هاني دانيال
منظمة حقوقية تقدم ورقة موقف تدافع فيها عن القانون
خاص الاقباط متحدون- تقرير- هاني دانيال
وافق مجلس الشعب في جلسته اول أمس على قانون الصحة النفسية بعد أن شهد مناقشات واسعة حول أحقية المريض النفسي البالغ 18عاماًَ بالدخول والخروج من منشأت الرعاية الصحية النفسية دون موافقة أحد.
حيث تبنى "أحمد عز" عضو مجلس الشعب وأمين التنظيم بالحزب الوطني نص المادة كما وردت من الحكومة، لافتاًَ إلى أحقية دخول وخروج المريض النفسي من المنشأة الصحية دون موافقة أحد، بينما أكد د.أكرم الشاعر عضو لجنة الصحة أن هذا السن سيحرم الأسرة من الإطمئنان على إبنها المريض، في حين إقترح الدكتور "زكريا عزمي" إخطار أهل المريض وذلك للحفاظ على تقاليد الأسر المصرية.
وحول ضرورة إنشاء مؤسسات إجتماعية لرعاية المريض النفسية بعد تمام الشفاء، رحب به الدكتور "حمدي السيد" رئيس لجنه الصحة والدكتورة "أمال عثمان" فيما رفض "أحمد عز" هذا الإقتراح وطالب بالإبقاء على نص المادة "36" كما هو، ووافق المجلس على توفير الرعاية الإجتماعية بعد خروجه من المؤسسة العلاجية.
كما شهدت المادة "14" من مشروع القانون مناقشات ساخنة وقرر المجلس إعادتها مرة أخرى للجنة التشريعية، وتنص على إجازة الدخول الإلزامي للمريض إلى المستشفى، ومنح هذا الحق للأقارب من الدرجة الثالثة ومفتش الصحه والإخصائي الإجتماعي بالمنطقة وضابط قسم الشرطة، إلى اللجنة لضبط صياغتها دستورياًَ.
من جانبها قدمت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" ورقة موقف حول قانون الصحة النفسية أكدت فيه أن مشروع القانون الجديد يسعى إلى تفادي صعوبات تطبيق القانون الحالي والساري منذ عام 1944 (قانون إحتجاز المصابين بأمراض عقلية) وليس العكس، فعلى سبيل المثال لا يسمح القانون الحالي لطبيب المستشفى بإحتجاز مريض في حالة خطرة بالمستشفى قبل الحصول على شهادتين من طبيبين يعملان خارج المستشفى، بينما يسمح مشروع القانون الجديد لطبيب المستشفى بأن يحتجز المريض كإجراء طارئ, على أن يقوم بإبلاغ مجلس الصحة النفسية الذي سينتدب أطباء مستقلين لتقييم الحالة بشكل مستقل.
ويسمح المشروع بتمديد قرار الإحتجاز لمدة ثلاثة أشهر بمجرد إخطار مجلس الصحة النفسية، كما يمكن تمديده بعد ثلاثة أشهر أيضاًَ إذا إحتاجت الحالة الطبية إلى ذلك، غير أنه وبما أن أغلب حالات الإضطرابات النفسية تظهر إستقراراً في الحالة في خلال هذه المدة فإن الحالات التي تحتاج لإستمرار الإحتجاز الإجباري لمدة أطول يجب أن يتم إعادة تقييمها مرة أخرى للتأكد من صحة القرار والتشخيص والعلاج, ومنع الإحتجاز غير الضروري لبعض المرضى أو نسيانهم داخل المستشفيات لبضعة سنين نتيجة الإهمال أو التواطؤ كما يحدث حالياً، فلماذا إذن يشكو بعض الأطباء النفسيين من أن القانون الجديد سيعيقهم عن علاج المرضى ويفرض عليهم قيوداً في هذا الصدد؟
أشارت "المبادرة" إلى أن الواقع الحالي والذي يشهد به الأطباء أنفسهم يظهر أن القانون الحالي لعام "1944" جرى إهماله وتعطيل نصوصه منذ سنوات، وذلك لأسباب عديدة من بينها صعوبة تطبيق القانون، وإحتياج الكثير من مواده للمراجعة والتحديث.
فقد إعتاد الأطباء النفسيون وغيرهم من العاملين في مجال الصحة النفسية منذ عقود على ممارسة المهنة دون مراعاة لنصوص أي قانون، ولم يستطيع مجلس مراقبة الأمراض العقلية كهيئة وحيدة ومحدودة الإمكانيات الإضطلاع بالمراقبة الفعالة على الأداء، وربما يفسر هذا نفور بعض الأطباء من هذه القيود (الضرورية) التي يضعها القانون عليهم وعلى جودة أدائهم ومراقبتها وتقييمها، وإذا أنصف الأطباء لرأوا - عن حق - في القانون المطروح حماية لهم، لأن مسئولية حجز المريض أو فرض العلاج عليه أو إتخاذ غير ذلك من القرارات الخطيرة لن تكون مسئولية الطبيب المعالج بمفرده، وإنما سيحملها عنه مجلس الصحة النفسية الذي يعتمد هذه القرارات، أليس من الأفضل ومن الطبيعي أن نثق في الطبيب النفسي ونمنحه السلطة الكاملة في إتخاذ القرارات لمصلحة المريض؟
نوهت "المبادرة" إلى أن الأصل في أي تشريع جديد يستحدث نصوصاًَ لحماية حقوق بعينها أن يستحدث جزاءات توقع عند إنتهاك هذه الحقوق، وذلك لعقاب المخالفين ولردع الآخرين عن المخالفة.
كما أن القول بأن القوانين المدنية والجنائية وقوانين مزاولة المهنة ولائحة آداب مهنة الطب فيها ما يكفي من الجزاءات فهم غير صحيح، فهذه القوانين تخلو من أي عقوبات على من يخالف شروط الحجز أو العلاج الإلزامي على سبيل المثال أو يحرم المريض من حقه في التظلم، وغير ذلك من النصوص المستجدة في القانون، والعقوبات في القانون الجديد ليست مخصصة للأطباء فقط، وإنما هي في أغلبها تنطبق على أي من أفراد الفريق العلاجي أو أي فرد أخر يرتكب مخالفة لأحكام هذا القانون، لا شك أن الغالبية العظمى من الأطباء تتميز بالأمانة والإخلاص وتعمل من أجل صالح المريض، لكننا شهدنا أيضاًَ وسمعنا عن مخالفات وجرائم مريعة - أعلنت عنها نقابة الأطباء نفسها- تورط فيها عدد من الأطباء وأحياناًَ من كبار الأطباء، وليس أخرها ما نشر عن جرائم سرقة الأعضاء أو الإتجار بالأطفال، إن وضع عقوبات في القانون هام لضمان الحقوق ولا يجب أن تخيف الأطباء الذين يلتزمون بنصوصه، أما سواهم فإن تخويفهم من إرتياد مجال الطب النفسي هو مكسب للأطباء وللمرضى وللمجتمع.
أكدت "المبادرة" أن مشروع القانون لم يكن مفاجأة لأحد، ولم يتم بمعزل عن الأطباء النفسيين، ولم يرفضه الجمهور الواسع من الأطباء حيث شهدت "المبادرة" بنفسها بدء إعداد المسودة الأولى للقانون في عام 2006 والتي طرحت للنقاش وللرأي وللتعديلات على نطاق واسع ولفترة طويلة ليس فقط بين القانونيين والخبراء المصريين والدوليين وممثلي الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وإنما طرحت المسودة على جموع الأطباء النفسيين سواء من خلال الجمعية المصرية للطب النفسي أو من خلال نقابة الأطباء أو من خلال عقد لقاءات موسعة معهم، ولقد شاركت "الجمعية المصرية للطب النفسي" في كافة مراحل الإعداد، وشاركت في عضوية لجنة الصياغة النهائية لمشروع القانون وتقدمت بإقتراحات تم تضمين العديد منها بالفعل في مشروع القانون، كما شارك ممثلوها في جميع جلسات مناقشة مشروع القانون بلجنة الصحة بمجلس الشعب.
أوضحت "المبادرة" أنه من المؤسف أن السادة المعترضين هذه المرة وهم يتحدثون عن دور الأسرة لا يتحدثون عن معرفة حقيقية، إننا ندعو السادة المعترضين، خاصة من الأطباء الذين إكتسبوا خبراتهم من العمل في المستشفيات الخاصة إلى زيارة المستشفيات العامة التي تمتليء بالمرضى المتعافين الذين يرفض الأهل إستلامهم أو حتى زيارتهم، وندعوهم ليسمعوا مئات القصص عن تحايل الأسر في التهرب من أبنائها في المستشفيات، وعن الجهود المضنية التي يبذلها العاملون في المستشفى لإقناع الأسر برعاية أفرادها هؤلاء، بدافع من الفقر وسوء الأحوال المعيشية أحياناًَ أو بالرغبة في الإستيلاء على الميراث أو الممتلكات أو بسبب الإحساس بالخجل أو العار من المريض أو حتى لمجرد الضيق به وبرعايته، إن المعترضين يدافعون عن حق الأسر في فرض الوصاية على المريض وإجباره على البقاء خلف الأسوار وفي الإمتثال لإرادتها حتى ولو ضد مصلحته، والمعترضون على منح المرضى النفسيين حقوقهم المكفولة لهم كبشر أولاً وكمرضى تالياً بدعوى الحفاظ على كيان الأسرة لا يختلفون كثيراً عن الأصوات التي إعترضت العام الماضي على حماية الأطفال من العنف والإستغلال والإيذاء داخل الأسرة عند تعديل قانون الطفل.
فالقانون مجرد خطوة إيجابية أولى يجب أن تتبعها خطوات أخرى، فالقانون يهدف إلى تحسين الأحوال في منشأت الصحة النفسية ووضع قواعد سليمة لإحتجاز وعلاج المرضى وهي أمور حيوية، إلا أن هذا يجب أن يتم بالتنسيق الجيد والتدريجي وبالتوازي مع إنشاء شبكة محكمة من الخدمات التي تقدم بدائل من الخدمة النفسية المجتمعية، وتعمل على تأهيل المرضى المزمنين داخل المستشفيات تأهيلاً جيداً وإخراجهم إلى المجتمع، كما تدعم دور المجتمع في تقديم المساندة للمرضى، والقانون في صيغته النهائية الحالية لا يحل مشكلة المرضى المزمنين بالمستشفيات.
http://www.copts-united.com/article.php?A=1005&I=28