منير بشاي
بقلم: منير بشاى
مع اقتراب نهاية الولاية الخامسة للرئيس محمد حسنى مبارك كثر الكلام عن من يخلفه رئيسًا لمصر، خاصة مع احتمال أنه- لكبر سنه- قد لا يرشح نفسه لفترة رئاسية سادسة. هناك أسماء كثيرة يتردد ذكرها لشغل هذا المنصب الهام. وفى إطار التوريث واستمرار الوضع على ما عليه وإعمالاً لمبدأ ((إللى تعرفه أحسن من إللى متعرفوش)) تردد اسم جمال مبارك نجل الرئيس. ورغبةً فى التغيير جاء ذكر اسم الدكتور البرادعى لإنجازاته العالمية والتقدير الدولى له. وهناك بلا شك أسماء أخرى يمكن أن ترشح. ولكن اقتراحى أن يكون رئيس مصر القادم هو كمال أتاتورك.
أعلم أن هناك صعوبات تحول دون أن يصبح كمال أتاتورك بالذات رئيسًا لمصر. فهو أولاً تركى الجنسية ورئيس مصر -طبعًا- يجب أن يكون مصريًا. والسبب الثانى: والذى لا يقل أهمية عن الأول هو أن أتاتورك -للأسف- ليس على قيد الحياة. ولكن إذا كان أتاتورك الأصلى غير متوفر فأتمنى أن نجد رجلاً فى مثل مؤهلاته ومقدار قوته لكى يقود البلاد- بل لينقذها- فى المرحلة القادمة.
الأوضاع فى مصر قد أصبحت يرثى لها. فالذى حدث خلال العقود الأخيرة أن المشاكل تراكمت فى ظل سياسة تأجيل الحلول أو اتباع طريقة الحلول المؤقتة والابتعاد عن المعالجة الجذرية للأمور. والنتيجة أن الأحوال تردت لدرجة مريعة بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتصور كيف ستكون الأوضاع إذا استمرت الأمور كما هى عليه لعدة عقود أخرى.
السياسة الحالية القائمة على العلاجات التجميلية الترقيعية لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. سيأتى الوقت – وقد أتى فعلاً- الذى لن تستطيع فيه إضافة رقعًا جديدًا الى الثوب الذي تهرأ، وأصبح غير صالح للاستعمال أو الإصلاح.
سياسة الموازنات ومحاولة إرضاء القوى على حساب الضعيف فى محاولة لمد عمر النظام أكبر فترة ممكنة قد وصلت إلى نهاية صلاحيتها ولا يمكن أن تستمر إلى أمد أطول.
التعصب الدينى الذى أخذ يمزق جسد هذا الوطن وجعل الجار يكاد يأكل لحم أخيه المخالف فى العقيدة قد وصل إلى الذروة.
الفساد من رشوة ومحسوبية وسرقة وانعدام ضمير فى ظل ضعف الدخول بدرجة لا تتمشى مع مطالب العصر أصبح كالسرطان الذى انتشر فى كل الجسد.
التعليم أصبح لا يحمل من التعليم غير اسمه فتراجع المستوى العلمي لخريجينا والاعتراف الدولى بجامعاتنا ومعاهدنا.
الإسكان أصبح بعيدًا عن مقدرة معظم فئات الشعب، واختفت معه وجود يافطة "للإيجار" وأصبح أمرًا عاديًا أن يتزوج الأولاد ويسكنوا مع الآباء. ولا أدرى كم من البشر يمكن أن تحشرهم فى هذه المساكن، وأين ستذهب الأجيال القادمة؟
الانفجار السكانى أصبح يزيد عدة مرات عن مقدرة الرقعة السكانية المتاحة لاستيعابها.
أمام هذه المشكلات وغيرها التى تكاد تشل الوطن، فإن مصر لا تحتاج إلى حاكم ضعيف يستمر فى نفس سياسة الموازنات وإرضاء القوى وتأجيل الحلول وترقيع الثوب المهلهل. مصر تحتاج إلى حاكم قوى مثل أتاتورك يستطيع أن يتصدى لكل أصحاب النفوذ والمصالح ويوقف كل واحد عند حده. حاكم قوى لا يخشى من اتخاذ خطوات راديكالية جريئة إذا كان هذا هو الحل الوحيد.
حاكم مصر الجديد قد يحتاج أن يهدم قبل أن يبنى. يهدم كل شيء فاسد ومعوج وغير قابل للإصلاح ويبنى البلد على أساس علمي وحضاري حتى تساير ركب الحضارة وتواكب العصر.
حاكم مصر الجديد يجب أن يضع الدين فى مكانه الصحيح تمارس طقوسه في داخل المسجد والكنيسة ويعمر القلوب بالإيمان والرحمة والمودة. أما نظام الحكم فينبغى أن يكون على أساس علمانى يستمد قوته من القيم الدينية ولا يتناقض معها.
حاكم مصر الجديد يجب أن يبني نظامًا تعليميًا سليمًا يُهيء الطالب للمنافسة فى عالم العلوم والتكنولوجيا. ويبنى شخصية الطالب مثلما يلقنه العلوم وينمي فى الطالب الأخلاق الكريمة. ويبعده عن الدروشة الدينية والكراهية للآخر المختلف فى الدين. ويعلم الطالب أهمية النظام والالتزام واحترام حقوق الغير. نظام تعليمى يبث في الطالب تقديس العمل والأمانة في المعاملات فينظر الى الوسيلة على أنها لا تقل أهمية عن الغاية. نظام تعليمي يمسح من ذاكرة الأمة اصطلاحات هدامة مثل ((معلهش وزى بعضه ومشى شغلك وياعم فوت))
حاكم مصر الجديد يجب أن يضع أساس التصنيع فى مصر خاصة بالنسبة للحرف التى اشتهرت بها مصر مثل الغزل والنسيج وصناعة الموبيليا وأشغال الجلود ويفتح لها أسواقًا فى العالم تنافس فيها بناء على جودة الإنتاج ومعقولية السعر. وبذلك يخلق فرصًا لتشغيل الطاقات التي تعاني من البطالة فتجد مجالاً للكسب الشريف وبالتالى تدفع الضرائب وتساهم فى بناء المجتمع بدلاً من أن تكون عالة عليه.
حاكم مصر الجديد يجب أن يرسى أساس نظامها الديمقراطى الذي يستمد شرعيته من دستور جديد نزيه وتقدمي يحمي الديمقراطية ويضمن لها الاستقامة وعدم الانحراف. ويُعلم الناس تقدير مسئولية الديمقراطية وخطورة استعمال صوتهم الانتخابى قبل أن يستأمنهم على استخدامها. نظام يرجع للشعب السلطة في أن يحكم نفسه ويصبح سيد قراره. نظام يصبح به رئيس البلاد خادم الشعب وليس سيدها. وينتهى مفهوم الزعيم الأوحد والحاكم الأبدي الذى لا يترك الحكم إلا بالموت أو الانقلاب العسكري.
خلاصة القول إن مصر تحتاج إلى أتاتورك ليبني البلد من جديد. وبعد ذلك، ومع تأسيس دولة مؤسسات حقيقية، وتغيير المناخ العام، فأي شخص يستطيع أن يخلف الرئيس أتاتورك فى حكم مصر فى المستقبل، الذى نرجو أن يكون أكثر إشراقًا من الماضى.
http://www.copts-united.com/article.php?A=11331&I=292