بين حظر بناء المآذن وحظر بناء الكنائس!!(1-2)

القس. رفعت فكري

بقلم: القس رفعت فكري
صوّت يوم الأحد 29 نـوفمبر 2009 أكثر من 57,5% من الناخبين من سكان سويسرا  على المبادرة الشعبية الداعية  لصالح ما يسمى بـ "مبادرة حظر المآذن"، مما ينتج عن ذلك من إمكانية  فرض حظر على بناء المساجد بمآذن عالية, و في رد فعل بعد الاستفتاء قالت الحكومة السويسرية إنها أصيبت بصدمة وخيبة أمل بسبب النتائج، إلا أنها ستحترم نتيجة الاستفتاء العام الذي أجرته يوم الأحد الماضي. جاءت النتيجة بمثابة مفاجأة للحكومة، لأن استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الاستفتاء أشارت إلى أغلبية ضئيلة ضد المبادرة. ". وكانت أحزاب اليمين الشعبوية قد طرحت مبادرة حظر المآذن. أحد هذه الأحزاب هو حزب الشعب السويسري ،
وهو أكبر حزب سياسي في سويسرا منذ عام 2007 والذي يعتبر انتشار مآذن المساجد الإسلامية بمثابة رمز للزحف الإسلامي والتعصب الديني. وقد وجهت الحكومة السويسرية والمنظمات الكنسية نداء للعامة دعتهم للتصويت ضد المبادرة. وبعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء قالت الحكومة إنها تؤكد فيه على حرية المسلمين في البلاد وحرية ممارسة شعائرهم الدينية ولكن الخوف هو من الأصولية فلقد قالت وزيرة العدل السويسرية إيفيلين ويدمار شلمب "أن حظر المآذن سوف يعزز من مكانة الإسلام الراديكالي، بدلا من تقليل تأثيره في المجتمع السويسري. وتخشى الحكومة أن تضر هذه القضية بصورة "سويسرا كبلد متسامح وهذه النتيجة تعكس مخاوف المواطنين من توجهات الأصولية الإسلامية وهي مخاوف يجب أن تؤخذ على محمل الجد".

ومن الغريب أنه منذ فترة دارت مناقشات ساخنة داخل البرلمان السويسري حول أحقية المسلمين - الذين لايزيد تعدادهم عن 6% من عدد السكان في سويسرا -  في بناء مساجدهم وارتفاع مآذنها حتى لوزاد ارتفاعها عن جميع أبنية القرية , فوقفت النائبة المسيحية يريس هوبر والتي تنتمي للحزب الديمقراطي وقالت " أنا مسيحية مخلصة لكني لا أقدر أن أصلي في الكنيسة إذا كان هناك شخص متدين آخر من ديانة أخرى لا يستطيع أن يمارس شعائره الدينية بذات الحرية التي أتمتع أنا بها " وأضافت هوبر " عندما رأيت مئذنة المسجد في مدينة زيورخ أصابتني الدهشة وخيبة الأمل لأنها مئذنة صغيرة وتمنيت أن تكون مئذنة المسجد شاهقة الارتفاع أنيقة المظهر رائعة الفن حتى تكون فخراً لنا نحن السويسريين المسيحيين الذين يتحدون مع إخوتهم المسلمين في كل الحقوق وفي كل الواجبات " وبعد 5 ساعات من المناقشات الساخنة صوت البرلمان إلى جانب حق المسلمين بأغلبية ساحقة 129 موافقين و 50 معارضين.

على أية حال إن الشعب السويسري لم ينتهك الحريات الدينية كما يزعم البعض , ولم يمنع بناء دور العبادة لأي جماعة , ولكن المنع للمآذن وليس للمساجد, ولكن لماذا هذا القرار الآن؟   ما الذي جرى في عقلية الشعب السويسري؟ وما الذي دفعه يفكر بهذه الطريقة ؟!! هل وصل إلى علمهم ما يحدث في العالم العربي؟!! هل علموا أن مصر حتى الآن لم  تصدر القانون الموحد لبناء دور العبادة ؟!! هل قرأوا رأي الإخوان المسلمين  في بناء الكنائس ؟!! لقد نشرت مجلة الدعوة في إصدارها الثاني ففي العدد رقم 56 والصادر في شهر ديسمبر عام 1980 موقفها الواضح ليس من بناء مآذن الكنائس ولكن من الكنائس ذاتها فلقد أجاب الشيخ محمد عبد الله الخطيب مفتي الجماعة وعضو مكتب الإرشاد الحالي عن سؤال حول حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام فقال سيادته ما نصه: (إن حكم بناء تلك الأشياء – على حد تعبيره – في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام: الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة. والثاني ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية وهذه أيضاً لا يجوز بناء هذه (الأشياء) فيها – بل إن الشيخ يؤكد أن بعض العلماء طالب بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين – والقسم الثالث ما فتح صلحاً بين المسلمين وبين سكانه والمختار هو إبقاء ما وجد فيها من كنائس وبيع على ماهي عليه في وقت الفتح على أن يمنع بناء أو إعادة بناء ما تهدم منها).

والمفهوم من هذه الفتوى في غير لبس أن البلاد التي أحدثها المسلمون وأقاموها لا تتسع لغير المسلمين. وهناك سؤال يطرح نفسه أين يذهب المصري المسيحي المقيم في الإسكندرية عندما تهدم الكنائس هناك بحسب الفتوى؟!!!
النتيجة المنطقية أنه سيذهب إلى الأماكن التي يسمح الإخوان ببناء الكنائس فيها والتنازل الوحيد الذي يقدمه الإخوان هو الإبقاء على ما كان موجوداً من كنائس ولكنهم يجعلون من هذا التنازل سراباً عندما يمنعون بناء ما تهدم منها ولابد أن الزمن كفيل بتحقيق أغراض الجماعة!! والمحصلة النهائية المستخلصة من فتوى الإخوان هي حتمية غياب الكنائس في ديار الإسلام ويترتب على ذلك منطقياً أنه لا مكان لغير المسلمين في مصر، فالشيخ ينهي فتواه مشدداً بوضوح على أنه لا يجوز إحداث كنيسة في ديار الإسلام.
يبدو أن الشعب السويسري قرأ هذه الفتوى وقرأ الكثير مما يندى له الجبين عن بناء الكنائس في مصر وفي عالمنا العربي ولهذا الحديث المؤلم بقية !!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com