الساعة تشير إلي التاسعة وعشرين دقيقة من مساء يوم السبت 14 نوفمبر.. والمكان هو ستاد القاهرة الدولي والمشهد رائع.. مائة ألف أسد مصري في المدرجات يرقصون.. يغنون.. ينشدون "مصر.. مصر.. تحيا مصر".. أضواء الفرحة حولت السماء إلي نهار جميل كأن شمس الانتصار قد ملأته نورا.. الفرحة ألهبت مشاعر الجميع وهم يطلقون صافرات الاستعجال للحكم الجنوب افريقي "جيروم دامون" ليطلق صافرة النهاية بعد أن منح الفريقين خمس دقائق اضافية مرت علي المنتخب المصري الفائز بفارق ثلاثة أهداف كأنها الدهر.. وعلي المنتخب الجزائري الباحث عن فرصة لتقليل الفارق كأنها ثوان..! أخيراً.. ها هو الحكم يطلق صافرة النهاية.. صافرة الفرحة.. صافرة إعلان تأهل مصر لمونديل .2010
نجوم مصر يتجمعون في دائرة منتصف الملعب بقيادة نجم النجوم محمد أبو تريكة ليسجدوا لله شكرا.. انهم "منتخب الساجدين" والمدرجات تشتعل بالفرحة.. بالانتصار.. بالسعادة.. وها هو المنتخب الجزائري الشقيق يخرج من أرض الملعب بينما يصرخ أحد المشجعين مناديا مدرب الجزائر سعدان: ألم أقل لك.. "ح يقطعوك يا سوسو".. ألم نقل لكم الرد في الملعب.. بقية المشجعين يهتفون تحية للمنتخب الجزائري فقد انتهت المباراة بحلوها.. ومرها.. بكل سخافات التعليقات.. وانتصر "الفراعنة" ولولا قوة المنافس ما شعرنا بحلاوة وقيمة الفوز والتأهل.
شوارع القاهرة
قطع للمشهد: وتنتقل الكاميرات إلي شوارع القاهرة امتلأت الشوارع بالناس.. صغارا.. وكبارا.. الفرحة أطلقت الحناجر بكل مشاعر الفرحة.. السيارات تشارك الناس فرحتهم.. تشعر كأن الشارع نفسه يرقص.. البيوت تعلن فرحتها.. الحياة كلها رائعة "مصر اليوم في عيد"..!!
عفوا.. هذا هو المشهد الذي نحلم به ونتمناه.. وندعو له تحت عنوان: "ح يقطعوك يا سوسو" ردا علي كل البذاءات وعلي كل التطاول الذي حاول البعض أن ينال به من فريقنا ومشجعينا وانتمائنا.. وعلمنا وشعارنا.. وردا علي أي تطاول في حقنا.. وبرغم أن كل المؤشرات تشير ان شاء الله الي تحقيق هذا الأمل خاصة أن الله سبحانه وتعالي اعاد الكرة إلي ملعبنا في المرحلة الأولي وكدنا أن نيأس من ضياع الحلم.. لكن الكرة مستديرة ورحمة ربنا بشعبنا المحب للكرة والعاشق للعبة أعاد الكرة إلينا مرة أخري في منافسة شرسة وأمل يتجدد وحلم يراودنا.. وأمل يقترب.
وان كنا نؤمن طبعا بأن الكرة مستديرة وأن نظرية الاحتمالات تقول ان هناك أقوالا أخري ومشاهد أخري قد تكون مع صافرة النهاية.. فتلك هي الكرة.. وهذه هي الاحتمالات:
المشهد الثاني
الجمهور المصري مازال يشجع بحرارة ويهتف من القلب.. والهجمات المصرية علي مرمي الجزائر تتوالي .. فرص يهدرها النجوم.. الكرة في العارضة.. أخري في القائم.. هجمات شرسة تصدي لها حارس مرمي الجزائر "الوناس جواوي" باقتدار.. والحكم يطلق صافرة النهاية بتقدم مصر بفارق هدف واحد.. فوز بطعم الهزيمة.. فالفوز وحده لا يكفي.. لابد من فارق ثلاثة أهداف لكي يتأهل الفراعنة.. أما فارق الهدف اليتيم فلا يسمن ولا يغني من جوع.. الذهول غلف الجميع.. صمت أسود التشجيع في المدرجات الدموع تحجرت.. وفجأة يقف أحدهم صارخا: "الفراعنة قطعوك يا سوسو".. الفراعنة أهم.. أهم.. أهم.. لقد كان الأداء رائعا.. قدموا أحلي كرة.. بذلوا أقصي ما عندهم لكنها الكرة.. تنتهي الدقائق التسعون وينتهي كل التلاسن والتشاحن بين الأشقاء.. جماهير مصر "المحترقة" الكبيرة أكبر من كل شيء.. تهتف لأبطالها ونجومها الذين قدموا أفضل ما لديهم.. ثم جاء الدور علي المنتخب الجزائري ليقدم الفراعنة درسا جديدا يتعلم منه الصغار.. وقفت الجماهير لتحية الأشقاء.. فقد انتهت المباراة بحلوها ومرها.. وتلاسنها وتطاول الصغار.. لكننا لابد أن نشيد ونحيي ممثل عرب أفريقيا في المونديال.
ويبقي التاريخ
تنتهي المباراة ولكن يبقي التاريخ.. في مونديال 1982 عندما اتفق الألمان مع النمساويين علي حساب الجزائر كان الاعلام المصري هو الأعلي والأكثر دفاعا عن حق منتخب الجزائر الذي أضاعته العنصرية الأوروبية في التأهل للدور الثاني.. وفي مونديال 1990 كان الجزائريون يشجعون منتخب مصر بكل حرارة.. فالعلاقات أقوي من مباراة أو سخونة حدث بل ان التاريخ القديم والحديث يؤكد ان المباراة أيا كانت نتيجتها لايمكن أن تؤثر سلبا علي تاريخ مشترك بين مصر والجزائر.. فالرئيس الجزائري بومدين والشعب الجزائري معه كان لهم دور لاينساه التاريخ في حرب أكتوبر عندما أكد بومدين ان كل امكانيات الجزائر تحت تصرف مصر وسافر إلي موسكو بناء علي طلب الرئيس السادات وتعاقد علي شحنة دبابات لمصر ولم يغادر بومدين موسكو حتي تأكد من توجه الشحنة الأولي من الدبابات لمصر فعليا.
ودور مصر في تحرير الجزائر لا ينكره صديق أو عدو.. وإذا كان الشهداء هم وقود التحرير الأول فان الدعم المصري هو الوقود الثاني وبسبب دعم مصر للثورة الجزائرية كان العدوان الثلاثي "فرنسا وانجلترا مع إسرائيل" علي مصر عام 1956 ومع ذلك لم يتوقف الدعم المصري حتي كان تحرير الجزائر التي زارها عبدالناصر عام 1962 وكان استقبالا اسطوريا لم يحظ به زعيم في تاريخ الجزائر .. هذه هي العلاقات بين البلدين لايمكن أن تؤثر فيها مباراة أو حدث.. والمباراة مجرد 90 دقيقة.. قتال شرس في أرض الملعب.. أسود في المدرجات يزأرون يرعبون الخصم.. يدافعون عن فريقهم يساندونهم حتي يحققوا التأهل مهما كانت النتيجة فالمهم أن تفعل ما عليك بلا تقصير..!
المشهد الثالث
"عودة لمشهد ثالث في ستاد القاهرة في نفس التوقيت".. الحكم الجنوب افريقي يستعد لاطلاق صافرة النهاية.. الجماهير في الاستاد تشجع بحرارة منقطعة النظير تهتف كأنها رجل واحد يهز الأرض هزا.. ونجوم مصر زيدان.. وأبو تريكة.. ومتعب.. وبركات.. وعمرو زكي وسيد معوض وأحمد فتحي.. وخلفهم محمد شوقي وحمص.. أكثر من نصف الفريق أمام المرمي الجزائري يحاولون بكل قوة تسجيل هدف التأهل.. فالمنتخب المصري فائز بفارق هدفين فقط.. ويسعي للثالث.. والمنتخب الجزائري مستميت أمام مرماه.. والجماهير تهتف "ح يقطعوك يا سوسو".. وسوسو.. أقصد سعدان يقفز من علي دكة الاحتياط ليقترب من الملعب ينادي لاعبيه للاستبسال والذود عن مرماهم حتي الثانية الأخيرة.
الحكم أطلق صافرة النهاية.. الصمت الرهيب يسيطر علي ستاد القاهرة.. نجوم مصر تجمعوا في سجدة الشكر ونجوم الجزائر جلسوا علي أرض الملعب.. الكل يلتقط أنفاسه بقلق وخوف.. المباراة انتهت لكن التأهل لم يحسم بعد..!
دخلنا دوامة القلق من جديد.. سنبدأ ولمدة أيام قليلة معركة التلاسن والتطاحن عبر الفضائيات والمنتديات ومواقع الانترنت والصحافة سنعود من جديد لحرب شرسة تتناسي تاريخاً ووشائج وعلاقات.. حرب يقودها مهاويس في الجزائر الشقيق كان لابد من الرد عليهم وبنفس الشراسة لأنهم تجاوزوا الخطوط الحمر.. وتجاوزوا المعقول.. فكان لابد أن نرد بشراسة وقوة علي هذه التجاوزات المرفوضة وبنفس الأسلوب..!
تطرف وإثارة
الصحف الجزائرية أقامت الدنيا وأثارت الاتحاد الدولي للكرة "الفيفا" حتي حذر الطرفين.. برغم انهم نسوا أو تناسوا ان ارهاب المنتخب الجزائري نفسه بدأ منهم هناك حتي قبل المباراة الأولي في بليدة.. لم يرهبوا منتخب مصر فقط بل أرهبوا سعدان إذا كان صادقا أو ادعي انهم أرهبوه حتي بكي بالدموع وقال ان الجماهير تهدده مما اضطره لارسال أسرته إلي جنوب الجزائر بعيدا عن المشجعين المتهورين خشية أن يخسر أمام مصر في الجزائر.
الجماهير الجزائرية التي يغذيها اعلام متطرف لم تهاجم مصر ومنتخب مصر الآن.. بل في مباراة الذهاب وطالت سهامهم الطائشة فريقهم ومدربهم سعدان الذي بكي دموعا.. وأكد في تصريحات إعلامية منشورة ومذاعة انه يخشي علي أسرته ويخاف من غضبة الجماهير..!!
المهم.. نعود إلي سيناريو المشهد الثالث.. وهناك أكيد مشهد رابع وخامس سواء بالتعادل أو خسارة منتخب مصر لكنها كلها مشاهد متوقعة في عالم الكرة المستديرة.
عودة لمشهد الحسم: ورحلة سريعة لأيام قليلة حيث يسافر الفريقان الي السودان الشقيق حيث تقام المباراة الفاصلة الحاسمة.
وعندما يصل منتخب سعدان إلي مطار الخرطوم.. وعند خروج المدرب الجزائري من المطار يفاجأ باعلان كبير جدا في مواجهته.. يحوي الاعلان مشجعاً مصرياً يقول: ح نقطعكم يا سوسو.. وتحت صورة المشجع صورة بالحجم الطبيعي لسعدان وهو يقول لحسن شحاتة: "قطعني يا معلم.. اهزمني يا معلم.. علمني يا معلم"..!!
بشرة خير
المباراة الفاصلة في السودان
بشرة خير.. أنصفتنا القرعة.. وحدد الاتحاد الدولي بالقرعة السودان لاستضافة المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر في حالة انتهاء مباراة السبت المقبل بين المنتخبين في ختام التصفيات بفوز مصر 2/صفر.
كانت مصر قد رشحت السودان ونيجيريا وغانا لاستضافة التصفيات بينما اختارت الجزائر دول تونس والمغرب وليبيا.. فطلب الفيفا من كل دولة اختيار دولة واحدة لاستضافة المباراة الفاصلة فاخترنا السودان واختارت الجزائر تونس وأجريت القرعة التي أنصفتنا واختارت السودان. |