في يوم الأرض... ينتفض شهداء الوطن...!!

طلعت الصفدي

بقلم- طلعت الصفدى
في الثلاثين من شهر آذار (مارس) من كل عام ينتفض شهداء يوم الأرض قبل هذا التاريخ وبعده، لكن شهداء الثلاثون من آذار عام 1976 يحطمون قبورهم المتواضعة، وتتفسخ الأرض من تحتهم، وتسيل دماؤهم التي امتزجت بتراب الوطن، ينتصبون كأشجار اللوز والليمون والبرتقال رافعوا راية النصر بشموخ وكبرياء الأرض التي من أجلها سقطوا، يلطمون بسخرية ومأساة وجوه كل المؤسسات الرسمية والشعبية، وكل القوى والأحزاب والحركات الوطنية والإسلامية، وكل مكونات المجتمع المدني على جباههم وعلى قفاهم الذين تخاذلوا في الدفاع عن الأرض الفلسطينية، يؤكدون لهم جميعا ويذكرونهم حتى لا ينسوا في زحمة الصراع على السلطة والحكم والمال، أن الصراع الحقيقي بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية ودولتها إسرائيل دائماً على الأرض، ثم ينسحبون نهاية يوم الأرض ليعودوا من جديد إلى بيوتهم الأبدية الأرضية، ليعاودوا الكرة مرة أخرى ليذكروهم بواجبهم الوطني مع كل عام .

تنتفض الشهيدة خديجة قاسم شواهنة ابنة قرية سخنين، وينتفض معها الشهيد محسن طه من قرية كفركنا، والشهيد خير ياسين من قرية عرابة، والشهيد رأفت على زهيرى من قرية نور شمس الذي استشهد على تراب قرية الطيبة، والشهيد رجا أبو ريا من قرية سخنين، والشهيد خضر خلايلة من قرية سخنين أم الشهداء، كما ينتفض كل عام الشهداء قبل الثلاثين من آذار (مارس) وما بعد الثلاثين ليشكلوا معاً وحدة الشهداء، وحدة الأرض الفلسطينية دفاعاً عنها في مواجهة غول الإستيطان ومصادرة الأراضي، ضد سياسة الإضطهاد القومي والتفرقة العنصرية، ضد تكثيف عملية تهويد الجليل والمثلث والنقب، ضد كل محاولات خنق المدن والبلدات والقرى العربية، ضد أوامر الهدم لمنازل المواطنين وتحويلهم لمتشردين، معركة ضد التحريض باعتبارهم جزءاً من الشعب العربي الفلسطيني، معركة ضد سياسة التجهيل ودعوات الترانسفير، فمعركة الجماهير العربية في إسرائيل اليوم هي معركة البقاء على أرض الأجداد والآباء

لم تفلح المفاوضات والإتفاقات منذ أوسلو وحتى الآن لوقف الإستيطان وغلاة المستوطنين، ولم تنجح المقاومة المبتورة كذلك، بل تصاعدت وتيرتها وتسارعت مصادرة الأراضى وبناء الوحدات السكنية على الأرض الفلسطينية، وزادت المستوطنات العشوائية والمخططة، وأثبتنا عجزنا عن حماية الأرض والدفاع عنها، واضعنا الوقت في صراعاتنا الداخلية، نرى الأرض تسرق وتنهب وتصادر وتحوط وتتحول في البدء إلى مواقع عسكرية ثم إستيطانية، يجلب المحتلون إليها المحتلين والمهاجرين الجدد من إفريقيا السوداء إلى أوربا البيضاء ولا أحد يلتفت بشكل جاد لمقاومة هذا السلب وهذا النهب، فهل قبض أحد على القاتل والسارق الذي يجد في الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من يأويه ويحميه من غضب الشعب، ومن تخاذلنا وغياب إستراتيجيتنا الكفاحية الشعبية والجماهيرية، ولن تفلح كل محاولات الشجب والإستنكار والإدانة فلا أحد يسمعنا سوى أنفسنا.

لقد غابت الخطة الوطنية لمواجهة الإستيطان باعتبار أن الأرض هي الوطن والهوية، والتاريخ والحضارة والتراث والوجود، وهي مركز الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي كما عبر عن ذلك في كراسته منسق الأمانة العامة لحزب الشعب الفلسطيني وعضو المكتب السياسي للحزب سابقا عبد المجيد حمدان (أبو وديدة) الذي أكد "أن الصراع على الأرض هو محور الصراع الفلسطيني – الإسرائيلى كونه الجبهة الأطول عمراً، والأشد سخونة والأكثر تواصلاً واستمرارية، ومنذ نشأة القضية الفلسطينية وحتى الآن" كما أكد في كراسته الهامة "أنه منذ تفجر الصراع برزت للأرض قيمة وطنية أعلى بكثير وأغلى بكثير من قيمتها الإستعمالية".

فهل امتلكنا خطة وطنية حقيقية لمواجهة قطعان المستوطنين، واليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى بكل الوسائل لامتلاك الأرض الفلسطينية بكاملها وطرد السكان الأصليين أصحاب الأرض الحقيقيين منذ فجر التاريخ وممارسة سياسة الترانسفير؟؟

لم نمتلك حتى الآن تلك الخطة.. فكيف إذاً سنحافظ على أرضنا من الإبتلاع والقضم؟؟ لقد تبين من متابعة الفعاليات المختلفة أن المقاومة الجماهيرية الباسلة والإصرار على مواصلة الكفاح الجماهيري في بلعين ونعلين والمعصرة وسائر البلدات والقرى التي تتعرض أراضيها للمصادرة أو المهددة بالمصادرة أو إقامة جدار الفصل العنصري الذي يبتلع أراضيها، تعتمد في أساسها على أصحاب تلك الأراضي ولم تتحول المعركة الحقيقية مع الإستيطان إلى حركة جماهيرية واسعة في كل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبإسناد من لجان الدفاع عن الأراضي ولجان التضامن العالمية.
صحيح أن فرق التضامن الأسبوعية التي تحتج على السياسة العنصرية والإستيطانية تفضح وتوسع دائرة التعاطف مع أصحاب هذه الأراضي لكنها تبقى محدودة وبطيئة التأثير في السياسة الإسرائيلية التي تجاهلت كل الإتفاقيات الموقعة معها، وحتى خارطة الطريق ومؤتمر انابولس دون جدوى. 

في كل عام ينتفض شهداء الأرض ويعلنون احتجاجهم على تراجعنا وتخاذلنا، وتعمق انقساماتنا، وزيف شعاراتنا تفتقر لممارسة حقيقية للدفاع عن الأرض وحمايتها ونكفى أن نقول الأرض تتكلم عربي، لقد أجبرها المحتلون على أن تتكلم لغة الايدش واللغة العبرية وهذا يتطلب جملة من الخطوات لحماية الأرض وفى مقدمتها إنجاح الحوار الوطني الشامل فوراً بعيداً عن المماحكة والنقاشات غير المسئولة حول الحكومة والإنتخابات والأمن ومنظمة التحرير وقضايا المصالحة والتوصل إلى توافق وطني لإنهاء حالة الإنقسام وإعادة الروح الكفاحية الوطنية للشعب الفلسطيني التي تضررت سمعتها عربياً ودولياً، وإعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وليست قضية إغاثية وإنسانية على الرغم من أهميتها، وعلى كافة القوى أن تعيد العافية للشعب الفلسطيني وأن تتوقف عن الصراع على سلطة موهومة محكومة بقوانين الاحتلال، وحشد كل الطاقات والمؤسسات الرسمية والشعبية والجماهيرية للتصدي لغول الإستيطان وتعزيز صمود المزارعين والفلاحين وأصحاب الأراضي لضمان ثباتهم على أرضهم، وتوفير كافة المستلزمات لهم، وفي مقدمتها الدفاع عن مدينة القدس كعاصمة أبدية للدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، وحماية أهلها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية من خطر الإقتلاع والإبعاد، ومواجهة كل محاولات عزلها عن محيطها الفلسطيني والعربي. 

في يوم الأرض الخالد، في الثلاثين من آذار (مارس) من كل عام ودماء الشهداء لم تجف بعد، لا زالوا يؤكدون على أن الصراع على الأرض هو الأساس، وهى المعركة الحقيقية فلا تحاولوا حرف الأنظار عنها ولنتجند لنصرتها والدفاع عنها.
للجماهير العربية داخل الخط الأخضر كل التحية والوفاء لأننا جزء منهم وهم جزءاً منا، منهم نستلهم المقاومة الحقيقية، ومنهم نتعلم دروس الصمود والبقاء والتحدي.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع