بقلم : كمال غبريال
الفريق أول/ عبد الفتاح السيسي بصفته القائد العام للقوات المسلحة المصرية، ليس مطلوباً منه أن يكون رجل فكر وتنظير، فلقد قام بواجبه على الوجه الأمثل، في حماية الدولة المصرية من الانهيار على يد عصابة الإخوان المسلمين. ليس الدولة فقط، بل الوطن ذاته. الذي استهدفت الجماعة الإرهابية المحظورة بيعه في سوق النخاسة.
لتشتري وهم خلافة إسلامية وأستاذية للعالم. . السيسي الآن بطل مصري تاريخي، دون مبالغة أو توهم، كما اعتاد الناس في شرقنا الأوسط، أن يصنعوا من الأقزام والحمقى والمجرمين أبطالاً.
لكن السيسي الآن لم يعد في نظر المصريين قائداً عسكرياً محترفاً فقط، بل الغالبية من الشعب المصري ترشحه ليكون "جودو" أو "المخلص" المنتظر، برئاسته للجمهورية.
السيسي أيضاً وهو رجل الأفعال بحكم وظيفته، بدأ يتحدث متطرقاً للتنظير، عبر حواره أخيراً في جريدة مصرية يومية. هنا ينبغي لنا أن ننصت إليه جيداً، لنتبين ملامح الفكر الذي قد يوجه مسيرة بلادنا لعقد قادم على الأقل.
لا نزمع في هذه العجالة تقديم صورة كاملة عما ظهر من فكر الرجل حتى الآن، كما أنه من المبكر التطلع لتكوين صورة واضحة عن فكره، من خلال حديث طويل واحد فقط حتى الآن، لذا سنكتفي هنا بمقاربة نقطة واحدة خطيرة تعرض لها في حواره، وهي رؤيته لجماعات الإسلام السياسي، التي استجاب لرغبة
الشعب في الإطاحة بحكمها الفاشل بجدارة، لكن هذا الرفض الذي نتفق عليه جميعاً، قد يستند لأكثر من موقف وتقييم لتلك الجماعات، فهنالك من يرى أن أداء الإخوان المسلمين في مصر، وسعيهم للهمينة وتفكيك مفاصل الدولة المصرية وأخونتها، ليس نتيجة طبيعية لأيديولوجيتهم، التي ترجع لتراث مؤسسها حسن البنا، وأفكار أبو الأعلى المودودي وابن تيمية وسيد قطب، وإنما لسوء الأداء السياسي لمجموعة القيادات الحالية لمكتب الإرشاد. . يرى هذا من يسمون أنفسهم المنشقين عن الجماعة، كما يراه كثير من المناهضين للإخوان الآن، والذين وقع بعض رموزهم ما عرف باتفاق فيرمونت، الذي أجزل لهم فيه محمد مرسي وقادة الإخوان
الوعود بالمشاركة، ثم كان ما كان من انفراد وهيمنة وأخونة، وصلت لمؤسسات الدولة ذاتها، وليس فقط القيادة السياسية. ومن الطبيعي لمن يقيمون الأمر هكذا أن ينادوا بما يسمى "مصالحة"، وكأنه خلاف حدث على أحد مقاهي القاهرة بين فريقين، ويقتضي الأمر إعادة للسلام والانتظام بالمقهى، بأن تتم المصالحة بين
الطرفين، وأن يعتذر الطرف المخطئ متحملاً "ثمن المشاريب"، وهذا التوصيف ظهر جلياً في مطالبة الوسيط الأخير حتى الآن للإخوان بالاعتذار عما بدر منهم!!. . ما نشهد الآن من محاولات متعددة لإتمام مثل هذا التصالح، وفق تلك الصيغة الساذجة حد الحماقة، ما يقلق منه حقيقة. هو أن تبدو هذه المحاولات
الفردية في ظاهرها، مدفوعة في الحقيقة من قبل من يمسكون بزمام الأمور بالبلاد الآن، ولأن هذا المنحى يبدو متوافقاً مع ما يمكن أن يخرج به المتفحص لكلمات السيسي في حواره المذكور، تحتم علينا طرح الأمر في صيغة تساؤل يطلب الإيضاح من صاحب الكلمات. سوف نضع أمامنا هنا فقرة من الحوار الصحفي المذكور للسيسي، نتناولها على جزئين، أولهما: "السؤال: هل هناك أحد يستطيع أن يجادل أن هؤلاء الإسلاميين حريصون على الإسلام؟!. . لاشك فى
ذلك، لكن المشكلة أنهم لا يستطيعون التفرقة بين ممارسات الفرد فيهم كإنسان وفرد فى الجماعة، وبين ممارساته فى إطار نسق الدولة، وحين حدث خلط وعدم تناغم بين نسق الفرد والجماعة والدولة حدث ما نراه حالياً، فقد جعلوا الناس ترى أن الإسلام عبارة عن تخريب وتدمير، وأريد أن أقول لك إن صورة الإسلام حالياً فى العالم أساء إليها مَنْ يطلقون على أنفسهم «إسلاميين»، من خلال ممارساتهم، فبدا أن هؤلاء الحريصين على الدين أساءوا إلى الإسلام بصورة غير مسبوقة"
هناك إشكاليتان في هذه العبارة، الأولى هي حيثيات الحكم بأنه "لاشك" في حرص جماعات الإسلام السياسي على الإسلام، فهل استدل على حكمه هذا من قراءة أفكار هذه الجماعات المعلنة ومرجعياتهم الفكرية، أم من سلوكهم العملي؟ الإشكالية الثانية هي التصور الغريب الذي أورده، من أن الإشكالية في عدم التفرقة بين ممارسات الفرد كفرد وكعضو جماعة وكمواطن، فما نعرفه أنه خارج نطاق الخصوصيات الفردية، فإن علاقة الفرد بالجماعة والوطن سلسلة متعددة الحلقات، تؤدي كل حلقة منها للأخرى، فاعتقاد الفرد بحرمانية فوائد البنوك وكراهية النصارى أعداء الله مثلاً، لابد وأن تنسحب على سلوكه في الجماعة والوطن، وإلا كنا ننادي بانفصام ونفاق اجتماعي أشد وبالاً. ونستكمل الفقرة في جزئها الثاني: "وأصبح الإسلام مرادفاً للقتل والدم والتدمير والتخريب، ولابد علينا أن نقيّم الأمور
بشكل فى منتهى التجرد ونرى كيف يرى العالم الإسلام، خاصة فى بلادنا، ويجب أن نرى كيف ترى الدول الأخرى الإسلام، والمشكلة فى التطبيق لا محالة، وليست فى المنهج أبداً، التطبيق هو الذى أخرج هذا الشكل الذى أساء إلى الإسلام، فى جميع دول العالم، من خلال سلوكيات وأفعال لا علاقة لها بالمنهج." سوف نقارب هذا الكلام بذات منهج التساؤل المخلص رغبة من تلقي الإيضاح لما قد يكون قد اختلط علينا في مضمون هذه الكلمات، فما ورد من أن خطأ جماعات
الإسلام السياسي هو في التطبيق وليس المنهج، يدفعنا لأن نتبين حقيقة موقف السيسي من هذا الأمر، إذ يبدو هكذا أنه لا يرى المشكلة في صميم منهج وفكر هذه الجماعات الإرهابية، التي خرجت كلها من حضانة جماعة الإخوان، بما يوجب السعي لاستئصال هذا الفكر الفاشي من التربة المصرية، وإنما يرى أن الأمر لا يعدو تحسين الأداء السياسي لجماعة الإخوان، مع ما قد يترتب على ذلك عاجلاً أو آجلاً، من السير في طريق الخلافة الإسلامية والهيمنة على الحياة الشخصية
للبشر، وفق ما يهدف منهجهم وأيديولوجيتهم. هنا نأتي إلى تساؤل آخر، فإن كان السيسي يرى أن "المشكلة فى التطبيق لا محالة، وليست فى المنهج أبداً"، يكون مطلوباً منه أن يوضح لنا ماذا يقصد بالمنهج، إن كان يقصد منهج الدين الإسلامي الوسطي الذي يعتنقه الأزهر وعموم مسلمي مصر مثلاً، أم منهج الإخوان والجماعات الإرهابية التي تدعي أن هذا منهج الإسلام، وأن من عداهم كفار وأعداء لله ولرسوله، لأن إشارته إلى خطأ التطبيق دون تبعية على
المنهج قد يحدث خلطاً لا مبرر له. نناقش هنا السيسي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، والذي توجه إلينا بالحديث، وعليه أن يرد على ما أثار حديثه من تساؤلات، فنحن نحتاج أن نفهم أكثر عمق وطبيعة أفكار الفريق أول/ عبد الفتاح السيسي، إذا كان ينتوي الترشح لرئاسة الجمهورية، أما إذا ظل في منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، فيكفينا ما تجلى منه، ومن زملائه أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من شجاعة وإخلاص وبطولة في إنقاذ مصر من الضياع.
إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=115568&I=1695