إن جئتك أصرح بحبى

بقلم: نادين البدير

إن جئتك وصرحت لك بحبى.. فهل سأبقى بنظرك سيدة فاضلة ونبيلة؟
وهل سأفكر يوماً بهذه الفعلة المشينة تقليدياً؟
أنا التى يغريها الحديث عن هتك الجمود والموروث.. التى تؤمن بأن الحبس إهانة للفكر قبل الأعضاء.
 أنا.. الحرة دون انفصام.
أتشوش وأفكارى عند مسائل متخبطة المعانى كالكرامة والكبرياء.
لا أسمح لذاتى بالتعبير عن نفسها.. أبقيها فى طور تنازعات لم تصل لاتفاقية بعد.
اتفاقية تحدد أطر السيدة.. السيدة النبيلة مجتمعياً.
السيدة، ذات المواصفات المحسومة، لكن الاتفاقية لم تخرج إلى النور بعد.
أهو نبل أن أحب وأتخفى؟ تحضرنى المشاعر فأُظهر العكس باسم الكبرياء! أنا لم أحارب صمت المشاعر عند ثورتى على القيم.
هل من حقى أن أعبر عن مشاعرى، بل هل من واجبى؟ وكيف أبقيها حبيسة؟ وأتغنى صامتة بحبك السرى.. سر لا يتجاوز حدود صاحبة الفضيلة.
سبق أن صادقت ووقّعت بعلو صوتى على كل اتفاقيات الحريات النسوية..  أهمها تلك التى تكفل لها حرية المسكن والتنقل واختيار الشريك. آمنت أن من حق المرأة أن تختار الشريك، شريكها الذى فضلت ضمنياً أن يبدأ هو العرض.. أردت لها أن تختاره نظرياً وعبر العقود الدولية، لكنى حرمتها وحرمتنى من فعل الاختيار.. إذ كان لدىَّ تحفظ هائل على من يبدأ أولاً.
ألم يكن تحفظى تمييزاً؟
كان ذلك ماضياً.

من الرجل الذى أحب اليوم؟
أهواه يستمع لتصريحاتى دون أن يخدشها، معتقداً أنها إهانة لنبل السيدة.
أهواه لا يأبه إن كان هو المتلقى.
أعرف أن السيد لا يريد امرأة تصرح له بحبها على المكشوف أو بالتلميح.. يريد من تنتظر أن يلقى عليها بعواطفه، كما سيلقى بجسده وأمواله وأوامره.
فهل مِثله جدير بأن يكون عاشقاً لامرأة وقّعت على سيداو؟
ذاك الذى هواه امرأة متلقية.. ألذلك تخشى السيدة من التعبير الأولى؟
إذ كيف ستنجو من الفضيحة.
الفضيحة التى ستلازمها حياتها. لقد عبرت عن حبها لرجل يعتبرها أختاً، أو رجل يكره أن تعترف له امرأة.
هل ستخذلنى الإهانة وتكسر كبريائى؟
هل يشعر بذلك الرجال أيضاً حين أرفضهم، أم يعتبرونه عادياً أن تخذلهم المشاعر المقابلة، أو ترفضهم؟ هل اعتادوا الإهانات؟
لم عدت من جديد لأعتبرها إهانة؟
لأنى لاأزال محصورة فى فكر قديم. فكر عيب التعبير.. واقع طبيعى أن يشعر المرء بانجذاب قد لا يحمله الطرف المقابل. يرفضه الآخر فيبحث عن شخص جديد. هذه هى الحياة.
لكنى مازلت محاصرة بداء العيب. فأنا أعيش بمنطقة عربية. مازالت التناقضات تشغلنى، فى حريات جمة أحكى عنها وفى قيد أضعه بنفسى أمام تقاليد رجال العرب وشطحاتهم. وقيودى الذاتية كثيرة.
 لعلى كنت أستمتع بدور المتلقية. ربما معجبة ببقايا ذكرى الفرسان.  حيث الحب الأوروبى المشابه للحب العذرى العربى القديم. مع علمى أن كليهما اختراعان من صنع شعراء الجزيرة العربية وشعراء إيطاليا.

المهم، كل ذلك كان ماضياً. فأمور كثيرة تغيرت. لم أعد أريد حبا وحيداً مصمماً لتضييع الأوقات اليومية المملة لنساء زمان. ولا وقت لدى للانتظار فلست عاطلة. كما أنى عملية لا أضيع الفرص الثمينة فلست غبية. اتخذت هذا القرار حديثاً، بعدما التقينا. صدفة.. مثلما نلتقى دائماً.
صرت أريد حبا آخر من طراز حديث. أغامر فأبدؤه أنا، أياً كانت النتيجة.
كم تغوينى هذه المغامرة بعدما كنت أعدها عاراً. اكتشفت واحدة من متع الرجال، الأسياد.
لا أحسب حساب تقاليد الحب. الحب ليس له تقليد. ولا وجود لعلاقة بين الفضيلة وبين صمتى وانتظارى.
أقرأ لنزار قبانى قصيدته (مع الجريدة).
 تتركه يذهب أدراج الرياح دون أن تقوم من مقعدها لتلحقه فتعلمه عن نفسها ووجودها. ترقبه يختفى وتبقى خلفه ساكنة.  تبقى مثل جريدته وحيدة.
وأستمع لأم كلثوم تشدو بحرقة معلنة عن حبها الصامت: حيرت قلبى معاك وانا بدارى واخبى.. بدى أشكيلك من نار حبى.. بدى أحكيلك ع اللى فى قلبى.. لكنها تتراجع وتردد بكبرياء المهزومة: «وعزة نفسى منعانى».
نحن لسنا فى عصر نزار ولا أم كلثوم، بل فى عهدنا، أنت وأنا، عهد بدايات جديدة، لا كرامة بها ولا عزة نفس فى جمود عاشقة كسيرة وحيدة. السيدة فقط من تعلن عن نفسها. عن كل شىء. هذه هى الاتفاقية.
انتهى

بعد أيام من نشر سطورى السابقة. قررت أنى مدعية.
أبلغك من خلال عمود موجه للملايين عسى أن تفهم أنك المقصود، تماما كما فعلت أم كلثوم من خلال الأغنية.
أتجرأ فأعلن للملأ عن حبك ولا أعلمك عن نفسى.
سئمت ذلك. اتجهت صوبك، طرقت الباب ودخلت لأحكى لك. دخلت لأطبق ما أنادى به.
لأول مرة يترتب اللقاء. أنا رتبته.
أخذت تحكى فى العمل والسياسة كعادتك، لم تنتبه أنى شاردة بصعوبة فى تطبيق الأفكار الورقية.
رواسب الماضى ذكرتنى بنبل السيدة الصامتة.. أقوال ترددت فى أذنى عن وجع الانفتاح.
لا يهمنى.
كل ما أعرفه أنك رجل لا يعبر حياة المرأة سوى مرة واحدة، وقد لا يمر أبداً.

- جئتك أصرح بحبى.
يومها فقط وقعت على الاتفاقية.. يومها ألغيت كل التحفظات.
واليوم. وكل يوم معك. أتأكد أنك كما حسبتك. لا تأتى مرتين.

Albdairnadine@hotmail.com
نقلا عن جريدة المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع