عجز أم تواطؤ أم عدم إكتراث؟

منير بشاي

بقلم: منير بشاى
تتصاعد حوادث الإرهاب ضد الأقباط فى مصر فى الآونة الأخيرة بطريقة مخيفة، بدءا بالخانكة سنة 1972 ومرورا بمعظم محافظات مصر
وانتهاء بفرشوط فى 21 نوفمبر2009.  والمقلق أنها لم تعد مجرد أحداث عابرة مرتبطة بظروف خاصة وتنتهى بإنتهائها. لقد أصبح الإرهاب ضد الأقباط  ظاهرة عامة ونمطا يتكرر بنفس السيناريو من بلدة إلى أخرى: إشاعة تؤدى إلى الغضب ثم إلى التجمع ثم إلى العقاب الجماعى ضد جميع الأقباط من ضرب وقتل وحرق وتدمير. ثم إلى تهجير الأقباط من المنطقة التى ولدوا وعاشوا فيها الى مكان جديد.
والسؤال الملح الذى يطرح نفسه: ألا تسبب هذا الحوادث المريعة المتكررة شيئا ولو قليلا من القلق لدى المسئولين تدفعهم لدراسة أسبابها ودوافعها وكيفية التصدى لها ومحاولة إيقافها  قبل أن تستفحل وتصل إلى هذا المدى؟ 
بداية لا بد من الإعتراف أن الأمر خرج عن نطاق الدائرة الأصغر من أعمال الجماعات الإسلامية الإرهابية التى كانت تعتدى على الأقباط كجزء من حربها ضد الدولة. فمعظم الإعتداءات ضد الأقباط  تتم حاليا عن طريق جماهير الشعب أنفسهم من المواطنين المسلمين وبعضهم ربما يكون جيرانا للمسيحيين يعيشون معهم ويشاركونهم السراء والضراء. وهذا من شأنه أن يصعب عملية السيطرة على الموقف لكثرة العدد المشترك وصعوبة تحديد القيادات التى تديرها من وراء الستار. ومع ذلك لا يمكن إعفاء الدولة من مسئوليتها فهى التى تركت المناخ العام فى المجتمع المصرى يتدهور وأغمضت عينيها وصمت آذانها إزاء  الشحن المستمر فى مشاعر الكراهية حتى يزداد إلى هذه الدرجة التى يصبح فيها الموقف معرضا  للانفجار لدى أقل صدام يحدث سواء كان حقيقيا أم مفتعلا.
هذا من ناحية المناخ العام الذى أصبح مهيئا لمثل هذه الحوادث. ولكن ماذا عن دور الدولة وجهازها الأمنى؟
الجهاز الأمنى المصرى هو جزء من الشعب المصرى يعانى من نفس المشاكل ويعكس نفس العيوب. فإذا كان الشعب يعانى من التعصب الدينى فكذلك الأمن. وإذا كانت تسرى في المجتمع الفساد وسؤ الإخلاق والرشوة والمحسوبية فبالتالى تسرى فى الأمن.
ولا شك أن الأمن ضعيف وعاجز فعدد قوات الأمن لا يوازى أعداد الجماهير المضادة. ثم أن الأمن يمثل الموظف الحكومى الذى لا يتقاضى مرتبا يكفيه وبذلك لا يحس أنه مطالب أن يؤدى عمله بأمانة، ولا يشعر أن واجبه يحتم عليه أن يعرض نفسه للمخاطرة إذا أدى عمله بكيفية أكثر جدية.
هذا بالإضافة إلى أن قوات الأمن تمثل الشعب نفسه من ناحية التعصب الدينى. وكما يصدق الشعب الإشاعات ضد الأقباط ويعتدون عليهم، أيضا قد
يجد رجال الأمن أنفسهم تلقائيا يتعاطفون مع الغوغاء. وتكون النتيجة إما أنهم يقفون صامتون يراقبون الإعتداءات ضد الأقباط دون أن يفعلوا شيئا‘ أو ربما يحدث ما هو أسوأ فقد يتواطأوا مع المعتدين ويساعدونهم فى إرهابهم.
أما سياسة الدولة العامة فيبدوا أنها خليط من هذا كله، فقد تكون عاجزة وقد تكون متواطئة بحسب الإستعداد الطبيعى لمن يمثل الدولة فى المحليات.
ولكن الشئ المزعج حقا هو أن هناك إحساس عام لدى أقباط مصر أن الحكومة لا تكترث بما يحدث لهم فلا تعيرهم أهمية ولا تعطيهم أولوية.  فلو كانت هذه الإعتداءات موجهة ضد الحكومة ذاتها لتدخلت فورا وأوقفتها ولو أدى الأمر الى استدعاء قوات الأمن المركزى أو حتى الجيش حفاظا على هيبة الدولة. ولو كانت ضد السياح الأجانب لبذلت جهدا مضاعفا لحمايتهم حفاظا على سمعة مصر العالمية وحتى لا تتأثر السياحة وينهار الإقتصاد. ولو كانت ضد اليهود لإهتزت الحكومة لخوفها من غضب إسرائيل وإتهامها لمصر بعدم تنفيذ التزاماتها فى إتفاقية كامب دافيد وخوفا من ان يؤثر هذا على سير مباحثات السلام. أما الأقباط فلهم الله، وسيخشونهم إن كانوا يخشون الله.
 Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع