بقلم: فريد زكريا
وُجهّت انتقادات إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما بسبب سعيه للتقرب من الصينيين والروس خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكن لا يتعدى الأمر مجرد انطباعات لا أساس لها، فالإدارة لم تقدم تنازلا جوهريا من جانب واحد لأي من هذه الدول، ولكنها تتبنى نظرة استراتيجية مفادها أن بناء علاقات قوية مع كلا الدولتين، ولا سيما الصين، سوف يكون له ثمار على المدى البعيد. ولكن من الغريب أنه لم يكن هناك تركيز مماثل عند التعامل مع عملاق آسيوي آخر وهو الهند.
على أحد المستويات نجد أن الإدارة تتصرف بود مفرط. وجاء رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ إلى واشنطن خلال الأسبوع الحالي، وهذه هي الزيارة الرسمية الأولى خلال رئاسة أوباما. وكانت هناك مشروبات واحتفالات والكثير من الكلمات اللطيفة حول العلاقات بين الديمقراطيتين العظمتين، ولكنْ وراء ذلك قلق بشأن هذه العلاقات.
يشعر مسؤولون هنود بالقلق من أن فريق أوباما ليس لديه نفس التوجهات الجوهرية التي كانت تتبناها إدارة بوش إزاء الدور الهندي في القرن الحادي والعشرين. وانتقد بعض مسؤولي أوباما علنا الاتفاق النووي الذي قام به جورج دبليو بوش، وهو الاتفاق الذي رأى فيه الهنود اعترافا أساسيا بالهند كدولة كبرى. وهم يشعرون بالقلق من أن تقوم الإدارة الديمقراطية بالاستسلام لمذهب الحمائية، ويشعرون بالقلق من أنها ودودة بصورة مبالغ فيها مع الصين.
وسوف تمضي هذه المخاوف مع تعرف الطرفين بعضهما على بعض. والخطر الأكثر بقاء هو أن إدارة أوباما، التي تركز بشدة حاليا على الحرب داخل أفغانستان، سوف تنظر إلى جنوب آسيا عبر هذا المنشور. وتميل واشنطن إلى التعامل مع مخاوف باكستان على أنها خاصة بها، حيث إنها في حاجة شديدة إلى تعاون باكستان في هذا النزاع، وهو ما يفضي إلى رؤية غير سليمة للمنطقة.
وفي تقريره المتسرب حذّر الجنرال ستانلي ماككريستال من أن «تزايد النفوذ الهندي داخل أفغانستان سوف يزيد من التوترات الإقليمية ويشجع باكستان على القيام بإجراءات مضادة». ويعد ذلك انتقادا غريبا من نوعه، فالهند هي القوة المسيطرة داخل جنوب آسيا، ولها نفوذ كبير في مختلف أنحاء شبه القارة الهندية. ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الهندي 100 ضعف إجمالي الناتج المحلي داخل أفغانستان. وبعد الانفتاح داخل أفغانستان في أعقاب سقوط «طالبان» انهالت الثقافة والأطعمة والأفلام والأموال الهندية داخل البلاد. ويشبه ذلك الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كان لها نفوذ كبير في المكسيك على مدار العقود القليلة الماضية.
وتذهب معظم المساعدات الحكومية الهندية لأفغانستان لبناء مدارس ومشروعات بنية تحتية. وعلى الرغم من أن نيودلهي تسعى إلى الحصول على نفوذ لدى حكومة كابل، قال مسؤولون أميركيون لي إن الاستخبارات الهندية لديها عمليات محدودة داخل أفغانستان. وليس من المفترض أن تريد أميركا من الهند نفي نفسها بعيدا عن شبه القارة الهندية. وفي الواقع إن الأهداف الهندية متساوقة مع الأهداف الأميركية، حيث يسعى الطرفان إلى هزيمة حركة طالبان ودعم الحكومة الأفغانية المنتخبة.
وعلى الجانب الآخر، فإن أهداف باكستان ليست كأهداف واشنطن، فلطالما تحدثت إسلام آباد عن الحق في أن ترى حكومة موالية لباكستان داخل أفغانستان. وقد أشار الخبير الآسيوي سليغ هاريسون إلى أنه خلال مقابلة معه في عام 1988، كان يطالب الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق بـ«نظام شبيه لنا» داخل كابل. وفي العام الماضي قال جنرال باكستاني لمدير الاستخبارات الوطنية إن باكستان اضطرت إلى دعم حركة طالبان داخل أفغانستان «وإلا سيطرت الهند عليها». وبعد أن نشأت حركة طالبان الأفغانية، فإنها لم تتخذ أي خطوات لحلها. وحتى خلال الوقت الحالي فإنه على الرغم من قيام باكستان بالهجوم على «طالبان» الباكستانية داخل جنوب وزيرستان، فإنها لم تعكر صفو قيادة «طالبان» الأفغانية في بلوشستان.
ويبدو أيضا أن إدارة أوباما توافق على فكرة أنه بمجرد حل النزاع الدائر حول كشمير، فإن باكستان سوف تهاجم جميع التنظيمات الإرهابية التي دعمتها على مدار الأعوام الماضية. والآن، من الإنصاف القول إن الهند متضايقة كثيرا بسبب كشمير، ولكن الطريق الوحيد لأي حل هناك يكمن في بناء الثقة بين باكستان والهند. ومن غير المحتمل أن يحدث ذلك في الوقت الذي ترفض فيه باكستان تعقب التنظيم الإرهابي الذي خطط لهجمات مومباي المعروف باسم «عسكر طيبة».
ويجب أن لا يضع السياسات جنرالات من أمثال ماك كريستال، بغض النظر عن الذكاء والقوة، لأنهم يخلطون بين الأوامر داخل ساحات المعارك وبين نظرة أوسع. ويجب على أوباما أن يضع في الاعتبار أن جنوب آسيا عبارة عن حفرة من القطران بها الكثير من الدول الفاشلة والمتعثرة، فيما عدا دولة ديمقراطية قديمة بها 1.2 مليار شخص تعد ثاني أسرع اقتصاد كبير من حيث النمو في العالم، وضابطا للطموحات المتنامية للصين، وحليفا طبيعيا للولايات المتحدة. والجائزة هي العلاقات مع الهند. وجائزة اللاعب الأسوأ هي حكم أفغانستان.
نقلا عن : جريدة الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=10575&I=275