د. ماجد عزت اسرائيل
بقلم: د.ماجد عزت إسرائيل
وأخير نجح أحد الأراخنة الأقباط وهو المعلم "إبراهيم الجوهري" في الحصول على فرمان لبناء الكنيسة المرقسية بالأزبكية عام (1800م)، وربما يتساءل البعض كيف حدث ذلك؟
هنا قصة حقيقية وراء الحصول على فرمان بناء الكنيسة المرقسية، حيث يرجع الفضل إلى المعلم إبراهيم الجوهري؛ فقد حدث أن إحدى أميرات البيت السلطاني (العثماني)، قضت في مصر فترة من الزمن وهي في طريقها إلى الحج، وتَعين عليه أن يكون في خدمتها طوال فترة بقائها في بلادنا، فلما أزمعت على الرحيل أرادات أن تعبر له عن شكرها لما قام به من خدمات، فسألته عما يريد فطلب إليها أن تصدر له الفرمان بالبناء.
وفعلاً أصدرت له الفرمان، على أن الله تعالى لم يسمح له بأن يعيش الكنيسة التي سعى إلى أقامتها، فبدأ فيها ثم استكملها أخوه "جرجس الجوهري"، وقد أصبحت منذ ذلك المقر البابوي إلى ختام حياة البابا "كيرلس السادس" البطريرك (116)(1959- 1971م).
وبناء الكنيسة يتطلب أموال كثيرة، ولكن الله دبر ذلك عن طريق أحبائه الذين وهبوا أموالهم وأرواحهم ومحبتهم له، فقد أوقف الكثير من الأراخنة ومنهم المعلم "إبراهيم الجوهري" و"جرجس الجوهري" والمعلم "انطون أبو طاقية" والمعلم "ملطى"، وغيرهم أوقفوا من أملاكهم على خدمة الكنيسة المرقسية حتى بلغ عدد الحُجج -عقود- المُثبتة لتقدماتهم ما يقرب من مائتين وثماني وثلاثين حُجة محفوظة الآن بالمكتبة البابوية بالأزبكية.
ومع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبمجيء أبو الإصلاح البابا "كيرلس الرابع" البطريرك (110) (1854- 1861م)، وبتأييد والي مصر "محمد سعيد باشا" (1854- 1863) قام بهدم الكنيسة المرقسية القديمة وأعاد تجديدها لكي تتحلى بثوبها الجديد ليجعلها لائقة بصدارتها، وبالفعل كان يوم الخميس 29 برمودة سنة (1575ش/1859م) الموعد الذي حدده لإعادة افتتحها، بحضور روساء الكنائس وكبار ورجال الدولة والعلماء المثقفون، وكان احتفالاً له روعته.
على أية حال، كان ذلك ضمن سلسلة من إنجازات أبو الإصلاح الذي أنشأ المدرسة الكبرى، ومدرسة البنات، وعنايته بالغة القبطية وبألحان الكنيسة وشراؤه مطبعة، وتنظيمه المكتبة البابوية وإهتمامه بالكهنة، وإنشاؤه ديوان الأوقاف القبطية إضافة إلى مواقفه السياسية نحو الوطن.
كما لعبت الكنيسة دورًا اقتصاديًا هامًا في انتعاش حي الأزبكية وخاصة بشارع "كلوت بك" -أحد أشهر الأطباء الفرسيين- حيث انتشرت المتاجر التجارية والوكالات والخانات (الفنادق) وأصبحت ظاهرة ديمغرافية في تركز السكان بجوارها، علاوة على قربها من السكك الحديدية (محطة باب الحديد) وسهولة المواصلات، مما جعلها منارة للعلم ومقصد المؤمنين للصلاة بها، ولا تزال تقوم بهذا الدور حتى يومنا هذا بالرغم من نقل دار البطريركية إلى العباسية.
وظلت الكنيسة المرقسية مقرًا للبطريركية ومكانًا لإستقبال الوفود المحلية والعالمية، كما أنها مقرًا لديوان الأوقاف القبطية، ومكانًا لإجتماع المجلس الملي العام ومناقشة قضايا وهموم الأقباط، حتى حصل البابا "كيرلس السادس" البطريرك (116) على قرار من الرئيس "جمال عبد الناصر" (1954-1971م) بمنح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية أرضًا لبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (حاليًا) وبعدها أصبحت المقر الرسمي للبطريرك حتى يومنا هذا.
http://www.copts-united.com/article.php?A=10151&I=266