إيهاب شاكر
بقلم: إيهاب شاكر
استمعتُ أو بالأحرى شاهدتُ حلقة من حلقات برنامج "نور لجميع الأمم" الذي يُعرض على قناة الحياة، وكان يستضيف خادم الرب الدكتور "ماهر صموئيل" وكان موضوع الحلقة حول، كيف نميز بين ما هو حق وما هو غير ذلك، كيف نتأكد أن ما نؤمن به هو من عند الله أو غير ذلك، ولشدة إعجابي بما جاء في الحلقة ولتعميم الفائدة أردت أن أشاركك بما جاء فيها، عزيزي القارئ، مع بعض التصرف لتتناسب والكتابة.
فقد ظل العالم لسنوات عديدة يظن أن ما يؤمن به يعتبر حقائق ثابتة ونظريات مسلّم بها، ومع الأيام وتقدم العلم ثبت عدم صحة ما كان يظن أنه حقيقة، فمثلاً:
ظل لآلاف السنين مقتنع أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض، وعندما تجرأ جاليليو وقال عكس ذلك تعرض للقتل.
ظل العالم لعشرات السنين مقتنعًا بالحروب الصليبية وأنها كانت ضرورية، واليوم أوروبا تعتبرها وصمة عار في تاريخها.
ظل الألمان لسنوات طويلة يظنون أن هتلر هو المنقذ، والآن يلعنون الأيام التي ساد فيها هتلر.
ظل الاتحاد السوفيتي يقدم حلمًا وهميًا للبشرية وتبعه الملايين، واليوم أين الاتحاد السوفيتي وأين الشيوعية، وأين أفكار ماركس ولينين..
وهكذا الكثير من الحقائق، أو كما كان يُظن أنها كذلك، تغير فكر معتنقيها بعد أن ثبت عدم صحتها، لذا على كل شخص يحترم عقله وفكره أن يسأل هل ما أتبعه أنا وحيٌ أم غير ذلك، وهل أنا على حق أم لا.
ما المقياس؟
عبثًا نتحدث دون أن يكون هناك مقياس ثابت يحدد ما هو صواب أو خطأ، والكارثة أن يكون هذا المقياس أو المرجع ليس صحيحًا، فلو افترضنا أن بائع قماش كان يبيع طوال سنوات على مقياس يظن أنه "متر" واكتشف بعد ذلك أنه ليس كذلك بل كان مثلاً متر و10 سنتيمتر، فما مدى الخسارة التي حصدها! لذلك لا بد أن أتأكد من صحة المقياس نفسه، ومن العلامات التي تؤكد صحة المقياس هي ثباته وعدم تغيره، فلو كنت راكبًا عزيزي القارئ قطارًا وتنظر من نافذته، فلكي تتأكد أن قطارك هو الذي يتحرك وليس القطار في الجهة المقابلة، لا بد أن تثبت عينيك على شيء ثابت، فلا بد أن تنظر لرصيف المحطة لتتأكد أي قطار هو الذي يتحرك وليس إلى أحد القطارين.
لذلك، سنطرح هنا بعض المقاييس الخاطئة الموجودة، التي لا بد أن نستبعدها ونحن نبحث ونميز بين ما هو حق وما هو عكس ذلك.
1- طول المدة:
يعتقد البعض أن الفكرة أو العقيدة التي مر عليها آلاف السنين هي العقيدة الصحيحة، وكأن الخطأ يصبح صوابًا بطول السنين، وقد قلنا مثلاً عن حقيقة كروية الأرض، لآلاف السنين ظن الناس أن الأرض مسطحة وهي مركز الكون وثبت خطأ هذا الادعاء. إذًا طول المدة ليس دليلاً على صحة الفكرة أو العقيدة.
2- كثرة التابعين:
البعض يظن أنه إذا كان هناك الملايين التابعين لهذا الفكر أو لهذه العقيدة فهي إذًا صحيحة، والملاحظ أن الهند فيها أكثر من مليار نسمة، مليار تقريبًا يقدسون البقرة، فهل ستعتبر أن تقديس البقرة فكرًا صحيحًا لمجرد أن مليار نسمة يقدسونها، هل هذه حجة؟! وأيضًا هناك الآن في العالم أكثر من 2 مليار يؤمنون بتناسخ الأرواح، أي أن الروح تخرج من الإنسان ثم تعود وتدخل فأرًا أو صرصارًا....إلخ. فهل لوجود هذا العدد المؤمن بهذه الفكرة أعتبرها حق؟!
3- اقتران الفكرة أو العقيدة بالمال أو الثروة:
أحيانًا نقول أن هؤلاء الناس على عقيدة صحيحة لأنهم أغنياء، فإلههم (أو أي إله يتبعون) راض عنهم وغامرهم بالخير، ولو كان هذا صحيحًا، فالنتيجة أن أمريكا لا بد أن تكون على صواب في كل شيء، وبالطبع هذا غير صحيح. فنحن نجد الكثيرين من الأغنياء وأصحاب النفوذ يعيشون في منتهى الفساد وحياتهم مشبعة بالرذيلة والفجور، إذًا هذا ليس مقياس صحيح.
4- اتفاق العقيدة مع الميول والأهواء:
أحيانًا أرفض عقيدة معينة لأنها لا تتفق أو لا تشبع ميولي وغرائزي وأميل لأخرى لأنها تفعل ذلك، فإن جاءتني عقيدة تقول لي أنك مذنب وخاطئ فأنا أرفضها لأني لا أحب أحد أن يسذنبني، وإن جائني أحد ليقول لي أنت من شعب هو الأفضل والأحسن فأقبل هذا لأنه يشعرني بكبريائي ويتناسب مع ميولي وأهوائي، فأحب هذا الفكر الذي يشعرني بأني الأفضل من الآخر. فإذا جاءتني عقيدة تمنع الشهوة وأخرى تبيحها، فأختار الثانية لأنها تناسب ميولي ورغباتي.
5- قدرة العقيدة على إثارة المشاعر والحماس:
الفكرة التي تستثير حماس الناس وتثير مشاعرهم وتجعل الأجساد تقشعر يُظن أنها صحيحة، والحقيقة إن إثارة المشاعر والحماس لا يمكن أن تعتبر برهانًا على صحة الفكرة، لأنه بمجرد أن يزول المؤثر سيزول التأثير، ديفيد كورش سيطر على الناس وحمّسهم وقادهم أن يقتلوا أنفسهم، فهل أقول أنه على صواب لأنه استطاع أن يسيطر على الناس ويثير حماستهم ويقودهم للانتحار أو الموت في سبيل فكرتهم؟!
6- إنه فكرالآباء والأجداد:
يُظن أنه مادام الآباء والأجداد قد ساروا على هذا الفكر أو هذه العقيدة، إذًا فهي صحيحة، فهذا ما اعتقد به السلف وهم صالحون، ولو كان هذا المقياس صحيحًا، فلا بد لنا نحن المصريون أن نعبد الجعران أو الأوثان لأن أباءنا عبدوها، إذًا ليس كل ما سار عليه الآباء والأجداد صحيحًا.
7- العقيدة السهلة اليسيرة وليست العسيرة:
يعتقد البعض أن العقيدة السهلة والتي ليس فيها تحديات وصعوبات هي العقيدة الصحيحة، لكن ليس كل ما هو سهل وبسيط هو صحيح، فنحن نؤمن أن الكهرباء حقيقة مع أن معظمنا لا يفهم فيها، فنحن نستفيد منها ومن وجودها لكننا لا نفهمها، لذلك ليس كل ما هو بسيط يصبح حقًا، وما هو صعب أو فوق إدراك عقلي يكون باطلاً أو خطًا.
هذا ملخص ما تحدث به الدكتور "ماهر صموئيل" مع بعض التصرف الذي لا يخل بالموضوع وجوهره، فالموضوع مهم عزيزي القارئ، وعلى ضوء ما تقدم أدعوك أن تراجع نفسك فيما تعتقد من أفكار أو عقائد، وهذا ليس عيبًا على الإطلاق بل هو ضروري جدًا، وخصوصًا إن كان الأمر يتعلق بأبديتك وأين ستقضيها، ففكر مليًا، وكن حكيمًا، وإن استهزأت فأنت وحدك تتحمل.
http://www.copts-united.com/article.php?A=10812&I=281