حرية الإعتقاد في مصر بين القانون والتطبيق والثقافة الشعبية" 1-3 "

مايكل فارس

تحقيق: مايكل فارس – خاص الأقباط متحدون
حرية الاعتقاد هي حرية مطلقة كفلتها كل المواثيق الدولية والدساتير الليبرالية والأديان، ولكن عند كلمة الأديان نتوقف، فأي أديان نقصد هل؟ الأديان السماوية الثلاث أم كل الأديان؟ وهل الأديان الغير سماوية مُعترف بها في مصر وتتمتع بشخصية قانونية مستقلة؟
ما هي حدود حرية الاعتقاد في مصر؟ والحكم في حرية الاعتقاد يتم بناء على القانون والدستور المصري والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر أم استنادًا إلى الشريعة الإسلامية كما نصت الماده الثانية من الدستور؟ وهل هناك تعارض بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر من حيث النظرة إلى الأديان الوضعية؟ 
بداية لقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 في مادته الأولى يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد الاعتقاد بين الاديانوهبوا عقلاً وضميرًا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء. المادة (2) لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين. المادة (6) لكل إنسان أينما وُجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية. المادة (10) لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تُنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرًا عادلاً علنيًا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.وبعدها جاء االعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (18)
 
  1.لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين1 ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

وقالت المادة (20) يحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف
وقالت المادة (27) لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.
ومن كل ذلك نفهم أن حرية الاعتقاد مكفولة بقوة المواثيق الدولية ومن حق أي شخص أن يكون له شخصية قانونية دون النظر لمعتقده. هذه المواثيق ملزمة للدول المصدقة عليها ولكن هل ملزمة لمصر؟. المعاهدات غير ملزمة أما الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية الأخرى. اجاب الدستور المصري علي كيفية إلزامها لمصر وفقًا للمادة 151 من الدستورالمصري التي نصت على:
"
رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقًا الؤئيس مباركللأوضاع المقررة".
وترتيبًا على ذلك فإن الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته تعتبر-بعد الموافقة على الانضمام إليها ثم التصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية للبلاد، عملاً بالمادة سالفة الذكر- بمثابة قانون من القوانين المصرية الصادرة عن السلطة التشريعية، وبالتالي تعتبر نصوصها من النصوص القانونية الصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات في الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية.
وهناك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي صدقت عليه مصر بالقرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981 ونُشرت نصوصها في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 ابريل 1982 وبذلك تم دمج نصوص المعاهدة بكاملها في القوانين السارية في مصر وفقًا لنص المادة 151 من الدستور، ومعنى ذلك أن النظام القانوني المصري تغير منذ ذلك التاريخ.

وقد جاء في الدستور المصري نص المادة (2) الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.. والمادة (40) المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. المادة (46) تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
لذا كان لا بد من الوقوف على كلمة "دين" فما المقصود بها؟ هل هي الأديان السماوية فقط أم أي دين؟ وإن كانت الأديان السماوية فقط فكيف تصدق مصر على مواثيق تعترف بكل الأديان حتى الوضعية؟ وهل الشريعة الإسلامية تعترف بالأديان السماوية الثلاث فقط أم كل الأديان حتى البهائية؟ خاصة وأنه قد أجاب الرسول (ص) على الكافرين بقريش قائلاً (لكم دينكم ولي ديني) (سوره الكافرون الآية 6 ) فإنه قال لفظ "دين" على معتقدات كافرة، والقانون المصري هل يميز بين الناس على أساس معتقداتهم؟
فتعريف التمييز الديني.. هو "الحرمان الكلي أو الجزئي لأسباب تتصل بالمعتقد الديني لفئة أو أكثر من المواطنين من بعض الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان باعتبارها المرجع الأساسي لحقوق الانسان".
ولماذا حُرم البهائيين في مصر من الشخصية القانونية التي تعبر عن هويتهم، وحتى علامة (-) التي وضعت مؤخرًا في بطاقة الرقم القومي لا تعبر عن شخصيتهم القانونية؟وهناك أمثلة كثيره تدل على انتهاك حقوق الأقليات الدينية في مصر سواء الأقباط أو الشيعة أو البهائيين أو القرآنيين.. لذا كان لنا هذا التحقيق للوقوف على أسباب هذه الانتهاكات، هل هي خطأ في القوانين المصرية أم التطبيق أم أنها ثقافة شعبية؟ كل ذلك في إطار القانون والممارسات المجتمعية.

فمثلاً الانتهاكات القانونية ضد البهائيين:
• صدر القانون رقم 49 لسنة 2004 في الكتاب الدوري لللائحة التنفيذية لمصلحة الأحوال المدنية والذي أدى إلى اختزال أديان المصريين في بطاقات الرقم الاديان السماوية التلاتةالقومي إلى ثلاثة فقط، الإسلام والمسيحية واليهودية.. والذي ترتب عليه عدم الاعتراف بوثيقة الزواج البهائي وعدم إصدار شهادات ميلاد باسم الديانة البهائية حتى عدم الحصول على شهادة وفاة، وهو ما يخالف حق الشخصية القانونية في المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي كفله الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والتي صدقت عليه مصر.
فقد بدأت الاعتداءات على بهائيين في مساء يوم السبت الموافق 28 مارس 2009 في قرية الشورانية التابعة لمركز المراغة بمحافظة سوهاج، عندما علم مسلمي القرية أن هؤلاء السكان من البهائيين بعد عرض حلقة برنامج على إحدى القنوات تحدثت عن البهائيين.
• وكان حكم سابق للمحكمة الإدارية العليا قد قضى في ديسمبر 2006 بتأييد سياسة الحكومة في رفض إثبات المعتقد الديني للبهائيين في الأوراق الرسمية، على أساس أن ذلك الإجراء من شأنه أن يخالف مبادئ النظام العام والشريعة الإسلامية، مما دفع المصريين البهائيين إلى تغيير مطلبهم إلى الحصول على وثائق رسمية لا تتضمن ذكر أية ديانة.
ثم في 29 يناير 2008 قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار محمد الحسيني بإلزام مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية بوضع علامة (ــ) أمام خانة الديانة في بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد الخاصة بمواطنين بهائيين. وقد وضع هذا الحكم الصادر في القضيتين رقم 18354/58 و12780/61 نهاية لسياسة الحكومة على مدى الأعوام الثمانية الماضية والقائمة على إجبار المصريين البهائيين على اختيار إحدى الديانات التي تعترف بها الدولة، وهي الإسلام أوالمسيحية أواليهودية، كشرط للحصول على الوثائق الرسمية الضرورية.
• في شهر مارس 2008 رفض رئيس الكنترول المركزي للمرحلة الأولى لامتحان الثانوية العامة قبول استمارة التقدم للامتحان من الطالبة خلود حافظ بسبب تسجيلها لديانتها البهائية في الاستمارة، وبعد شكاوى عديدة وإثارة المسألة إعلاميًا تدخل مسئولو وزارة التربية والتعليم من أجل السماح للطالبة بملء استمارة جديدة في يوم 18 مارس 2008 مع وضع علامة (ــ) أمام خانة الديانة، وفقًا لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 29 يناير 2008.

وهناك أمثلة أخرى عن الأقباط في مصر:

• في 9 فبراير 2008 أصدرت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار السيد نوفل حكمًا في اثنى عشر دعوى قضائية أقامها مواطنون مسيحيون يرغبون الرقم القومىفي استخراج بطاقات تحقيق الشخصية التي تثبت عودتهم للمسيحية بعد أن كانوا قد تحولوا إلى الإسلام. وقد صدر هذا الحكم النهائي لصالحهم، وقام بإلغاء المستشار محمد الحسيني في إبريل 2007 بإلغاء هذا الحكم. وقد أوصى حكم الإدارية العليا بأن تتم الإشارة في البطاقات الشخصية للعائدين للمسيحية إلى سبق اعتناقهم للإسلام، مما أثار مخاوف المدعين ومنظمات حقوق الإنسان من أن مثل هذه الإشارة العلنية قد تجعل العائدين للمسيحية عرضة للتمييز والوصم المجتمعي. وبعدها قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار محمد الحسيني في 4 مارس 2008 بوقف نظر جميع الطعون المماثلة المقامة أمامها من مواطنين يطالبون بإثبات عودتهم للمسيحية، وإحالة المسألة إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة 47 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 والتي تنظم إجراءات تغيير أو تصحيح الجنسية أو المهنة أو الديانة في الأوراق الرسمية. وطلبت محكمة القضاء الإداري في حكمها أن تفصل الدستورية العليا في ما رأته تعارضًا بين القانون الذي سمح بتغيير الديانة دون قيود وبين نص المادة الثانية من الدستور التي تقضي بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. ولا زال الموضوع إلى الآن منظور بالقضاء.

• وعن التمييز على أساس الدين أو المعتقد... اعتمد مجمع البحوث الإسلامية بمشيخة الأزهر في جلسة عقدها يوم 21 أبريل 2008 توصية لجنة البحوث الفقهية بالمجمع، والتي توصلت إلى حرمان الزوجة غير المسلمة من ميراث زوجها إن أسلم، وتطبيق القاعدة نفسها على الأبناء البالغين غير المسلمين الذين يتحول والدهم إلى الإسلام.

• تنظر محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة القضية رقم 2392 لسنة 2009 المرفوعة من "مريم ناجي محمد إبراهيم" ضد وزير الداخلية ورئيس مصلحة الاحوال المدنية؛ حيث أنها طبيبة بشرية مسيحية وتخرجت عام 2004 وبتاريخ 10/5/2007 أشهرت إسلامها وتم إثبات ذلك في الاوراق الثبوتية، وبعد ذلك عدلت عن القرار وذهبت إلى المجلس الإكليريكي وطلبت شهادة بعودتها للمسيحية وحصلت على شهادة بذلك وتم قبولها وأصبحت تمارس طقوس الديانة المسيحية. ثم تقدمت إلى مصلحة الأحوال المدنية بطلب استخراج بطاقة الرقم القومي وشهادة الميلاد بالاسم والديانة الأصلية إلى أن جهة الإدارة رفضت واعتبرتها مرتدة ومخالفة للشريعة الإسلامية؛ ليست هناك قيود قانونية على تحول غير المسلمين إلى الإسلام، ولكن تحول المسلمين إلى المسيحية أمر تحظره الشريعة الإسلامية.

• وعن الثقافة الشعبية نجد حالات عدم قبول الآخر واعتداءت على كنائس مثلما حدث في 21يونيو 2009، تم الاعتداء على كنيسة بعزبة بشرى الشرقية بمركز الفشن و3 يوليو حُرق مبنى يُستخدم للصلاة بعزبة جرجس بالفشن و11 يوليو حرق كنيسة ابسخريون القليني بعزبة باسليوس بعد صدور قرار بإعادة الصلاة فيها، الأمر الذي رفضه الأهالي المسلمون من القرية، و20 يوليو حرق كنيسة في قرية الفقاعي ببني سويف 24 يوليو حرق كنيسة معمدانية في الحواصلة مركز أبو قرقاص.