هل تصر الحكومة على تكريس التمييز الديني بين مواطنيها؟

هاني دانيال

بقلم -هاني دانيال
لم أفاجئ بافتتاح مسجد النور الذي ثار بشأنه جدل إبان افتتاح كنيسة مقابلة له منذ شهور وما ترتب على ذلك من احتقان شديد ليس في منطقة عين شمس فقط بل بمصر كلها، والشعور بالآسى والحزن لكل المصريين الموجودين بالخارج الذين يشعرون بالآسى على ما يتعرض له الأقباط بالخارج وهو الوضع الذي أصبح يتكرر كثيراً في الفترة الأخيرة دون أن تتخذ الدولة أي خطوة من شأنها التأكيد على احترام الدستور والقانون أو حتى الالتزام بما وقعته عليه من مواثيق وإعلانات تتعلق بحقوق الإنسان!
 

إذا كانت كنيسة عين شمس واجهت الكثير من القيود والمعوقات واضطر الأقباط هناك إلى الصلاة في المبنى حتى الحصول على ترخيص كان الإخوة المسلمين يقومون بتشييد مسجد دون ترخيص من أجل إحراج السلطات الأمنية التي غالبا ما ترفض الموافقة على بناء كنيسة -بعد استنزاف الوقت والجهد ومرور سنوات- في حال وجود مسجد قريب من المكان المزمع بناء كنيسة عليه فما بالك لو كان المسجد أمام الكنيسة مباشرة؟!

بالطبع الجهات الأمنية لم تفعل شيئاً حتى وقعت الكارثة وبعد المشاحنات المستمرة بين المسلمين والأقباط هناك ونقلت الصحف والفضائيات ما حدث دون أن تشعر الحكومة بأي حرج ودون أن يأخذ الحزب الوطني الذي تتحدث قياداته على احترام المواطنة والمساواة أي خطوة من شأنها وقف هذه الإهانات للدستور والقانون قبل أن تكون إهانة لشخص أو لجماعة!
 

وبعد الضغط على الكنيسة من أجل منع الصلاة بالمكان أغلق المسجد لفترة قصيرة حتى أعيد فتحه، أما الكنيسة فلا أمل في الموافقة على بنائها وغالباً ما سيتم الطلب من الكنيسة إغلاقها نهائياً وتحويلها لمستشفي أو مكان اجتماعي لأنه أصبح من المستحيل بناء كنيسة ويقابلها مسجد!
 

أذكر أن قداسة البابا شنوده نوّه من قبل على هذه الخطوة حينما أكد على أنه غالباً ما يتم بناء مسجد أمام كنيسة بدافع أن ذلك ترسيخ للمواطنة والوحدة الوطنية والأخوّة بينما في حال طلب بناء كنيسة أمام مسجد فيتم رفض الطلب لدواع أمنية رغم أن الأقباط يريدون أيضاً بناء الكنيسة أمام الجامع كنوع من الوحدة الوطنية والأخوّة!

الغريب أن يتم إعادة افتتاح المسجد في ذكرى مرور عامين على التعديلات الدستورية التي أكدت على المواطنة والمساواة في صدارة الدستور المصري في مفارقة غريبة قد لا نجدها إلا في مصر التي غالباً ما تقول عكس ما تفعل؟!

يبدو أن الحكومة تؤكد بموافقتها على ذلك على أنها تكرس للتمييز وأنها تُفرّق بين مواطنيها على أساس الدين وهو وضع مؤسف من دولة سبق أن شاركت في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتوقيع عليه!

الحكومة تعبر عن غضبها في حال انتقاد الأقباط الوضع الراهن وتكرس أقلاماً لمهاجمة أقباط المهجر في حال انتقادهم لأوضاع حرية الاعتقاد في مصر، بل والهجوم على الكنيسة في حال الانتقاد الوضع الراهن أو حتى التعاطف مع الأقباط والتعبير عنهم سياسياً!

لا أطالب بإغلاق المسجد فلا يمكن أن أدعو لذلك ولكني أدعو للموافقة على بناء الكنيسة والترخيص لها كنوع من المساواة بين كل المصريين وتأكيد لمبدأ المواطنة فعلياً والتأكيد على أن مصر بوتقة لكل الأديان وأن مبدأ المساواة هو الفيصل في التعامل مع المواطنين دون تفرقة بينهما، ودون ذلك تظل الحكومة مدانة ومتهمة بتكريس التمييز الديني!

وحسب واقعة رواها لي أحد المقيمين بنفس المنطقة أنه سبق في سبعينيات القرن الماضي حيث تم وقف بناء كنيسة بسبب رفض إخوة مسلمين قيامها واضطرت الكنيسة إلى إغلاقها وبناء مستشفى الحق بدلاً منها مع الإبقاء على المسجد المقابل لها وحتى الآن لم ترى الكنيسة النور ولم يتم تعويض الكنيسة عن أرض جديدة بدلاً من المكان الذي تحوّل لمستشفى!

الدولة تتخلى عن مبادئها وترسخ للتمييز على أساس الدين وتضرب بالدستور أبو القوانين عرض الحائط ولا يهمها مظهرها أمام المجتمعي الدولي، وكل ما تملكه هو انتقاد أي تقرير خارجي ينتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر رغم أن الحكومة هي التي تعطي مبرر انتقادها للعالم دون أن تقدم على خطوة إيجابية من شأنها تغيير الأوضاع الراهنة.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع