بقلم: عوض بسيط
حالة فريدة تلك التي يعيشها المجتمع المصري هذه الأيام، فلا حديث إلا عن مباراة مصر والجزائر وحلم التأهل لكأس العالم.. وهو حلم مشروع ورائع أيضًا، إلا أن هذه الحالة الفريدة لا بد من دراستها وتحليلها بعمق.. فهذا الالتفاف الشعبي حول رمز مصري "منتحب الكرة" لم يحدث حول وزير الثقافة أثناء معركته الانتخابية باليونسكو، وهذا الاهتمام الجماهيري بالوصول لكأس العالم فاق الاهتمام بمشروع قومي مثل توشكي، وهنا يجب أن نسأل بضعة أسئلة:
1- هل الانتماء لمصر هو الذي يحركنا تجاه كرة القدم، أم هو عشق الكرة الذي يذكرنا بمصر؟
في ندوة جمعتني بمجموعة لا بأس بها بها من الشباب، قال كثيرون أنهم لا يشعرون بالانتماء لمصر، والأسباب متعددة ومتشعبة إلا أنها تخرج من منبع واحد وهو عدم الإحساس بالمواطنة، وهو ذاك الإحساس الذي يدفع شباب مصريون للموت على سواحل إيطاليا بحثًا عن الأفضل، إنه شعور المواطن العادي أن البلد ليست له وإنما لأصحاب منتجعات الجولف، وما دام الجولف لا يؤكل فهو لا يسد رمق بسطاء مصر!.
إذًا هي كرة القدم التي تذكرنا بمصريتنا، هي الإنجاز الأوحد الباقي للجميع، وهذا –في رأيي- يفسر حساسية المباراة، فقد تحولت من مجرد لعبة رياضية إلى مسألة كرامة وطنية لشعب يفتقد الرمز الذي يلتف حوله، والحلم الذي يعيش له.
2- لماذا لم يلتف المصريون حول توشكي وفاروق حسني مثلما فعلوا مع المنتخب؟
ببساطة أرى أن هناك حالة انفصال بين السلطة والشعب.. نقلت لصديقي خبر ترشح فاروق حسني لرئاسة اليونسكو، فرد: "وماذا يعنينا؟".. "أن يكون مصريًا رئيسًا لمنظمة دولية"! (أجبته متعجبًا) فعاود الرد: "وماذا سنستفيد من ذلك؟ هل ستتحسن أحوالنا؟". ذلك الحوار يعكس حالة عدم الثقة التي ينظر بها المصريون لحكومتهم؛ إنهم يرونها حكومة نفعية لا هم لها إلا الحفاظ على السلطة ومصالح أصدقائها من رجال الأعمال مما يجعل المواطن ينظر بشك لأي مشروع قومي حتى ولو كان توشكى! فلا يهتم إن نجح! وفشله لا يضيف لهمومه اليومية الكثير!!
أما منتخب الكرة، فرغم ملايين لاعبيه إلا أنهم محبوبون جدًا لسبب واحد بسيط هو أنهم يفرحون الشعب، فتلك الأمة المفتقدة الإنجازات القومية الشعبية تحتاج لمن يفرحها وينسيها عناء الحياة، وتلك المهمة يقوم بها المنتخب ولا يشاركه أحد!!.
3- ماذا نحتاج؟
أعتقد أننا في أمسّ الحاجة لإثنين: الرمز والحلم؛ الرمز أقصد به الرمز الوطني الكاريزمي الذي يمكن أن تلتف حوله الجماهير العطشى إلى التغير للأفضل، وربما تكون ثقافة انتظار "المُخَلِص" إحدى سماتنا السلبية إلا أنها غير قابلة للتصحيح في الوقت الراهن.
حالة التأييد الواسعة –على مستوى النخبة- التي يحظى بها البرادعي منذ إعلانه "إمكانية" الترشح لانتخابات الرئاسة تقول أن ذلك الرمز ربما يكون هو ذلك الرجل، فقط يحتاج أن يتحول من الممثل الأمثل للنخبة إلى البطل الكاريزمي للشعب، وهي نقطة الحسم في مستقبل مصر.
هذا عن الرمز، أما الحلم فهذا هو دور كل مؤسسة لها أهداف، إن تحول هذه الأهداف إلى حلم عام يجمع أعضاء هذه المؤسسة، فبالنسبة للسلطة.. لا نجد حلمًا قوميًا يجمع كل فئات الشعب أو يشارك فيه الجميع منذ حرب أكتوبر، وحتى بالنسبة للمسألة القبطية.. إلى الآن لم تنجح كل المنظمات المهتمة بالقضية في تحويل ملف قانون دور العبادة إلى حلم موحد يجمع كل المسيحيين ولا أقول المصريين، فهناك صراعات ومشكلات داخلية وحروب زعامة تفقد القضية أهميتها وتحول مسارها إلى اتجاهات فرعية.
وإلى أن نجد الرمز أو يجدنا، وإلى أن يتكون الحلم القومي الموحد، سيظل منتخب الكرة هو الراعي الوحيد لأحلام وطموحات المصريين. |