د. عبد الخالق حسين
بقلم: د. عبدالخالق حسين
أسباب التمييز الطائفي ضد الشيعة
أولاً، التخلف السياسي النسبي لشيعة العراق عند تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وذلك امتداداً للتمييز ضدهم في العهد العثماني الذي لم يعترف بمذهبهم. فقد منع الأتراك دخول أبناء الشيعة في المدارس الحكومية، كما ومنعوهم بشكل مطلق من تسلم أية وظيفة رسمية في الدولة.
ثانياً، الدور البريطاني في تثبيت حكم الأقلية العربية السنية انتقاماً من الشيعة، لأنهم (الشيعة) شنوا حرب الجهاد ضد الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الثانية، دفاعاً عن حكم الأتراك، (وهي مفارقة أن الشيعة دافعوا عن حكومة كانت تظلمهم)، ومن ثم قيامهم بثورة العشرين التي كلفت البريطانيين كثيراً. والجدير بالذكر أن ثورة العشرين هي التي أرغمت السلطات البريطانية الاستعمارية على تأسيس الدولة العراقية ومنحها الاستقلال فيما بعد.
ثالثاً، إصرار النخبة الحاكمة على احتكار السلطة وإبعاد الشيعة عنها، ومواصلة النهج التركي العثماني في التعامل مع الشيعة العرب.
رابعاً، تصلب مواقف الزعامة الدينية الشيعية، والتطرف في مطالبها في فرض شروط تعجيزية غير قابلة للتطبيق أو التنفيذ آنذاك، مثل الاستقلال الناجز، والمطالبة بانسحاب القوات البريطانية بالكامل من العراق، وعدم قبولهم بالحلول الوسطى الممكنة. كذلك أصدر رجال الدين الشيعة فتاوى بتحريم مشاركة أبناء طائفتهم في الانتخابات والجندية وإرسال أبنائهم إلى المدارس الحكومية...الخ. لذلك فالأغلبية الشيعية العربية وخاصة قياداتها الدينية، تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية في تهميشهم في العهد الملكي، قد لا يقل عن القسط الذي تتحمله الأقلية الحاكمة.
ومن هنا نفهم أن التمييز بين مكونات الشعب كان موجوداً "والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي – في العراق- المنقسم إلى هذين المذهبين" على حد تعبير الملك فيصل الأول، إضافة إلى الإجحاف الشديد الذي لحق بالمكونات الأخرى من قبل الفئة الحاكمة التي احتكرت الوظائف والمناصب المدنية والعسكرية في العهد الملكي وما تلاه من عهود جمهورية، باستثناء فترة حكم الزعيم عبدالكريم قاسم الذي حاول التخلص من التمييز الطائفي والعرقي تدريجياً، فأوصى بالمساواة بين المواطنين، ولذلك انتقم منه المنتفعون من سياسة التمييز الطائفي والعرقي أشد الانتقام، لخروجه عن المألوف والموروث التركي.
ولكن الجهل الذي يتذرع به دعاة الطائفية كسبب لحرمان الشيعة من نصيبهم العادل في الدولة، هل كان يخص الشيعة وحدهم، أم كان شاملاً كل الشعب العراقي بجميع مكوناته؟
لذا من المفيد هنا أن نذكر جدولاً نشره ناجي شوكت، في مذكراته، وهو رئيس وزراء سابق في العهد الملكي، بيَّن فيه نسبة الوزراء الأميين وأشباههم حتى نهاية عهد الملك فيصل الأول:
المجلس الذي تم إنتخابه أيام الوزارة الوزراء الأميون وأشباههم %
وزارة نوري السعيد عام 1930 73%
وزارة يسين الهاشمي عما 1935 60%
وزارة ناجي شوكت عام 1932 50%
عوامل ساعدت على تكريس الطائفية
1- ربط القومية العربية بالطائفية
إن أكبر الخطايا والآثام التي اقترفها رواد حركة القومية العربية في أوائل القرن العشرين ومن تلاهم فيما بعد، أنهم ربطوا القومية العربية بالطائفية المعادية للشيعة العرب، والنظرة الشوفينية العنصرية ضد غير العرب، حيث راحوا يوصمون الشيعة العرب بشتى النعوت المهينة، والطعن بعروبتهم ووطنيتهم، مثل وصمهم بالعجمة والشعوبية والرتل الخامس، والولاء لإيران بدلاً من ولائهم لأوطانهم العربية، وغيرها كثير من الاتهامات الجائرة، وراحوا يؤلفون الكتب ويدبجون المقالات لترويج هذه الاتهامات وإلصاق النعوت المغرضة بالشيعة. وقد بلغ الغلو في البعض من القوميين العرب إلى حد أنهم ادعوا أن الشيعة العرب ليسوا عرباً ولا عراقيين أصلاً، بل جلبهم القائد العربي الإسلامي، محمد القاسم مع الجواميس من الهند وأسكنهم أهوار الجنوب!!
إن هذا الربط بين القومية والطائفية كان بمثابة العبوة الموقوتة الناسفة للقومية العربية، والسبب المباشر والرئيسي لفشل الدولة العراقية الحديثة في عدم استقرارها، وتغذية وإدامة الأحقاد والصراعات العنيفة بين مكونات الشعب العراقي، الأمر الذي أدى إلى تدمير الحركة القومية العربية، وإلى فشل المشروع الديمقراطي الليبرالي الذي أراد الملك فيصل الأول بناء مملكته على أساسه، وبالتالي إلى انهيار الدولة العراقية المدوي يوم 9/4/2003، وما تلاه من مضاعفات وتداعيات مهولة.
وتأكيداً لدور حركة القومية العربية في الأزمة العراقية والدول العربية الأخرى، نشير إلى التقرير الإستراتيجي العربي لعام 1999، الذي جاء فيه: "إن القومية العربية تتحمل مسؤولية كبرى، بل مسؤولية أولى، عن التدهور الذي آل إليه النظام الإقليمي العربي في نهاية القرن العشرين، فهذا يرتبط بالأساس اللاديمقراطي، بل المعادي للديمقراطية، الذي قامت عليه". (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، التقرير الإستراتيجي العربي 1999، القاهرة يناير 2000./نقلاً عن الملف العراقي-العدد 109، كانون الثني/يناير 2001)
ومن نتائج التمييز الطائفي والعرقي أن اتخذت المظالم ضد الشيعة والكرد شكلاً متطرفاً في عهد حكم البعث الثاني (1968-2003) حيث انفرد النظام، ولأول مرة في تاريخ العالم، وبدوافع طائفية وعنصرية صرفة، بإصدار قانون إسقاط الجنسية رقم 666 لسنة 1980 الذي قام بموجبه بإسقاط الجنسية عن مئات الألوف من الشيعة العرب والكرد الفيلية والتركمان، وتهجيرهم بالقوة بتهمة التبعية الفارسية، وتم تنفيذ هذا القانون بمنتهى القسوة والوحشية، وذلك بإلقائهم على الحدود الإيرانية الملغومة أيام الحرب العراقية - الإيرانية، بعد أن جردهم من جميع وثائقهم الرسمية التي تثبت عراقيتهم أباً عن جد، ومصادرة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة. كما وقام نظام البعث بحروب إبادة الجنس ضد الأكراد في عمليات الغازات السامة في حلبجة والأنفال، والتغيير الديموغرافي ضد الأكراد عن طريق التهجير القسري الداخلي والخارجي ضدهم، وإرغام نحو أربعة ملايين من العراقيين على الهجرة إلى الشتات، معظمهم من الشيعة والكرد والتركمان والمسيحيين، وجلب النظام الفاشي الطائفي مكانهم نحو أربعة ملايين من مواطني البلدان العربية ومعاملتهم كمواطنين عراقيين، بغية تغيير ديموغرافية السكان طائفياً وقومياً، وغيرها كثير من عمليات التطهير العرقي والطائفي، والجرائم البشعة بحق مكونات الشعب العراقي وضد حقوق الإنسان.
2- غياب العدالة
"العدل أساس الملك" كما يقول ابن خلدون. لذا فإن أهم سبب لعدم استقرار العراق طوال تاريخه هو غياب العدالة أي الظلم ضد مكونات الشعب العراقي على أساس التمييز الطائفي والعنصري. ولهذا نعتقد أن السبب الرئيسي للصراع بين مكونات الشعب العراقي وعدم الاستقرار والازدهار الاقتصادي، هو غياب العدالة والذي بدوره نتيجة حتمية للتمييز الطائفي والعنصري الذي مورس بفظاعة بحق الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية، ولكنه اتخذ شكلاً هستيرياً رهيباً غير مسبوق في عهد البعث الصدامي. وما الاقتتال الذي انفجر بعد سقوط حكم البعث إلا نتيجة حتمية لتراكمات المظالم والاحتقانات عبر عقود من السنين، والتعبير عن شحنات الغضب والاحتقانات المتراكمة، حيث أدمنت الفئة المحتكرة للسلطة على مواصلة الاستئثار بالسلطة وإصرارها على عدم مشاركة المكونات الأخرى من الشعب في الحكم مشاركة عادلة، وللحفاظ على بقائها لا بد وأن تعتمد على سياسة القمع والإرهاب.
3- الردة الحضارية
إضافة إلى ما تقدم، هناك عوامل أخرى ساعدت على إشعال المزيد من الصراعات، منها أن نظام البعث أعاد المجتمع العراقي إلى ما قبل نشوء الدولة وتكوين الشعوب، أي إلى مرحلة البداوة فأحيى القبلية والعشائرية وأجج الطائفية، كما وقام بتدمير الطبقة الوسطى بالكامل وإفقار الجميع.
4- دور دول الجوار في تأجيج الطائفية
كذلك استغلت دول الجوار تعقيدات الوضع العراقي، وبالأخص التعدد الطائفي، وخوفها من نجاح العملية السياسية في العراق، وارتعابها من وصول عدوى الديمقراطية إلى بلدانهم، لذلك ساهمت هذه الدول في تأجيج الفتنة الطائفية، وصب الزيت على النار المشتعلة في العراق لإفشال العملية السياسية ومنع الديمقراطية.
يتبع، ويليه مقال بعنوان: الحلول المقترحة للأزمة العراقية
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=11491&I=296