بقلم: د. رأفت فهيم جندي
إدارة الكنيسة القبطية مثل إدارة الجيش تمامًا، ولكنها ممزوجة ومغلفة بالحب والصفح عند الإعتراف بالخطأ.
في لقاء للأهرام الجديد مع قداسة البابا شنودة في العام الماضي سألت قداسته (لماذا لا يطلب من أب كاهن أن يفعل شيئا ما؟) فقال لي قداسته، البابا لا يطلب ولكن البابا يأمر، وإستفاض قائلاً :عندما أقول أي شيء للأب الكاهن فإنه يعتبره أمرًا، وأنا لا أحب أن أثقل على أبنائي الكهنة. وعندما أبديت مرة ملحوظة سياسية لأب كاهن عن سبب زيارة قداسة البابا لكندا في عيد الظهور الآلهي عام 1999، قال لي هذا الأب الكاهن على الفور "قداسة البابا قال أن سبب الزيارة هو قضاء العيد معنا" ورفض هذا الأب الكاهن أن يسمع أي تحليل آخر غير ما قاله قداسة البابا.
عندما أبدى أحد حكام مصر دهشته من أن الجميع يأتمرون بأمر البابا بالرغم من أنه ليس له جيش ولا بوليس ولا سجون، أجابه البابا وقتها بقوله "الجميع يطيعوني لأنني آمرهم بهذا (مشيرًا للصليب الذي بيده)".
وعندما نادى البابا شنودة في عام 1978 بصيام في كل الكنائس إستجاب له الكل في جميع أنحاء العالم، وأبدى السادات غضبه ودهشته متسائلاً كيف أن البابا يطلب من الجميع أن يصوموا فيطاوعه ليس أقباط مصر فقط ولكن الأقباط في جميع ارجاء العالم؟
التاريخ الكنسي يبين لنا أن الكثير من حكام مصر ما أن تستتب لهم الأمور في الحكم إلا ويحاولون تقليص نفوذ باباوات الأقباط بكل الطرق؛ لغيرتهم من شعبيتهم وحب الناس لهم. حتى نفي البابا ديسقوروس كان جانب كبير منه هو توهم الخوف من إستقلاله بمصر عن الدولة الرومانية، ونفي السادات لقداسة البابا شنودة في الدير وأيضًا إبقاءه في النفي لمدة 3 سنوات في أيام مبارك هو كذلك مثلا ًلهذه الغيرة ورغبة في تقليص شعبيته.
الشخصية القبطية تخضع تمامًا للآباء الكهنة وتحترمهم وتقدرهم وتجلهم حتى لو إختلف الشخص معهم أحيانًا في بعض الأمور، والسواد الأعظم من الآباء الكهنة جديرون بهذا تمامًا لأنهم يفنون ذواتهم في الخدمة، ومنهم من تخلى عن مناصب رفيعة مدنية ومرتبات عالية لكي يخدم شعب المسيح.
في كل القرى والمدن المصرية نجد أن الأب الكاهن هو الرجل الأول الذي يسعى الأقباط له لحل أمورهم المدنية قبل الدينية، والدولة بغير قصد ساعدت الأب الكاهن على أن يكون له هذا الدور بإضطهادها الدائم للأقباط فلا يحس القبطي أن العمدة أو البوليس أو خلافه سينقذه أو سيكون عادلاً له، ولكن الذي سيقف بجواره هو الأب الكاهن.
إنتشرت الكنيسة القبطية في العالم كله، ونحن ننظر للإنضباط بها بعين التقدير والإحترام بل والإنبهار. الآباء الكهنة في الخارج أيضًا لا يستطيعون العمل السياسي للمطالبة بوقف إضطهاد أقباط مصر لأنهم مرتبطون بقوانين الكنيسة الأم في مصر، فالكنائس القبطية بالخارج تعتبر سفارات للكنيسة الأم في مصر، ولهذا ليس للكنائس القبطية أي دور في هجرة الأقباط من مصر، والأقباط الذين يغضبهم هذا هم غير مدركين تمامًا لوضع الكنيسة والأب الكاهن، وبالرغم من هذا نجد الدولة تلجأ أيضًا للأباء الكهنه وللأباء الأساقفة لكي يتدخلوا سياسيًا لإفساد أو تقليل حجم الغضب القبطي في مواقف معينة.
عندما أراد القمص زكريا بطرس أن يقوم بدور ليس للكنيسة القبطية مقدرة عليه بسبب وجودها في فم الذئب، كان عليه أن يقدم طلبًا للإحالة على المعاش منها، والقمص مرقس عزيز يعيش الآن خارج مصر لأنه بحكم شخصيته لا يستطيع أن يسكت فمه عن قتل وإضطهاد وغبن أقباط مصر.
الحركات القبطية في المهجر تحتاج لقيادة وتنسيق وإتحاد، والقمص مرقس عزيز هو أنسب من يكون لكي يتولى هذا بحكم شخصيته، وأنه رجل شجاع لا يسكت على الظلم وبحكم الشخصية القبطية التي تكونت خلال ال 2000 عام الماضية وخضوعها للكهنوت بالأكثر، كان الترتيب الإلهي أن يُستبعد القمص زكريا بطرس من مصر لكي يقوم بدوره، فهل هذا هو نفس الترتيب الألهي الذي سمح بإبعاد القمص مرقس عزيز عن مصر لكي يكون له هذا الدور لرئاسة كونجرس قبطي عالمي؟ هذا ما نطلبه من الرب الإله قبل أن نطلبه من القمص مرقس عزيز نفسه.
رئيس تحرير الأهرام الكندية |