أنطونى ولسن
تأليف: أنطوني ويلسون
زميلي العزيز الاستاذ انطوني ولسن،
أحيي اولا جرأتك في كسر جدار المحرمات والتطرّق الى مواضيع محظورة على مجتمعنا الشرقي ويكفي انك عنونت اقصوصتك «كان يمارس معي الحب» حتى تصدم القارئ وتجره جراً الى متابعة الحكاية. ولأنك واقعي بامتياز، رحت تصف بدقة اختلاجات الجسد، وتصف جيلاَ «غبيا شغله الشاغل هو الجنس».
وأحيي ثانيا تمسكك باخلاق وقيم تمحّي تجريجياً مع تقدم المجتمع المادي، كأنك تسقط على بطلة الاقصوصة ما تؤمن به أنت، وعنه تدافع.. فتكتب: «قلبي صغير حساس، وليس فندقا يستقبل العديد من النزلاء.. واذا ربطنا لغويا بين «النزلاء» و»النزول» أدركنا مدى تعلقك بما تسامى وارتفع عن الصغائر والتفاهات.
تحكي عن «خجل العذارى» وتندهش بالمرأة الوفية، تدافع عن سمعة زوجها، حتى بعد موته، فما احلى كذبتها البيضاء!
وأحيي ثالثا حسّك الرسولي المتألق في كل ما تكتب. فالكتابة لديك ليست ترفا ولا تسلية، بل رسالة اجتماعية و»متاجرة بوزنات» خصك بها الله. تتناول معاناة شعبك المغترب، في أدبك، ولا تنسى ملابسات الحياة القاسية في الوطن الأم، وتحاول، في الحالتين، توعية الجيل الناشئ وتربيته وفتح عينيه على حقيقة الوجود.
واحيّ رابعا مهارتك في السرد القصصي، فكل عناصر التشويق مكتملة في اقصوصتك. تبدأ بوصف بانورامي للبيت البورجوازي، وتتابع صرخة طلعت من غرفة البيانو، وتتابع الحكاية من خلال ذهن البطلة التي تترنح بين ذكريات الماضي ومشكلة الحاضر مستخدما «الفلاش باك» لتصل في النهاية الى المفاجأة الكبرى.. القارئ يحبس انفاسه طوال الطريق، وانت تقوده ببراعة بين تضاريس الحكاية و(الحياة).
بوركت اليد التي تكتب للمستقبل، وبورك الادب الذي ينهل من معين القيم الانسانية الخالدة، وحفظ الله القلب الذي ما زال يدق على ايقاع العالم الحديث، ويحن على ابناء الوهم والضلال!
استاذي الكريم، سلمت يداكّ
الشاعر فؤاد نعمان الخوري
كانت تجلس في مكانها المفضل عند بركة السباحة في حديقة الفيلا تشغل نفسها باعمال تطريزية تجد فيها تنفيسا نفسياً وجسدياً كلما اعتراها ملل او ضيق نفسي. فسمعت صراخاً هستيرياً صادرا من داخل الفيلا. لا احد معها اليوم. لقد أعطت الطبّاخة والشغال إجازة لتقوم هي بأعمال البيت، الهواية التي بدأت تمارسها منذ أن اصبحت شابة قادرة على العناية بشؤون المنزل. تماما كما كانت تفعل والدتها، رغم جاه الاسرتين: أسرت امها.. وأسرت ابيها. نهضت مهرولة الى داخل الفيلا، دون ان تنسى مروحتها اليابانية التي لا تفارق يدها.
ازداد الصراخ داخل الفيلا، فتمكنت من تحديد مكان صدوره. انها غرفة البيانو، تلك الغرفة التي كانت تجد فيها راحتها قبل ان تتزوج. فتحت بابها وقلبها تتسارع دقاته، وجسدها يرتعش مثل طائر بلّله ماء مطر شديد. لم تطأ قدماها أرض هذه الغرفة منذ فترة زمنية طويلة، بعد أن اصر زوجها على ان يتخذها غرفة خاصة به، جعلها مخدعا له.. وأصر على بقاء البيانو في مكانه لأنه يحتاج ايه أكثر منها، هي تعزف عليه للترفيه كبنات الذوات، أما هو فيعمل عليه كموسيقار.
تسمّرت قدماها، وفغرت فمها لهول ما رأت. وجدت أمامها امرأة عارية تصرخ وتولول وتخبط الأرض بقدميها، وعلى الأرض جسم رجل عار مسجى لا حراك به، عيناه محملقتان في الفضاء، وفمه مفتوح ببلاهة. أفاقت المرأة العارية من هستيريا صراخها، عندما لاحظت وجود امرأة اخرى امامها، وقالت لها بصوت مبحوح مضطرب. سيدتي، أنقذيني، أتوسل اليك ان تنقذيني، لا أعرف ماذا حدث له! نظرت اليها المرأة نظرة اكثر بلاهة من فم الرجل المفتوح، فلم تدرِ ماذا تقول لها، هالها ان ترى جسد زوجها عارياً ومسجى على الأرض، اين؟ في غرفتها الحبيبة الى قلبها ومع امرأة عارية تصرخ صراخاً جنونياً وتطلب مساعدتها!
مرت لحظات خالتها دهرا كاملاً.. فرفعت يدها الممسكة بالمروحة اليابانية وصوبتها تجاه المرأة العارية وهي تقول لها بطريقة هستيرية:
- من انتِ؟ من انت خبريني؟.. ماذا تفعلين في هذه الغرفة الـ.. الـ.. المقدسة؟ ولماذا انتِ عارية هكذا؟.. أ.. أ.. أجيبيني من فضلك؟
- سيدتي، الوقت ليس وقت تساؤل.. أرجوك انقذي استاذي قبل فوات الأوان.
انقذي استاذي.. انقذي استاذي.. أخذ صوت المرأة العارية يطن في اذنيها كصدى صوت ضائع في قعر وادٍ عميق تخنقه التلال والقمم العالية.
وضعت يديها على أذنيها، الطنين يزداد، تحركت قليلاً وهي تنظر الى الأرض.. الى جسد زوجها العاري الذي لم تره عارياً من قبل. لا قبل زواجها منه ولا بعده!
لقد أحضره والدها ليعطيها دروساً في الموسيقى. وفي اول لقاء معه في هذه الغرفة بهرها فيه قوة شخصيته وبهاء طلعته، أحسّت بميل شديد نحوه، رأت فيه الفارس الذي سيختطفها ويحملها على فرسه الأبيض ويطير بها في سماء الموسيقى والألحان التي تأخذ الانسان إلى عالم ساحر فرح نشوان. ما ان انهت فترة بقائه معها ونهوضه لتوديعها، حتى أمسك بذراعيها وراح يهنئها على براعتها في العزف.. فجأة رفع يده الى شعرها وبدأ يتحسّسه برقة بالغة والذهول يغمر كيانها، كيف لا.. وقد تخطى كل الخطوط الحمر، أحاطها بيديه، راح يبحث بشفتيه عن شفتيها. قبّلها قبلة طويلة ويداه تضغطان على جسدها البضّ، مما جعلها تخسر انفاسها وتعمل جاهدة على التقاطها، وبدون ان يترك لها فرصة للكلام ودّعها قائلاً:
- نهارك سعيد يا هانم.. سنلتقي قريباً بإذن الله.
افاقت من ذكرياتها، اقتربت من المرأة العارية، تفحصت جسدها وبدأت تدور حولها، ثم سألتها وقد لفّها هدوء غريب:
- قلت انه استاذك..
- نعم
- ماذا يعلمك؟
- المويسقى بالطبع..
- هل انتِ متزوجة؟
طأطأت رأسها وقالت:
- انا ما زلت طالبة في المعهد.. وقد طلب مني أن أتي الى هنا للأستماع الى عزفي وتشجيعي...
- هل هي المرة الأولى
- نعم.. وكم أنا نادمة على ذلك..
- هل عزفت الموسيقى في هذه الغرفة؟
- لا.. لم تتح لي الفرصة
- لماذا؟
- لانه طلب مني ان نمارس الجنس اولاً؟
- بهذه البساطة؟!
- سيدتي، ارجوك ان ترحميني وان تنقذي هذا الرجل الذي لا اعرف ماذا حدث له..
حدجتها بنظرة غريبة وحزينة وقالت:
- لا تهتمي به.. ارتدي ملابسك ولا تتركي اي اثر يدل عليك.. هيا اسرعي.
اسرعت المرأة بارتداء ملابسها ولملمة أشيائها، وقبل ان تهم بالخروج قالت:
- هل لي ان أسال من انتِ؟
- جيل غبي.. شغله الشاغل الجنس.. انا زوجته يا هانم.. وفي غضب شديد صرخت فيها، اغربي عن وجهي.
- انا آسفة.. أنا آسفة.. لا اعرف ماذا جرى له؟ ارجو ان لا اكون قد ضايقتك.
تطلعت اليها بازدراء كلي وهي تلوّح بمروحتها اليابانية قائلة:
- انت.. انت.. يا (مفعوصة) تضايقينني.. امشي قبل أن أغير رأيي.
خرجت المرأة من الفيلا مهرولة، وبقيت هي مع زوجها الملقى على الأرض، تُحدق في عينيه، في فمه المفتوح، في جسده المترهل.. وهالها عضوه التناسلي وايقظ فيها أشياء وأشياء.. جثت على ركبتيها لتغلق تلك العينين، وتمرر اصابعها على فمه الفاغر، وتنحني بكليتها لتعانق شفتاها الدافئتان شفتين باردتين كالجليد، وتغيب في قبلة طويلة اودعتها كل حبها للرجل الذي ذاقت منه طعم اول قبلة لها.
رفعت رأسها وأجالت النظر في غرفتها الحبيبة الى قلبها وقالت محدثة نفسها:
- أجل.. هذه هي غرفتي التي كنت اجد فيها الهدوء والراحة النفسية.. وهذا هو البيانو الذي شهد أولى قبلاتنا.
لقد حاول، وقتئذ، ان يقفز من القبلات الى اشياء اخرى، ولكنها منعته.. بل منعت القبلات الى ان يأخذ قرارا حاسما بالزواج منها او قطع هذه العلاقة.
في هذه الغرفة همست في اذنه بكلمة (احبك).. لكنه ضحك منها عندما فاتحته بأمر الزواج. اوهمها انه رجل بوهيمي يعشق الفن والمرأة والكأس.. وعليها ان تقبله كما هو، وأن تستمر العلاقة بينهما كما هي.. وأنه لن يطمع بأكثر من قبلاتها، عندما تمسكت بطلبها.. الزواج أم الفراق. اختار الفراق وتركها غاضباً.
بكت كثيرا، ذبل جسدها، لم تعد تجد راحتها لا في الغرفة ولا مع والديها، ولا حتى مع رفيقاتها الوافيات اللواتي كن لا يتجرأن على الخوض معها في أي حديث لا تراه مناسباً. إنها تحبه.. أول قبلة ذاقتها اقتطفتها من شفتيه. لا تريد انساناً آخر في حياتها، ممنية النفس بالتغلب على حبها، والعيش بدون رجل. يوجد رجل واحد في قلبها ولن تسمح لأي رجل آخر بمقاسمته ذلك القلب. انه قلب صغير حسّاس وليس (فندقاً) يستقبل العديد من النزلاء.
بعد شهر وأسبوع، أجل وأسبوع، تتذكر الآن كيف جاء الى الفيلا، وكيف التقى والديها فقط دون ان تعلم ماذا دار بينهم من حديث او لماذا هو هنا؟
خرج دون ان يراها.. فاذا بوالدها يناديها وابتسامة عريضة تكلل شفتيه ويقول لها:
* هه.. أخيرا جاء.
* عمن.. تتحدث يا ولدي؟
* عن الاستاذ!!
* وما به؟
* بعد كل هذا الانقطاع.. يأتي الليلة ويطلب الجلوس معي ومع امك..
* وما دخلي أنا يا ابي؟
قهقه والدها فرحا، اتجه صوبها ليضع يدا فوق كتفها، رافعا باليد الأخرى رأسها ويقول:
* لا تخفي عني شيئا يا ابنتي.. أرجوك انا وأمك لا غاية لنا في الحياة سوى سعادتك وراحتك. سأسألك سؤالاً محددا وأرجو ان تكوني صريحة كما عهدناك..
* تفضل يا أبي..
* هل تحبينه؟
جرى الدم سريعا في عروقها، شعرت بالخجل ولم تستطع الكلام.. مما حدا بوالدها ان يستمر في حديثه.
*يقولون السكوت علامة الرضى.. «يصمت برهة».. ما علينا.. فقد جاء الليلة ليطلب يدك للزواج.. فما رأيك؟
* رأيي أنا؟
* بالطبع رأيك انت.. من التي ستتزوج!.. انتَ أم غيرك؟
*الذي تراه يا والدي..
*على بركة الله... على فكرة ، نترك لك هذه الفيلا هدية واعتقد ان الوقت قد حان لنعيش في العزبة. فألف مبروك يا حبيبتنا.
مرّت فترة الخطوبة والإعداد للزواج على أحسن ما يرام، هادئة ناعمة، يسودها الحب الحقيقي.. انقطع تقريباً عن كل اصدقائه، وأصبح لا يقرب الكاس، مما زاد من حبها له.
بعد انتهاء مراسيم الزفاف وانفضاض الحضور، بقيا لوحدهما، هو وهي. أخذها الى غرفة النوم، وهمّ بتقبيل يديها، لكنه أحجم عن ذلك وحدّق بها بعينين غريبتين وقال:
* آه.. تذكرت شيئاً هاماً لا بد ان أذهب وانتهي منه.
*الآن؟!
* نعم.. الآن.
* ألا تستطيع تأجيله؟
* لا.. انه لا يحتمل التأجيل.. أعدك بالعودة سريعاً.
لم يعطها فرصة للاعتراض، قرر ، نفذ القرار وخرج.. لم تخلع طرحة الفرح عن رأسها ولا الفستان. خرجت من غرفة النوم واتجهت الى غرفة البيانو، وبدأت تعزف.. هربت من تحت أصابعها كل الألحان.. لم يبق غير اللحن الجنائزي. فأخذت تعزفه وتعيد عزفه حتى تعبت اصابعها وتخدّر جسدها. توقفت عن العزف واتكأت برأسها على ذراعيها وراحت في سبات عميق.
لم تدرِ كم مرّ عليها من الوقت وهي على هذه الحالة، ولكنها استيقطت مذعورة على صوت رجل مخمور يغني. خرجت من الغرفة ففوجئت بزوجها يترنح من السُكر، ويستند على كتف امرأة اخرى. طلبت منه ان يخرج ويترك البيت حالاً، فرد عليها قائلاً:
* لقد حذرتك وقلت لك ثلاثة اشياء لا غنى لي عنها، الفن والمرأة والكأس.. وها انا كما ترينني ولن اترك الفيلا.. إنها بيتنا، تزوجنا فيه وسنعيش فيه أيضاً.
* خذ هذه المرأة واخرج قبل ان اطلب الشرطة..
عندما وصلت بها الذاكرة الى كلمة الشرطة، افاقت الى نفسها، وفكرت في هذا الجسد المرمي عند قدميها.. أسرعت واتصلت بالشرطة واخبرتهم ان زوجها ليس في وعيه ولا تعرف ماذا تفعل.
دخل المحقق وبعض الرجال من الشرطة والاسعاف الى الغرفة، رأوا رجلاً ممدداً على الأرض والى جانبه امرأة عارية جاثية على ركبتيها، وعلى رأسها طرحة بيضاء، ويدها ممسكة بمروحة يابانية.. لاخظ المحقق وجود بقعة من الدم تحتها.. أمر رجاله بالخروج من الغرفة، شدّ غطاء السرير ولفها به وهو يسألها..
* ماذا حدث؟
رفعت رأسها ونظرت اليه بخجل العذارى وهي تقول:
*زوجي.. كان يمارس معي الحب.
تمت
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=11139&I=288