البديل-كتب- محمد إبراهيم
بالصوت والصورة رصدت «البديل» جزءاً من العالم السري لأطفال الشوارع، فعلي بعد نحو 200 متر من منزل اللواء حبيب العادلي، وزير الداخلية، في ميدان لبنان بالمهندسين، رصدت الكاميرا مجموعة من الأطفال أجبرتهم ظروف اقتصادية علي اللجوء إلي الشارع، وعلي ناصية الشارع اختار الأطفال حواجز تأمين الوزير.
الأطفال هنا ليسوا مجموعة من مدمني المخدرات، لكنهم ضحايا حكومة تناستهم، وظروف اجتماعية واقتصادية فككت أسرهم وطردتهم إلي الشوارع والكُلّة ليختموا مشهدا معقدا يكشف عن مصر التي لا تريد الحكومة أن تراها، ولا يشعر بها وزير الداخلية الذي تفرغ لحصار المعارضة وسحل النشطاء. رصدت «البديل» حالة الأطفال بالصوت والصورة وتحتفظ بأسمائهم الحقيقية ونسخة الفيديو للجهات المختصة.
في الطريق إلي بيت العادلي قابلتهم، مجموعة تتكون من 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والثامنة عشرة يجلسون مستندين إلي حاجز أمني يحمي وزير الداخلية علي ناصية شارعه، اقتربت منهم فلم تبد استجابة، لمحت زجاجات فارغة يضعونها بعناية في أكمامهم ويشمونها بهدوء من يعرف أن هذا هو مكانه وأن ما يشمه قدره المحسوم.
اقتربت منهم فمدوا أعينهم بقلق ثم ابتسموا حين وجدوا زجاجات عصير معي، وقتها عرفت أن شيئا من التفاهم سوف يحدث بيننا وقد كان. قام أحدهم وطلب زجاجة العصير، ضحكت وقلت له «وتديني القزازة إللي معاك؟» ابتعد الصبي وأخفي الزجاجة كأنها كنز، اقتربت منه وأعطيتهم زجاجات العصير وسألتهم عن أسمائهم فسألوني بخفة دم عن وظيفتي قلت:«أنا صحفي» ابتسم الأطفال وأجابوا: «إحنا قاعدين هنا جنب الحكومة».
تحدثت معهم عن «الكلة» التي أدمنوها، وبدأت أخرج الكاميرا ففزعوا، حاولت تهدئتهم قليلاً وقطع صمتنا طفل صغير يزحف علي الرصيف باكيا، فسألته: مالك؟ أجاب دون تردد: «عربية خبطتني»، كان الطفل يمسك ذراعه ويتلوي من الألم فيما التف حوله الأطفال وتعاونا علي حمله بعيدا عن حافة الرصيف، في تلك اللحظة اعتبرني الأطفال جزءا من مجموعتهم وبدأ طفل يدعي أحمد «13 سنة» يروي حكايته.
قال أحمد: «أبويا ميت، وأمي عايشة بس أنا بنام في الشارع ونفسي يبقي عندي فلوس وعجلة وشقة فيها سرير وما أشحتش من الناس»، صمت أحمد فسألته عن الكُلّة فرد غاضبا: «أيوه باشم كلة.. أعمل إيه يعني.. قاعد لوحدي وبنام في الشارع ومعنديش بيت ولا مكان أروح له، وأنا رحت مؤسسة رعاية أحداث زمان وكانوا بيضربوني هناك، والله أنا عاوز أرجع البيت بس مش عارف بيتنا فين لأن أمي عزّلت»، صمت قليلا فسألته عن الشرطة فرد أحمد ضاحكا: «الحكومة عارفاني وعارفة إني باشرب كلة مع العيال هنا والناس كلها عارفة هاخاف من إيه».
فجأة قطع حديثي مع أحمد صبي آخر يدعي عمر «15 سنة» كان في حالة عدم اتزان، تحدث عمر فورا أمام الكاميرا قائلاً: «أبويا مات وأمي سابت البيت فهربت للشارع، ونفسي أتعلم ويبقي عندي شقة وموتوسيكل وكمبيوتر وألعب زي العيال، وأنا باقعد هنا، والحكومة عارفة إن إحنا هنا 24 ساعة في اليوم وبنشم كلة».
كان إبراهيم أكبر أفراد المجموعة سنا فهو يبلغ نحو 18 عاما، وبدأ حديثه معي باستنشاق جرعة من المخدر ثم قال: «أنا من ميت عقبة ومعايا 3 إخوات، وكنت باشتغل في محل فراخ ودلوقتي بامسح عربيات في ميدان لبنان، وحاولت كتير أدور علي شغلانة أدفع بيها إيجار الشقة وأصرف علي أمي وإخواتي بس ما فيش فايدة، بس والله أول ما ربنا يكرمني وألاقي فلوس هابطل كلة وأرجع لأمي عشان أصرف عليها وعلي وإخواتي التلاتة».
بعد إبراهيم تحدث عصام «13 سنة» قائلاً: «بص ما تصورش الكُلّة أصل أبويا وأمي عايشين وأنا هربت منهم، وقعدت في الشارع آكل من أي حتة وأمسح عربيات وباكسب 10 أو 20 جنيه في اليوم بس مافيش زي بيت الأهل، وماحدش سأل فينا غير جمعية من 6أكتوبر جابتنا وأكّلتنا ولعبوا معانا شوية وبعدين رجعونا الشارع تاني، سألته: إنت عارف إن وزير الداخلية ساكن هنا؟ فأجاب ضاحكا: «أيوه طبعا وعارفين إن الحكومة كلها هنا بس أنا مش عايز أتبهدل».
التف الأطفال حولي وأمام الكاميرا بدأوا يغنون بعض أغانيهم الخاصة جداً، غني الأطفال: «كنت ماشي وجراحي جوه قلبي معلمة، والدموع فوق الخدود نازلة وعيني ليها مسلّمة، قلت أدعي ربنا ورفعت إيدي للسما، وأتلفت لقيتني واقف عند باب المحكمة»، وقطع الأطفال الأغنية ليختموا بأخري تقول كلماتها: «مشوار حياتي زي كل الناس بدأ بالبكا علي لحظة ميلادي / ومن يوميها الحزن في قلبي/ أجري تجري الأيام ورايا/ مين هيسمع شكوتي والكل زي حالاتي»
http://www.copts-united.com/article.php?A=1167&I=32