كمال غبريال
بقلم: كمال غبريال
هذه السطور محاولة لتوضيح بعض ما التبس على السادة القراء، في قراءة بعض ما أكتب من نقد لعموم الأقباط أو نشطائهم، وذلك من خلال ما يتفضل به الكثيرون من تعليقات، سواء المباشرة على صفحات المواقع التي تنشر مقالاتي، أو ما يردني من رسائل إلكترونية، يحوي بعضها غضباً وهجوماً واتهامات، والبعض الآخر عتاباً رقيقاً وأسى، والبعض يتفضل بالتصحيح أو الاستيضاح. . الحق أن هذه جميعها من نعم العصر التي ننعم بها، وهي نعمة سهولة التواصل والتفاعل مع بعضنا البعض، حتى لو كان بعضنا لم يعتد بعد على اختلاف الآراء ووجهات النظر، والبعض يلزمه بعض التدريب والممارسة، لأصول الاختلاف والنقد وقواعده.
ربما كاتب هذه السطور هو المسؤول الأول، عما يحدث من اختلاط لدى القارئ، في تبين المقصود من بعض ما تطرحة المقالات من أفكار، ففي عالم التجارة يقولون أن "الزبون دائماً على حق"، لا نقول هذا بغرض وجوب أن نكتب ما "يرضي" الناس، فنحن نكتب ما نتصوره "ينفع" الناس، وهو ما ليس من المحتم أن يجلب "رضاءهم". . لكن المقصود هو مسئولية الكاتب أن يوصل رسالته بأقصى قدر ممكن من الوضوح إلى القارئ.
يفهم البعض ما يرد من نقد للأقباط ونشطائهم، أننا نحمل الأقباط مسئولية ما يحدث بمصر من اعتداءات طائفية عليهم، أو حتى نهدف إلى تحميلهم جزءاً من هذه المسئولية.
نرد على هؤلاء ونقول لهم كلا وألف كلا، فمسئولية ما يحدث في مصر، بل وفي العالم أجمع، تقع كاملة غير منقوصة، على تيار التأسلم والتعصب والكراهية، الذي يقود الجماهير والغوغاء في طريق الإجرام، ويحولهم إلى وحوش بدائية قاتلة، مستخدماً اسم الله جل جلاله!!
هذا التقرير من وجهة نظرنا نهائي، لا يحتمل استدراكاً أو استثناء، كما لا يحتمل بعده كلمة "لكن" الشهيرة واللعينة!!
يحتكر تيار التعصب المتأسلم إذن فيما يحدث دور "الفاعل" وحده بلا شريك، ويحتل الأقباط دور "المفعول به"، ويشاركهم فيه بقية أبناء الوطن المسالمين والمستنيرين، والذين يتعرضون لعسف وإجرام الإرهابيين، وإن كان بدرجة أقل -كماً وكيفاً- مما يتعرض له الأقباط، الذين أصبحوا الآن وكأنهم يتعرضون لعمليات إبادة وتطهير عرقي، وإن لم يصل بعد لمستوى ما حدث لأكراد العراق سابقاً، ولمسيحييه حالياً، وما يحدث الآن لأفارقة السودان في دارفور!!
مادمنا نتحدث عن "فعل" و"فاعل" و"مفعول به"، فإننا لابد وأن نبحث "رد الفعل" لدى "المفعول به"، وهم "الأقباط" على وجه الخصوص، و"الشعب المصري" و"دولته" على وجه العموم. . نعيب على "الدولة" تخاذلها في "رد الفعل"، ونصل في ذلك إلى درجة اتهامها بالتواطوء، وهذا ما نعلنه بجلاء لا تنقصه الشجاعة في الكثير من سطورنا. . كما نحاول حث عموم أبناء هذا الوطن، على التحرك لدرء الخطر المحيق بنا جميعاً، جراء تغلغل تيار التعصب، المدمر والمعادي للحضارة والإنسانية، لنحاول معاً تصحيح "ردود أفعالنا" حياله، حرصاً على حاضرنا، وعلى مستقبل أولادنا وأحفادنا. . فماذا عن "رد فعل" الأقباط على ما يحدث لهم؟
قبل أن نبحث أو نتساءل إن كان "رد فعل" الأقباط نموذجياً، وإن كان يحتاج لمراجعة أم لا، علينا أن نتفق بداية، على معالم "رد الفعل" النموذجي الذي ننشده.
نرى أن "رد الفعل" النموذجي لا بد وأن ينقسم إلى شطرين:
أولهما طبيعي تلقائي، ناجم عما يتلقى الأقباط من ضربات حارقة ومخربة وقاتلة، ويأخذ هذا الشطر من "رد الفعل" شكل الصراخ، ورفع الصوت بالشكوى، وفضح المجرمين والمتواطئين معهم. . نحن لا نستنكر هذا الشطر، فهذا أمر جيد، فلقد صمت الأقباط طويلاً على ما يحدث لهم. . كما أن هناك كثيرون من مساندي ومظاهري التعصب والإجرام، يريدون أن يتلقى الأقباط ما يقع لهم في صمت وذلة، بل ويقبِّلوا الأيادي التي تصفعهم، باعتبارها أيادي الأسياد، التي تصفع أهل الذمة، المطلوب منهم أن يتقبلوا كل ما يفرضه عليهم أسيادهم المتعصبون، والمتهوسون بجنون عظمة ليس لها ما يدل عليها في أرض الواقع، ذلك الواقع الذي يصرخ بتخلفهم ووحشيتهم!. . لكن هذا الشطر وحده لا يكفي ليكون "رد فعلنا" نموذجياً، ويلزمنا أن يلحق به شطر ثان.
الشطر الثاني من "رد الفعل" يجب أن يكون عقلانياً، وأن يكون مضاداً "للفعل". . بمعنى أن يعمل في عكس اتجاهه، أما إذا جاء "رد الفعل" ليحقق "للفاعل" أهدافه، فإنه ولاشك سيكون "رد فعل" سيء، يحتاج للمراجعة.
عندما يسعى "فعل" المتعصبين إلى طرد الأقباط من الساحة المصرية، سواء في مجال السياسة، أوالمجال الرياضي والاجتماعي والنقابي. . فإن لنا أن نتوقع "رد فعل" نموذجي من الأقباط، بأن يقاوموا هذا الطرد، بالإصرار على المشاركة الوطنية باختلاف مجالاتها، وليس الهروب للتقوقع داخل الكنيسة، واعتبارها وطناً بديلاً. . وعندما يهدف المتعصبون تقسيم أبناء الوطن الواحد إلى قسمين وفق الدين، فإن الأقباط لابد وأن يقاوموا هذا التوجه، برفض هذا التصنيف الديني، بعدم اتخاذ رجال الدين قادة سياسيين واجتماعيين لهم، والإصرار على مشاركة أخوانهم في الوطن، في الانتماء إلى القيادات السياسية والنقابية المستنيرة، والتي تؤمن بوحدة الوطن ووحدة أبنائه. . كذا عدم النظر لكل ما يتعرضون له في غمار حياتهم اليومية من مشكلات وعقبات، من منظور طائفي ديني، بغض النظر عن الملابسات الحقيقية المصاحبة لتلك المشكلات، وهو الأمر الذي يتضمن هروباً من حقائق الواقع، وتهرباً من التعامل المناسب معها.
عندما يسعى المتعصبون لاختطاف الوطن والهيمنة علينا مستترين بالدين، فيرفضون ما يسمونه قوانين وضعية، ليتحكموا في حياتنا باسم تصوراتهم التي يدعون أنها شريعة إلهية، فإن علينا أن نضاد توجهاتهم، بأن نفصل بين إيمان الإنسان وعلاقته بإلهه، وبين تعاملاتنا بين بعضنا البعض، والتي تحكمها قوانين المنفعة والمصلحة، تلك المتغيرة بتغير المكان الزمان والأحوال، لا أن نحاكيهم باعتناق نفس المنهج والمرجعيات.
وعندما يرى المتعصبون العالم من خلال الدين وحده، فيقسمونه إلى فسطاط كفر وفسطاط إيمان، وأن من يردد ما يقولون بغير وعي هو المؤمن مالك الحقيقة المطلقة، وأن من يخالفهم في القليل أو الكثير، هو كافر أو زنديق أو مهرطق، فإن علينا أن نفعل العكس تماماً، فنتسلح بالتسامح والسماحية، وأن نسعى لأن تتفتح في حديقة الوطن كل أنواع الزهور، وأن نقاوم كل محاولات الهيمنة والقولبة للبشر.
مناقشة وهندسة الشطر الثاني من "رد الفعل" الأمثل للأقباط وللمصريين عموماً، هو المحور الذي ينبغي أن نكرس له أنفسنا، لنحاول معاً الوصول إلى أفضل الطرق والمناهج، لمجابهة وحش التعصب الذي يهاجمنا، ويهاجم معنا كل العالم المتحضر. . أتعشم أن تكون هذه السطور قد نجحت ولو جزئياً، في إيضاح بعضاً مما يحتاج إلى استيضاح.
http://www.copts-united.com/article.php?A=10993&I=285