جرجس بشرى
كتب: جرجس بشرى- خاص الأقباط متحدون
يعتبر عام 2009 من الأعوام التي تصاعدت فيها وتيرة الإنتهاكات الحقوقية ضد الأقباط بصورة ملموسة، في هذا العام قمعت الحكومة المصرية لحرية التحول الديني (من الإسلام إلى المسيحية) لدرجة أن تدخلت الحكومة كخصم في قضايا التحول من الإسلام إلى المسيحية، خاصة في قضية المتنصر المصري بيتر أثناسيوس "ماهر الجوهري بالميلاد"، وكذلك قضية المُتنصر المصري محمد حجازي "بيشوي".
كما لوحظ في هذا العام زيادة مُطردة في حوادث الاعتداء على أقباط مصر لدوافع دينية بحتة بهدف محاولات منع الأقباط من إقامة شعائرهم الدينية أو منعهم من بناء وترميم دور عبادة (كنائس) في مناطق متفرقة من الجمهورية، كما لوحظ ولأول مرة تطور أساليب الاعتداء الطائفي من قبل بعض المسلمين على أقباط مصر في ظل غياب شبه كامل من قبل الحكومة المصرية في ردع الجناة.
كما رصدت وسائل الإعلام القبطية وبعض وسائل الإعلام الخاصة بمصر ارتفاع معدلات اختفاء الفتيات القبطيات القاصرات (القواصر) على إيدي شباب مسلم وأسلمتهن دون أن تتخذ الحكومة المصرية وخاصة جهازها الأمني التدابير المطلوبة لإعمال القانون، لدرجة أن رصدت بعض المنظمات الحقوقية القبطية تواطؤًا ملحوظًا من قبِِل الجهاز الأمني المصري في معظم حالات اختفاء الفتيات القبطيات مع الجُناة.
وقد رصدت مواقع قبطية حقوقية وعلى الأخص موقع الأقباط مُتحدون وجود عددًا كبيرًا من القرى المصرية بلا كنائس، وعدم سماح الجهات الأمنية والمسئولة في الحكومة ببناء كنائس في هذه القرى.
وعلى الجانب الآخر تم رصد حالات إزدراء للمسيحية في كتابات بعض الشيوخ التابعين للمؤسسة الدينية الرسمية "الأزهر"، ومن أهم هذه الكتابات كتاب "تقرير علمي" للمفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة والذي تم توزيعه مع مجلة الأزهر، وقد وصف الكتاب المسيحية على أنها ديانة شِرك ووصف الكتاب المقدس بـ"المحرف"، كما تم رصد فتوى إسلامية صادرة من دار الإفتاء المصرية وموقع عليها من مجمع البحوث الإسلامية تصف الكنائس بحظائر الكلاب والقطط والخنازير.
وسوف نرصد في في هذا التقرير الحقوقي الهام حصاد أهم الحوادث والإنتهاكات التي وقعت ضد الأقباط والأقليات الدينية في مصر خلال عام 2009 بنوع من التفصيل بعد المرور العابر على أهم هذه الانتهاكات:
(أولاً) إزدراء الديانة المسيحية:
* كان نجيب جبرائيل "الناشط في مجال حقوق الإنسان بمصر" قد تقدم بطلب لإستصدار فتوى من دار الإفتاء بالأزهر الشريف لمعرفة الرأي الشرعي في جواز تبرع المسلم للمسيحي ببناء كنيسة وكان رد أمانة الفتوى بأنه يحرم على الشخص أن يوصي بما يفضي إلى معصية، كما شبهت الفتوى الكنائس بحظائر الكلاب والقطط والخنازير، وهو ما يعتبر بمثابة إزدراءًا واضحًا بدور العبادة المسيحية (الكنائس).
* خلال شهر ديسمبر 2009 قامت "مجلة الأزهر" بتوزيع كتاب يزدري الديانة المسيحية من خلال كتاب "تقرير علمي" لمؤلفه الدكتور محمد عمارة، وقد وصف الكتاب المسيحية بأنها ديانة شِرك، واتهم الكتاب المقدس بالتحريف، وقد طالبت منظمات وأصوات قبطية الحكومة المصرية بسرعة التحقيق مع عمارة، كما تقدمت منظمة الإتحاد المصري ببلاغ رسمي إلى النائب العام متهمة عمارة بإزدراء المسيحية، وقام النائب العام بالتأشير على البلاغ والمطالبة بالتحقيق مع عمارة أمام محكمة أمن الدولة العليا إلا أنه حتى كتابة هذا التقرير لم يتم التحقيق فعليًا مع عمارة من قبل الدولة.
(ثانيًا) القضاء المصري يحكم على كاهن بالسجن المُشدد 5 سنوات:
قضت محكمة جنايات الجيزة يوم 11 أكتوبر 2008 بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات (مع الشغل) على القس متاؤس وهبة عباس كاهن كنيسة مار جرجس بكرداسة بالجيزة بعد إتهامه بتزوير محرر رسمي لتزويج مسلمة تنصرت تدعى ريهام عبد العزيز من مسيحي، ورغم اعتراف القس عباس بعدم قيامه بواقعة التزوير بدليل حضورة جلسة المحكمة، وبعد أن برأته المتنصرة ريهام عبد العزيز في وسائل الإعلام إلا أن الكاهن ما زال يقضي فترة العقوبة المقررة بسجن طرة بحلوان، وقد ناشدت منظمات قبطية حقوقية الرئيس المصري محمد حُسني مبارك بالإفراج أو العفو عن القس متاؤس وهبة أسوة بالعفو الرئاسي الصادر منه بحق الصحفي إبراهيم عيسى، إلا أن الرئيس المصري تجاهل مطالب الأقباط والمنظمات الحقوقية بعدم الإفراج عن الكاهن المسجون.
يُذكر أن الرئيس المصري تدخل لدى السلطات السعودية مؤخرًا بطلب عفو ملكي عن الطبيبين المصريين الذين صدرت بحقهما أحكامًا بالسجن والجلد بالسعودية، وقد صدر بالفعل عفوًا ملكيًا من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز بالإفراج عن الطبيبين المصريين، وهو يثير تساؤلات حول تجاهل إهتمام الرئيس المصري بالقضايا والمطالب المتعلقة بحقوق الأقباط.
يُذكر أن الكنيسة المصرية قد انتقدت الحكم الصادر بحق الكاهن المسجون وأعتبرته بمثابة سابقة سوداء في تاريخ القضاء المصري.
(ثالثًا) قرى بلا كنائس:
رصد منظمات قبطية حقوقية ومنها على وجه الخصوص "منظمة الأقباط متحدون" تقييد الحكومة المصرية لبناء دور العبادة في أماكن متفرقة من الجمهورية رغم وجود أعدادًا كبيرة من المسيحيين بهذه الكنائس، ومن أهم هذه المناطق:
• عزبة بشرى الشرقية بالفشن:
كانت السلطات المصرية وخاصة جهاز أمن الدولة قد أغلق مبنى للخدمات بعزبة بشرى الشرقية التابعة لمدينة الفشن بمحافظة بني سويف خلال شهر مايو من عام 2009 بعد اعتداءات من قبل مسلمين على أقباط يصلون بالمبنى، وقد أسفر عن الحادث حرق وتدمير ممتلكات ومزروعات لأقباط ، كما رصد موقع أقباط متحدون أن هذه الانتهاكات تمت بدعم وتواطؤ من قبل الأجهزة الأمنية المصرية، ولوحظ وجود تحرشات بقبطيات من قبل بعض أفراد الحراسة الأمنية واقتحام منازل بعض الأقباط إحداث تلفيات بها، ولم تقم الحكومة المصرية بتعويض الأقباط المتضررين في هذا الحادث، ولم تسمح الأجهزة المسئولة بالدولة وعلى الأخص جهاز أمن الدولة ببناء كنيسة في العزبة حتى هذه اللحظة، وما زال الأقباط (المسيحيون) يؤدون شعائرهم الدينية في كنيسة خارج العزبة.
• عزبة جرجس بالفشن:
في فجر ليلة يوم 3 يوليو 2009 تم اعتداء من قبل مسلمين على أقباط بالعزبة بعد أن أشيع بأن الأقباط سيقومون ببناء كنيسة، وقد أسفر عن هذا الحادث حرق وتدمير منزلي يمتلكه مسيحي وحرق ممتلكات ومزروعات لأقباط بالعزبة ومحاولة حرق سيارة تابعة للإيبارشية بعد سكب الكيروسين عليها وقذف منازل الاقباط بالحجارة والقبض على نحو 11 مسيحي بالقرية، وقد رفض قسم الشرطة طلب الأب الكاهن بعمل محضر بالواقعة.
يُذكر أن أحد أقباط العزبة احتج أمام ضابط بمباحث أمن الدولة على أسلوب القبض على الأقباط في الواقعة بقوله للضابط: "إحنا عاوزين نصلي.. هو احنا بنتاجر في المخدرات؟" فكان رد الضابط عليه "تاجروا في المخدرات وما تعملوش كنيسة".. -سرد هذه الواقعة الناشط الحقوقي مجدي خليل في مقال بعنوان "فتنة الأمن تتحرك إلى عزبة جرجس بيه بالفشن"-، وبرغم أن 75% من سكان عزبة بشرى بالفشن أقباط إلا أن الأجهزة الأمنية ما زالت تفرض قيودًا على بناء كنيسة بالعزبة حتى كتابة هذه السطور.
• عزبة داود يوسف بسمالوط بالمنيا:
برغم وجود حوالي 100 أسرة مسيحية بعزبة داود يوسف التابعة لمدينة سمالوط بمحافظة المنيا (بصعيد مصر) إلا أن السلطات المصرية ما زالت تفرض قيودًا على بناء كنيسة بالعزبة، وما زال مسيحيو العزبة يصلون على موتاهم في الشوارع، وكان خادم العزبة وهو القس إسطفانوس شحاته قد مُنع من دخول هذه العزبة التي وُلد وتربى بها بعد سريان شائعة بأنه يسعى إلى الحصول على ترخيص ببناء كنيسة، وهو ما أدى إلى قيام شيخ بإصدار فتوى بإهدار دمه، وقد أغلقت السلطات المصرية قاعة كان قد تبرع بها مسلم لبناء كنيسة في السبعينات من القرن الماضي، وإلى الآن ما زالت القاعة مغلقة كما تفرض السلطات المصرية متمثلة في جهاز أمن الدولة ومحافظة المنيا قيودًا على بناء كنيسة بالعزبة حتى كتابة هذه السطور.
• عرابة أبو الدهب بسوهاج:
ما زالت السلطات المصرية تفرض قيودًا على بناء كنيسة بقرية "عرابة أبو الدهب" بسوهاج "جنوب مصر" رغم وجود ما يقارب 56 أسرة مسيحية بالقرية، ويعاني أقباط القرية مشقة كبيرة بسبب صلواتهم خارج القرية، كما يقوم أهالي القرية الأقباط بالصلاة على موتاهم في كنيسة خارج القرية لعدم وجود كنيسة.
إلى اللقاء مع الأجزاء التالية من هذا التقرير أن شاء الله..
http://www.copts-united.com/article.php?A=12034&I=308