CET 00:00:00 - 15/11/2009

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
نحن نتكلم القبطية
تنتشر في اللهجه المصريه كلمات كثيره قد لا يعرف الكثير مصدرها ومن أين اتت, وبالرغم من ذلك فإنها كلمات تتوارثها الأجيال منذ أن اصبحت مصر أول وأعظم حضارة على مر العصور لوقتنا الحالي.
دعونا نغوص معُا في بحور التاريخ, كلمات لها تاريخ, تاريخ يرجع لخمسه آلاف عام، فاللغة المصرية القديمة لم تندثر تمامًا بل أنها باقية إلى يومنا هذا.
إن مئات الجمل والألفاظ لا تزال مُستعملة كل يوم في اللغة العامية للمصريين، فما يكاد المولود يرى النور حتى يسمع أمه تخاطبه بلغة غريبة عنه ولكنها في الوقت نفسه اقرب ما تكون إلى حسه وفهمه.
فهو إذا جاع تقوم أمه بإحضار الطعام له وتقول له (مم) بمعنى أن يأكل، وإذا عطش احضرت له الماء وقالت له (امبو) بمعنى (اشرب).

إن اصل كلمة (مم) مأخوذ من اللغة القبطيه القديمة (موط) والهيروغليفية (أونم) بمعنى كل، (وامبو) مأخوذة من كلمة (امنموا) القبطية بمعنى اشرب.
أما إذا أرادت الأم أن تنهر طفلها تقول له (كخة) وهذه الكلمة قديمة ومعناها القذارة.
وإذا أرادت أن تعلمه المشي قالت له (تاتا خطي العتبة) وتاتا في الهيروغليفية معناها (امشي).
اما إذا أرادت الأم تخويف ابنها فانها تقول له (هجيبلك البعبع) والمأخوذ من القبطية (بوبو) وهو اسم عفريت مصرى مستخدم في تخويف الأطفال.
وفي موسم الشتاء يهلل الأطفال لنزول المطر بقولهم (يا مطرة رخي رخي) وأصل كلمة (رخي) في العامية المصرية هو (رخ) في الهيروغليفية معناها (نزل).
وسيدهش المصريون هنا إذا ماعلموا أن أصل كلمة (مدمس) ومعناها الفول المستوي في الفرن بواسطة دفنه أو طمره في التراب والتي تشير إلى أكثر الوجبات الشعبية لدى المصريين وهو كلمة (متمس) الهيروغليفية أي إنضاج الفول بواسطة دفنه في التراب.
ومن الأكلات الشعبية أيضًا التي اكتسبت اسمها من المصرية القديمة أكلة (البيصارة) واسمها القديم (بيصورو) ومعناها الفول المطبوخ.
ثم هناك المصطلحات الشعبية الدارجة مثل كلمة (شبشب) (الخف) والتي اصلها قبطية (سب سويب) ومعناها مقياس القدم.
وفي الحر يقول المصريون (الدنيا بقت صهد) وصهد كلمة قبطية تعني نار.
كلمة (واح) والتي صارت واحة بالعربية, معناها جزيرة العرب، وكلمة (نونو) وهي الوليد الصغير, وكلمة (كحكح) وتعنى العجوز, وكلمة (طنش) معناها لم يستجب,.... وغيرها كثير.
هذا بخلاف كلمات كثيرة جدًا وعبارات عديدة من اللغة العامية والدارجة تتبع النطق، وما ذكرناه هو أن القبطية لا مثيل لها في اللغة العربية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليخ والدول العربية الأخرى على سبيل المثال فقط وليس الحصر لأننا لا نستطيع حصرها في هذا الكتاب لأنها تحتاج إلى كتب ومجلدات.

في النطق، تتبع العامية المصرية النطق القبطي:
يختفي حرف الثاء "ث" من العامية المصرية ويتحول إلى تاء وذلك لعدم تواجده في القبطية مثل الكلمات الآتية هي كلها أصلاً بالثاء وتحولت:
اتنين، تلاتة، تمانية، تعلب، يتمر، متبت، تارن تعبان، توم، توب، تلج، تَمَن، حرت، كتير، تور، تمن.
يختفي حرف الذال "ذ" وحرف الظاء "ظ" ويحل محلهم حرف الدال "د" والضاد "ض" وذلك لعدم وجود هذه الحروف في القبطية:
ضٌهر، ضَهر، دبانه، ديب، دبلان، داب، آدان، دبح، داق، ديل،أخد ، ودن (أذن) جِدر، دٌره، دراع، دقن، دكر، دهب، ندر، عدرا.
تختفي بعض الهمزات أو تتحول إلى حرف "ي" وذلك لقلتها في القبطية:
دايم، عدرا، قضا، عبايه، ملاية، حداية، أُمَرا (أمراء) أجرا، جدايل، قوايم.
يتحول حرف القاف "ق" إلى ألف مهموزة (أ) في بحري وإلى "ج" جافة في قبلي، وذلك لعدم وجود القاف في القبطية:

نماذج من قبلي:
جال، جبل، جد، الجبلة، الجلب، الجميص، دجيج، داج.

نماذج من بحري:
آل، أبل، أد، الإبلة، الألب، الأميص، دئيء (دقيق)، داء (ذاق).
تتحول النون إلى ميم إذا جاء بعده مباشرة بدون تشكيل حرف من الحروف الشفاهية (ب،م) وهذه قاعدة قبطية في تصريف أدوات النعت، والإضافة والمفعول به:
مثلاً: أمبوبة (أنبوبة)،كرمب (كرنب)، امبطح (انبطح)، أمبا (أنبا)، الأمبياء (الأنبياء).
توجد أداة أمر مستقاة من القبطية وهي (ما) التي تأتي قبل الفعل المبدوء بحرف (ت) وهي غير موجودة في اللغة العربية وأضيفت عليها في العامية المصرية مثلاً:
ما تيجي، ما تاكلوا، ما تقوم، ما تعدي، ما تشربي.
في العامية نتكلم عن وجع القلب بمعنى الحزن وده موجود أصلاً من القبطية وتوجد كلمة (امكاه انهات) (أي وجع القلب) وتعني الحزن.
في بعض مناطق صعيد مصر تتحول السين إلى شين أو العكس:
(الشمس = السمس، شجرة = سجرة، مرسيدس = مرشيدس).
وهذا لأن حرف السين والشين كانوا يتبدلان ما بين الصعيدية والبحيرية في اللهجات القبطية في صعيد مصر توجد بعض المناطق التي تنتطق الجيم دال (جرجا = دردا)، وهذا من تأثير بعض اللهجات القبطية.

يقول الكاتب الكبير المستنير والأستاذ احمد عبد المعطى حجازي في جريدة اليوم السابع بتاريخ 17/10/2008 مقالة باسم "القبطية لغتنا والعربية أيضًا" نقتطع بعض الفقرات التالية:
من المؤسف أننا لا نزال نجد اليوم مصريين يتعصبون للدين ويتطرفون إلى الحد الذى يتنكرون فيه للوطن ولتاريخه السابق على ظهور الديانة التى يتعصبون لها، وهم رغم هذا عالة على هذا التاريخ الذي يتنكرون له، فالسياح الأجانب الذين يقدمون إلى مصر بالملايين لا يجدون في مصر ما يغريهم بزيارتها وإنفاق نقودهم فيها إلا ما تركه لنا أجدادنا الذين يتنكر لهم بعضنا الآن وهم يأكلون خبزًا مدعومًا بما حصلته الدولة من السياح الأجانب!
الدراسات القبطية إذًا لا تهم العلماء المختصين فيها وحدهم، ولا تهم المسيحيين المصريين فحسب، وإنما تهمنا جميعا مسلمين ومسيحيين، مختصين وغير مختصين، مثلها مثل الدراسات الإسلامية والدراسات الفرعونية التى تتناول جوانب أخرى، فإذا كانت الصحف وأجهزة الإعلام قد قصرت تقصيرًا معيبًا في تزويدنا بأخبار المؤتمر الذي عُقد أخيرًا حولها في مصر، وبما قدم في هذا المؤتمر من دراسات واكتشافات وما دار من مناقشات فهذا شيء محزن!

ونحن نعلم أن الدراسات القبطية أصبحت تشغل الكثيرين من المهتمين بمصر وتاريخها منذ شرع شامبليون في فك أسرار الحضارة المصرية القديمة؛ لأن العصر المسيحى في مصر هو حلقة الوصل بين تاريخها القديم وتاريخها الحديث.
اللغة القبطية ليست إلا الطور الأخير من أطوار اللغة المصرية القديمة، ونحن الآن نفهم كلمة «قبطية» بمعنى مسيحية، وهذا ليس معناها الأصلي، وإنما هى مشتقة من عبارة مصرية قديمة مؤلفة من كلمات ثلاث تدل على مصر هي «حت - كا - بتاح» ومعناها بيت روح بتاح، أي مركز عبادة بتاح إله الفنانين، وهو مدينة منف العاصمة القديمة التي كانت مصر كلها تسمى باسمها، كما نقول مصر ونقصد البلد ونقصد القاهرة أيضًا. وقد تحولت هذه العبارة المصرية في الاستعمال اليوناني إلى كلمة واحدة هى «إيجبتوس» التى تحولت في النطق العربى إلى «قبط»، والقبط إذًا هم المصريون جميعًا، لكن ارتباط الكلمة بمصر المسيحية حصر دلالتها في الأقباط الذين ظلوا على دينهم الأول، وباعد بينها وبين الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام.
وكما أن اللغة القبطية هي اللغة المصرية في طورها الأخير فالفنون القبطية طور جديد من أطوار الفنون المصرية القديمة مع بعض التأثيرات اليونانية.

اللغة العربية الدارجة التى يتكلمها المصريون مزيج من عناصر عربية ومصرية، وحين ينكرون أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين القومية في العصور التى سبقت انتشار لغة الفاتحين العرب لا يثبتون إلا جهلهم واستعدادهم لإنكار الحقائق الثابتة إذا تعارضت مع أهدافهم وخططهم، ولا شك في أن اللغة القبطية كانت لغة المصريين قبل أن تحل محلها اللغة العربية.
هذه الحقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو مزور، وكما أننا لا نتنكر للغتنا الأصلية التى كانت ركنًا أساسيًا من أركان حضارتنا القديمة لا نخجل ولا نتبرأ من لغة الغزاة الفاتحين التي أصبحت لغتنا حين نطقنا بها، وفكرنا، وكتبنا، وأبدعنا، وأضفنا للأدب العربى ما لم يكن فيه.
لا نتنكر للغتنا القبطية كما لا يتنكر الأوروبيون للغات التي كانوا يتكلمونها قبل أن تنتشر في بلادهم لغة الرومان الفاتحين التي صارت على ألسنة الفرنسيين لغة فرنسية، وعلى ألسنة الإسبان لغة إسبانية، وكما لا يتنكر الأفارقة واليهود الأمريكيون للغاتهم الأصلية التي كانوا ينطقون بها قبل أن تنتشر في بلادهم الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.
أما اتهام اللغات القبطية بأنها خليط من لغات مختلفة فكلام فارغ لا يستند لعلم أو منطق، لأن اللغة نظام لا يمكن خلطه بنظام آخر، يمكن أن تستعين اللغة بمفردات لغة أخرى تخضعها لطريقتها في النطق، أما الأبنية الأساسية التى تقوم عليها اللغة فلا يمكن نقلها للغة أخرى، لا يمكن مثلاً أن تنشئ في الفرنسية أو في الإنجليزية جملة أسمية خالية من الفعل كما تفعل في العربية التي يمكن أن تتألف فيها الجملة الاسمية من اسمين؛ مبتدأ أو خبر.

واللغة القبطية لم تكن لغة جديدة ولم تنشأ من فراغ، وإنما هي طور جديد من أطوار لغة عريقة تشكلت على مهل، وقامت عليها ثقافة باذخة، وظلت حية آلاف السنين، وتقول عالمة المصريات الإنجليزية بربارا واترسون في كتابها أقباط مصر إن اللغة القبطية التي كانت لهجة شعبية في القرون السابقة على الميلاد «تحولت إلى لغة أدبية لها قواعد في النحو والإملاء خاصة بها».
وهناك من يظن أن اللغة القبطية اختفت من الوجود في أعقاب فتح العرب لمصر، والحقيقة ليست كذلك، فقد كان العرب الفاتحون يعدون بالآلاف، وكان المصريون يعدون بالملايين وقد ظل معظمهم يتكلم لغة آبائه وأجداده قرونًا عديدة بعد الفتح، وظلت القبطية لغة حية إلى أواخر القرن السادس عشر، فعندما دخل العثمانيون مصر كانت بعض القرى في الصعيد لا تزال تتكلم القبطية.
واللغة القبطية لم تختف تمامًا بعد ذلك، وإنما تقمصت لغة الفاتحين العرب وحلت فيها فظهرت من اللغتين لغة ثالثة هى العامية المصرية التي تعتبر عربية من ناحية المفردات ومصرية من ناحية التراكيب التي يعود جانب كبير منها لأصول قبطية.

لقراءة الجزء الأول من المقال أنقر هنا

لقراء الجزء الثاني من المقال انقر هنا

لقراءة الجزء الثالث من المقال انقر هنا

لقراءة الجزء الرابع من المقال انقر هنا

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق