د. ماجد عزت اسرائيل
بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
ومنذ اليوم الأول لـ"ليوسف" في دير الأنبا صموئيل وهو يردد مع نفسه قائلاً: "ينبغي لمن خرج من العالم أن يطرح عنه رط خطاياه، وأن يتشبه بالخارجين إلى مقابر أمواتهم، فلا يكف عن التنهيد والبكاء بغير صوت حتى يرى المسيح، قد جاء وأمر فدحرج عن قلبه حجر القساوة، وعتق عقله من الموت، وأمر الملائكة أن يحلوه من ربط خطاياه ويدعوه يذهب إلى الراحة من الأوجاع، وإلا فلا يتحقق له القصد من خروجه".
ولم يكن "يوسف" ينتظر في دير الأنبا صموئيل وفي الحياة الرهبانية إلا امتحان عسير لأمنيته التي قد بلغها في حياته خارج الدير، لأن الحياة الرهبانية بالنسبة له لم تكن إلا استكمال وفحص وتمحيص لما قد بلغه قبل دخول الدير.
ويبدأ "يوسف" يومه بعد منتصف الليل بخدمة صلاة تسبيح نصف الليل، فاذا انتهت التسبيحة –وهي يتحتم أن تنتهى قبل ظهور ضياء الفجر– لا يعود إلى النوم بل يتبع الصلاة وقراءة الكتاب المقدس حتى يبزغ نور الفجر، وذلك تتميمًا لوصية الأنبا أنطونيوس الأولى والعظمى "أن تصلي دائمًا وتترنم بالمزامير قبل النوم وبعد اليقظة من النوم، وأن تهذ في قلبك مقولات الأسفار المقدسة" فإذا أشرق نور النهار يهب الراهب نشيطًا.
على أية حال، استطاع "يوسف" منذ اليوم من دخوله الرهبنة أن يدخل في علاقة مع الله بقوة وبساطة وعمق وهدوء وصلاة متواصلة ليل نهار، وقراءات بالكتاب المقدس أهلته إلى بناء روحي، لدرجة جعلته يعيش حياة التأمل و يعقد مقارنات ومناقشات مع نفسه بين شخصيات الكتاب المقدس.
وربما اعتقد أن "يوسف" كان يمارس عملاً من الأعمال اليومة بالدير، وخاصة عمل القربان لأنه سبق له ممارسته في مار مينا بمصر القديمة، لدرجه وصل انتاجه اليومى مابين (400-600) قربانة، بالإضافة لتجهيز الطعام أو ري الاشجار أوالمشاركة في بناء وترميم (القلالي) أو نظافة كنائس الدير وطرقاته، فجمع بذلك ما بين العمل والعبادة.
ويصف لنا "يوسف" الحياة الاجتماعية للرهبان داخل الدير قائلاً "لم يكن لي أب روحي بجانبي، فرئيس الدير في مصر لم يزر الدير إلا مرة واحدة في حياته، وقبل أن نترهب نحن، ولا كان لي زميل أتعزى معه، فرهبان الدير كلهم أميون وزميلي الوحيد –الأب مكاري– ترك الدير والتحق بدير آخر (دير السريان)، وصار قسًا ثم عاش في مصر بقية أيامه ورسم أسقفًا باسم الأنبا "صموئيل" أسقفًا للخدمات".
ومن المعروف عند الآباء الرهبان أن شغل اليد ينتهى ظهرًا -أي بحلول الساعة (12 ظهرًا)- بعدها يترك للراهب أن يأخذ لنفسه راحة تتناسب مع طبيعته، وفي الساعة (3 بعد الظهر) يتناول الرهبان جميعًا الغداء الأول والوحيد بعد فترة الصوم الانقطاعي اليومي وغالبًا ما يكون من الخبز الناشف الذي يتم خلطة بماء العدس، ولا يتعدى ما يأخذه الراهب عن كبشتان عدس وقليل من الخبز؛ وهذا هو المعتاد يوميًا، لأن الدير كان فقيرًا ولا يمتلك موارد اقتصادية.
وبين عشية وضحاها ذاع صيت "يوسف" بين اخوانه الرهبان لما عُرف عنه من طيبة قلب وعلم غزير، وتقوى في صلاته وأصوامه –أول موهلات عالية في مصر يدخل الرهبنة- فكان يقوم بقراءة الكتاب المقدس لرهبان الدير بشرح بسيط، جعلتهم يرتبطون بها ويجعلونه مرشدًا روحيًا لهم.
وفي شتاء سنة 1951م تعرض "يوسف" لوعكة صحية، فأصبح وجهه شاحبًا اللون وضعيفًا هزيلاً من عدم الغذاء، بالإضافة إلى إصابة عيناه بالتهاب حاد، وعندما علم "راغب مفتاح" أستاذ الألحان القبطية بمرضه سافر إلى دير الأنبا صموئيل بعد أن حصل على إذن من رئيسه القمص "مينا" ثم بعد ذلك من الربيته (أمين الدير) واخواته الرهبان بمقابلة "يوسف"، حتى أقنعة بالرحيل معه إلى منزله في أبوقير وقام بعلاجه حتى استرد عافيته وبعدها عرض عليه القمص "مينا "بزيارة أديرة وادي النطرون، فوافق على طلبه.
http://www.copts-united.com/article.php?A=10845&I=282