"صعيدى" فى اسطنبول
الوفد
مابين أصابع رابعة التي ابتدعها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وتحضر وتقدم تركيا فارق كبير.
تعتقد التيارات الإسلامية في مصر أن النموذج التركي هو الأنسب لمصر باعتبارها دولة إسلامية، ولان هناك فارق بين السمع والرؤية، فان هؤلاء يعيشون في ضلال مبين ! ثقافة القطيع لهؤلاء جعلتهم يعتقدون أن "تركيا" تناسب أهوائهم وفاشيتهم وليس عقيدتهم، يظن المتشددون في مصر أن بلد أردوغان الذي لا يزال يساند الجماعة المحظورة، وطن فيه الفاشية الدينية تباع مجانا في الأسواق وأن البلد يحكمها الخليفة التركي ولا يملك الأتراك سوي السمع والطاعة لخليفة المسلمين، زيارة واحدة لدولة الخلافة الإسلامية القديمة تؤكد أن الواقع عكس ذلك تمامًا !
تخطت تركيا مسافات طويلة كانت تحول بينها وبين التقدم في مختلف المجالات بفضل الدستور الذي وضعه زعيمها مصطفي كمال أتاتورك، الذي انطلقت تركيا من خلاله إلي المدنية والتقدم وحلم الانضمام إلي الاتحاد الأوربي الذي لا يعوقه سوي مذابح الأرمن، التي ارتكبها السلطان عبد الحميد الثاني، إبان الحرب العالمية الأولي، وصنُفت ضمن جرائم الإبادة الجماعية، في تاريخ الإنسانية. وتلك المسافة التي قطعتها تركيا تجد تأثيراتها على مختلف المستويات في اسطنبول المدينة الكوزموبوليتنيه التي تضم أجناسا وأعراقا من مختلف الكرة الأرضية، تتعايش معا دون أن تضيق المدينة علي أحد.
بعد فوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية في مصر، زار " أردوغان" القاهرة وسط دعاية إعلامية ضخمة صاحبت الزيارة، وصُدرت ميليشيات الإخوان الإعلامية للشعب المصري أن الرئيس التركي قدم نصائح لمؤسسة الرئاسة المصرية ستجعل مصر تتحول إلى تركيا خلال سنوات قليلة، وكأن الأمر هينا لتلك الدرجة، بالتزامن كانت تبث الدعايا عن حلم استعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشرعية الإسلامية لإرضاء المتشددين والمتحالفين مع تنظيم الإخوان المسلمين من تيارات الإسلام السياسي. والواقع هنا في تركيا يقول أن رئيس الجمهورية تركيا يعمل موظفًا عند الشعب التركي وانه لا يستطع أن يمس الدستور العلماني الذي وضعه "أتاتورك".
لم تكن أكفاف رابعة التي أظهرها "أردوغان" لشاشات التلفزيون، كإشارة لمساندة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، سوي أن الرجل يريد تلك الجماعة الرجعية أن تجثم علي صدر مصر، لتزيد من تشتتها وتأخرها سنوات وسنوات نحو التقدم والمدنية، ليفوز هو بريادة العالم الإسلامي، ويتفاوض مع القوي العالمية بتلك الصفة، وقد قالها الرئيس السابق "مبارك" في تسريباته أن أردوغان لا يساند الجماعة ولكنه يريد يكسب منها سياسيا. والدلائل علي ذلك تراها في تركيا وأنت تترجل في الشارع، فالمدن التركية وعلي رأسها اسطنبول أصبحت قبلة السائحين من مختلف دول العالم، عوضا عن مصر، ووفق خبراء في السياحة فان تركيا أصبحت البديل عن مصر للأفواج السياحية حيث تتشابه معها في طابع المزارات السياحية الأثرية الدينية والطابع الشرقي المميز، ويظهر ذلك في مطار اسطنبول الذي لا تتوقف فيه الطائرات عن نقل السائحين الأجانب والعرب إلي عاصمة الخلافة القديمة ليلا ونهاراً، وهو ما يؤكد على الرواج السياحي الكبير الذي تشهده المدينة. وأن تركيا كانت البديل الأمن عن مصر لزيارة معالمها التاريخية، بالتزامن كان الرئيس التركي يعزز من وجود الإخوان في الحكم علي المستوي العالمي، وكأنه تاجر خبيث يريد أن تغلق تجارة جاره، ليستأثر هو وحده بالزبائن! ولا يقلل ذلك من أن تركيا قبلة سياحية تستحق السفر إليها بما تحويه من منشآت تاريخية ومزارات طبيعية، فضلا عن استئثارها بلقب عاصمة الثقافة الأوربية في عام 2010. ولكن حجم الاستثمارات السياحية والتدفق زاد بشكل كبير في الأعوام الأخيرة.
وفي سياق متصل فان حجاب زوجة "أردوغان" الذي تظهر به أمام الكاميرات، ليس هو السمة الغالبة علي نساء تركيا، رغم وجود المحجبات، فالأزياء هنا تواكب العواصم الأوربية في المواد الخام والموديلات، ويبوح التنوع عن نفسه في الشوارع ليبرز مدي "علمانية" الدولة التركية وتنوعها حتي في نمط الملابس التي تخرج أحيانا عن المضمون الشرقي خروجا كاملاً أحيانا ! وخاصة مع الشرائح العمرية الصغيرة والطبقة الراقية. في حين يغلب ارتداء الحجاب التركي وله طابع مميز ـ عبارة وشاح يلف علي الرأس فقط ـ علي الطبقة المتوسطة والفقيرة من التركيات. ومن خلال ذلك الحجاب المميز يمكن أن تعرف جنسية من ترتديه، ويعكس حفاظًا علي هوية الأتراك وخاصة أنه لم تدخل عليه تأثيرات خارجية مثلما حدث في مصر. وفي المدينة السياحية ـ اسطنبول ـ يُسمح ببيع الخمور في السوبر ماركت ويبدأ سعرها من 5 ليرات ـ نحو 20 جنيهًا مصريًا ـ لعلبة البيرة الشعبية الشهيرة هناك وتسمي "ايفست"، ونفس الحال توجد الحانات وبائعات الهوي، في عدد من المناطق ومنها ميدان "تقسيم" الذي ذاع صيته بعد المظاهرات التي نشبت فيه ضد الرئيس التركي.
من يترجل في اسطنبول المدينة ذات التراكمات الحضارية، منذ أن كانت عاصمة للإمبراطورية الرومانية وحتي أصبحت مقرًا للخلافة العثمانية، يدرك تمامًا في مدينة يغلب عليها الطابع الأوربي بنهكة شرقية، يضيفها عليها بائعي الرمان، والذرة المشوية، والمحار، وشوايات أبو فروه في الطرقات والشوارع، وأصوات الآذان في مواقيت الصلاة في المساجد، والألفاظ العربية التي ينطقها الأتراك تفاعلا مع الزائرين العرب في المتاجر والمقاهي والمطاعم، التي تتخذ في اغلبها شكل المنحدرات الصاعدة والهابطة، علي خلفية تاريخية المدينة ووجود تراكمات معمارية كثيرة بنيت علي أطلالها مدن قديمة أفلت بانتهاء النظام السياسي الذي كان يحكمها. في منطقة "بازيت" في اسطنبول تشعر كأنك تترجل في القاهرة الخديوية حيث المباني التاريخية والازدحام حول متاجر الحلوى والملابس. والمتسولون وأغلبهم من الأطفال الصغار الذين يعزفون الموسيقي بالات صغيرة، وكذلك السوريون النازحون من جحيم الحرب.
فسوريا لا تبعد عن تركيا كثيرًا بالطريق البري الذي يستغرق نحو 20 ساعة للوصول إلى الأراضي التركية. ويختلف السوريون المقيمون هنا في تقييم الوضع في بلادهم فمنهم من يتهم نظام بشار الأسد بقصف منزله بالطائرات، وآخرين يرون أن الجيش السوري لا يعتدي علي المدنيين وإنما يقصف مواقع الجيش السوري الحر، التي تتخذ من المدنيين درعًا لها. ولا يعني أن تجد مجموعة من الأطفال يتسولون أن جميع الأخوة السوريين يمارسون نفس النشاط، فمنهم من يدير تجارة الملابس السورية الشهيرة، ومنهم من يعمل في مهن مختلفة.
3 أيام قضيتها في اسطنبول، شمال غرب تركيا، لحضور مؤتمر اقتصادي ..تأكدت خلالها أن تركيا استفادت كثيرًا من تدهور الأوضاع في مصر
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=121827&I=1726