ثورة القساوسة والقمامصة واستقالة الأب متى المسكين (10)

د. ماجد عزت اسرائيل

بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
عندما تولى الأب متى المسكين وكيلاً للبطريركية بمدينة الإسكندرية في مارس 1954م، كانت البطريركية تمر بمرحلة من التدهور والضعف الاقتصادي؛ ويرجع ذلك إلى سيطرة مجموعة من القمامصة والقساوسة على مواردها المالية؛ مما عرضها للأزمة مالية وتعرضها للديون، لدرجة أصبحت الإدارة غير قادرة على دفع أجور رجال الدين والعاملين بها، وعدم قيامها بخدمتها الاجتماعية تجاه شعبها؛ مما أوشك على قيام الشعب القبطي بالإسكندرية بثورة ضد البطريرك.
ولعلاج هذا الفساد الإداري الذي تقشى في كل جسم الإدارة، لجأ الأنبا "يوساب الثاني" البطريرك رقم (115) (1946-1956م) إلى انتداب الأب متى المسكين لتدارك الأمر، للحفاظ على سلامة البطريركية وشعب الكنيسة.
ومنذ اليوم الأول لتوليه المسئولية، قام باستخدام الأساليب العلمية لعلاج فساد الإدارة؛ عن طريق التخطيط العلمي المنظم فعمل على حصر موار البطريركية من أوقاف ومشروعات ونذور وتبرعات وعشور وغيرها، وأنشأ سجلات ورقمها وختمها وسجلها بوزارة الداخلية، وعمل ميزانية مالية لكي ما يوازن بين حجم النفقات والإيرادات.
وأيضًا قام بحصر عدد القمامصة والقساوسة ببطريركية مدينة الإسكندرية ودفع لهم مرتباتهم المتأخرة، بل الأكثر من ذلك حدد لهم الأجر الشهري بعد زيادتها لكي ما يتماشى مع ظروف العصر، لدرجة أنه كان أكبر خريج الجامعة، بالإضافة إلى العلاوات السنوية والمكافآت في الأعياد الكبرى، وللحافظ على هيبتهم ومكانتهم الدينية الرفيعة منعهم من أخذ أموال من الشعب، بعد أن وجه الشعب إلى دفع تبرعاتهم بصناديق الكنائس.
وبعد مضى أقل من ثلاثة أشهر استطاع الأب متى المسكين من تنظيم الإدارة وسداد مرتبات العاملين بالبطريركية من رجال الدين والإداريين، وسداد الديوان التي كانت قد وصلت إلى خمسة آلاف جنيه مصري، وأصبح ميزان المدفوعات في تزايد مستمر وفي صالح البطريركية.
وبدأت أعين المسئولين في كل كنيسة تابعة لبطريركية مدينة الإسكندرية، في تشكيل لجنة لحصر الدخول والخدمات فارتفع الدخل بها، وأثناء ذلك تبين للجان الحصر استيلاء مجموعة من بعض القساوسة والقمامصة على مرتبات أكبر من زملائهم، فأدى ذلك إلى وجود اختلافات فيما بينهم.
وأدى هذا الانضباط والانتشال السريع للبطريركية من علاج فساد الإدارة وتنظيم الخدمة، ومشكلة الديوان وضبط موارد البطريركية؛ إلى تكتل مجموعة من القساوسة والقمامصة وبعض أعضاء من المجلس الملي ضده ظلمًا، وشكواها لدى البابا يوساب الثاني الذي كان يعرفهم جيدًا، وفى كل مرة كان يطيب البطريرك الأب متى المسكين ويسر على بقائه للقضاء على هؤلاء الفساد لانتشال البطريركية، وهذا ما تحقق بالفعل.

على أية حال، لم يستطع الأب متى المسكين البقاء بين هؤلاء من أجل الحفاظ على حياته وسلامة الروحي واشتياقه إلى البرية، فتقد باستقالته إلى البابا يوساب الثاني في مايو 1955م لإعفائه من هذا المنصب، وبعد عدة محاولات حاول فيها البابا أقصاها عن هذه الاستقالة، ولكن الأب متى المسكين رفض البقاء وفضل الرحيل في هدوء إلى دير السريان.