د. صبري فوزي جوهرة
بقلم: صبري فوزي جوهرة
ارتاعت نفسي عند سماعي بالفاجعة، على الرغم من رؤيتي المسبقة كطبيب بقرب ظلالها وسماع حفيفها المنذر. فقد تكالبت على الرجل العظيم أمراض الجسد, وكنت أتعجب من قدرة هذا الصعيدي الشامخ على تحملها والصمود لها، ربما ليس حبًا في الحياة ذاتها, فقد كان قد اعتلى أقصى مدارج النجاح فيها، ولم يعد له فيها المزيد من المجد والجاه، بل كان الثبات والإصرار يرجع إلى ذلك الحس العارم بالرفض الذي يجتاح الإنسان الواعي النبيل عندما يرى سيول الصحراء الغادرة تقتلع بيته وتقذف به إلى العدم.
كان صراعه للبقاء حيًا إرادة لا تنثني في الإسهام إلى آخر رمق بعمله وعقله ومشاعره في انتشال مصر, وطنه الحبيب, من طوفان الانحدار الغادر الذي يجترفها, مثله في ذلك كمثل من يسعى لالتقاط لؤلؤة غزيرة الثمن من مستنقع ملوث.
لم أكن على معرفة وثيقة بالرجل العظيم بالرغم من صداقته القوية لابن عمتي الذي كان قد رحل أيضًا عن هذا العالم, ثم جائت الأنباء من زيورخ عن سعيه الفريد لجمع شتات الأقباط في كيان موحد للدفاع عن وجودهم وكيانهم وهويتهم وكرامتهم وحقوقهم، فكتبت معلقا عن مفصلية هذا الجهد الجديد الفريد في فترة كانت القضية القبطية فيها قد وهنت إلى حد الاحتضار بعد رحيل زعيمها السابق الاستاذ الدكتور شوقي كراس وتكالب الضباع على انتزاع "الوصاية" على مريض يحتضر.
و يبدو أن كتابتي هذه كانت قد وصلت إلى ناظري راحلنا الكبير، فتفضل بدعوتي إلى لقاء في يناير من عام 2005 بمدينة زيوريخ مع نخبة قليلة من الرجال والسيدات المهتمين بما يعانيه ذويهم أقباط مصر في بلادهم، وتفتحت علاقة وثيقة بين الأب والزعيم الكبير وشخصي الضعيف ستبقى إلى أن ألحق به.
كنت أنوي عند شروعي في كتابة هذه الكلمات في سرد ما تعلمت من المهندس عدلى أبادير يوسف، بالرغم من بلوغي سن التقاعد. فدعوني, إن تفضلتم, العودة إلى غرضي الأول.
- تعلمت أن حب مصر يعلو على كل حب.
- تعلمت أن الشجاعة هي الفضيلة الأولى التي تنتفي بدونها كافة الفضائل الأخرى.
- تعلمت أن العطاء لا ينتهي عند حدود العمر أو الكم.
- تعلمت أن صدق المنطق والنية هو أساس العمل المثمر.
- تعلمت أن الزعامة لا تنتزع بأحكام المحاكم أو تهليل القائمين بل تكتسب بثقة العاملين بمن يرون.
* فيه صفات الزعامة والقدرة على تحمل أعبائها:
- تعلمت أن الزعيم هو من يقود وليس من ينقاد بدوافع الشهرة أو المجد الزائف أو إغراء المال.
- تعلمت أن هناك رابطة روحية قوية بين الزعيم ورجاله المخلصين تقوي من عزائمهم خاصة.
* عندما يبدو الطريق متعثرًا:
- تعلمت أن الطغاة يظلون سائرين في غيهم إلى أن يتصدى لهم من يسائلهم ويواجههم.
- تعلمت أن اللعب على أكثر من حبل يؤدي إلى سقوط مخزي.
- تعلمت أن الزعيم يحرص على المخلصين ممن يعملون معه ولا يتردد في بتر الفاسدين منهم.
- تعلمت أن كل عمل ناجح يسبقه تنظيم وتخطيط وجهود مخلصة مضنية من مشاركين أكفاء.
* أمناء:
- تعلمت أن النجاح يستلزم المسائلة والمتابعة والإصرار والثبات.
- تعلمت ألا مكان للمتشائمين بين صفوف المكافحين بصرف النظر عما يبدو من استحالة المهمة.
- تعلمت أن المال هو العصب المحرك لعضلة النضال.
- تعلمت ما كان قد قيل لي في طفولتي بأن الاتحاد قوة وأن ما يعجز الفرد عن عمله إنما هو.
* مستطاع بجهد الجماعة:
- تعلمت أن عدلي أبادير يوسف قد جمع بعبقرية فريدة الصفات الشخصية النادرة والرغبة.
- المتناهية في العطاء للدفاع عن الوطن والشرف والحياة الكريمة لمن لا يستطيعون.
* الدفاع عن أنفسهم:
- تعلمت الكثير والكثير من عدلي بك.
شكرًا عدلي بك لقد كنت تجسيدًا مثاليًا لشهامة وإباء الصعيدي الأصيل الفخور بجذوره وأصوله وعمله.
و إلى اللقاء.
http://www.copts-united.com/article.php?A=12063&I=312