وأمانة واقتناع تامّ بما يفعل ، ولا أظنّ أنّ الصليب يؤثّر سلبًا عليه يا سيّد فادي ،بل بالعكس تمامًا ، فالصّليب موضع افتخار، وأنا أقول مع بولس الرّسول : " حاشا لي أن افتخر الا بالصّليب ".
فالصليب هو عنوان الفخر ورمز الخلاص ، وهو الحرّيّة بأمّ عينها ورأسها وكيانها....إنّه العتق من الشرّ ، والاندماج بالذات الإلهية الرائعة ، والذوبان والاتحاد مع اوقيانوس المحبّة اللامتناهية ، فالقمص زكريا بطرس بلا الصليب تماما كما الطعام الدلع الذي يخلو من الملح !!
اما بخصوص إنهم لن يستطيعوا ان يردّوا عليه فأنا أعني ما أقول ومتيقن منه ، فليردّوا اذن وليحاوروه محاورة علمية مبنيّة على العقل ، فالرجل لا يأتي بشيء من عنده ، انه ينبش بالتراث وغير التراث ويعرضه للشمس .
أترى تستطيع هذه الشمس حرقه؟ ومتى سيكون هذا ؟.
امّا الأخت الغالية – الصامتة والمتفرّجة في هذه الأيام -الدكتورة وفاء سلطان ألا ترى معي يا سيدي انك أنت وغيرك قد نصّبتموها إلهاً !!
انا لا انكر انها – وعلى فكرة انا أعزّها كثيرأ واقدّرها- لا أنكر انها تحرّرية ، حادّة ، لبقة ، جريئة في زمن عادت فيه المرأة الشرقية الى العبودية .
لا أريد لهذه السيدة ان تنتشي وتحلّق ، وتصدّق قولك حرفيًا ، فتنسى انها إنسان فقط وتنسى أبديتها وتخسر الملكوت ، فكما وسبق وقلت أن الحياة قصيرة والموت – هذا العدو العنيد- يتربّص بنا في كلّ لحظة – أطال الله في عمرها وعمرك وعمر الجميع – أسمعت قلت الله!! ...نعم يتربّص بنا ولم يقدر عليه الا الصليب هذا الذي تنكره !!
أنا أرى الأخت الغالية وفاء سلطان بالصليب يُزيّن صدرها ويجوس في داخلها ، ستكون أكثر تأثيرًا ، بعكس ما تظنّ انت وتدّعي ، فهذه الجرأة وهذه الأفكار التحرّرية التي تمتلك ناصيتها الدكتورة الغالية ، إن اقترنت بالمحبّة ، وامتزجت بالموعظة على الجبل تطّهرت وسمت وارتفعت الى الأعالي ، فتُحرّر النفوس والعقول .
نعم كثيرًا ما اذكرها في صلاتي وأنا على يقين بأنّها ليست بعيدة عن المصلوب ، وعن أفكاره النيّرة وخلاصه المجّانيّ العجيب.
انا في قضيّة خلاص النفوس يا حبيبنا فادي أنانيّ وأكثر، فلا تستغربَنّ َأن يدقّ المسيح باب قلبك قريبا ويدعوك اليه.، فإنه يُفتّش عن الخطأة والمُتنوّرين والمساكين والأغنياء والفقراء وكلّ البشر دون استثناء......
إنّه الرّاعي الصّالح.
أخي فادي أشكرك على ذوقك ولأنك فتحت لي كوّة جديدة .
|
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|