د. نجيب جبرائيل
بقلم: د. نجيب جبرائيل
من منا لا يتذكر مصطفى النحاس باشا، وسعد زغلول باشا، ومكرم عبيد باشا، أو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، أو صاحب المدرسة الفكرية عباس محمود العقاد، ففي صفحات الكفاح والنضال المدني والفكري والسياسي، هناك أناس سطروا صفحات من نور بفكرهم وعرقكم ومالهم، فأصبحوا عظماء في صفحات التاريخ، لكل منهم مدرسة يهتدي إليها الناس، أو ينهل منها طالب الفكر والمعرفة والحرية والديمقراطية، وهناك من يعتقدون في أنفسهم أنهم بشغلهم مراكز مرموقة على الساحة السياسية والبرلمانية والحكومية، أن لهم أدوارًا بارزة في حين أنهم مجموعة من الطبول الجوفاء، وهناك أناس هم جوقة الفكر وألماظ المعرفة وجواهر النضال، حتى لو رحلوا عن العالم الذي نعيش فيه، تظل معادنهم ونضالهم هي الهدى والمدرسة التي نتعلم فيها أتباعًا ومريدين، ومن ذلك نتذكر قول الشاعر العربى حين قال :
- والناسُ موتى في حياتهم وآخرون في بطون الأرض أحياء وحين نتأمل ذلك العملاق المناضل الكبير والمثابر الأعظم والمفكر البارز صاحب المدرسة الوطنية لحب مصر الذي لم تشغله أعماله أو أمواله عن حبه لبلده، بل أصبح شغله الشاغل وفكره المتواصل هو قضية الملف القبطي الوطني، فكان يطوي الليل بالنهار منكبًا ومهمومًا بهموم الفقراء والبسطاء من أبناء لحمته مصرنا العزيزة، فكان وهو في قمة بلاد السعادة والرفاهية لا يأبه إطلاقًا بما حوله، فكان يعيش مع المتألمين والمقهورين والمطهضدين، حين يتكلم وحين يتصرف، فكان يعيش متألمًا مع أهالي العديسات والعياط، ومع أسرة قتيل العمرانية، وقتيل المنوفية، وجرحى رهبان أبو فانا، وأهالي فرشوط التي هدمت منازلهم، ونهبت متاجرهم، ومن تعرضوا للتطرف والاعتداءات على المسيحيين في شمال أو صعيد مصر، كنا نحن في مصر قد لا نشعر بكثير من ذلك، فكانت تأتينا هواتف ذلك العملاق: "هبوا وانقذوا إخواتكم الذين تنتهك عقائدهم وتنهب أموالهم"، وإنني لا أبالغ القول إنه كان يستشعر تلك الاعتداءات قبل أن تقع، بل إنه كان يستشرف الغد بنظرة ثاقبة عن بصر وبصيرة تسبر الأغوار، فكان كما يقولون يعرف حقيقة تلك العبارة التي يلعب بها النظام الحاكم ويحذر منها، وهي "الضحك على الذقون"، ويقول دائمًا لا تنخدعوا وراء شعارات أو بيانات أو وعودا زائفة أو مواعيد براقة، فهكذا ووعدتم بمشروع قاون دور العبادة، ولاكثر من خمسة عشرة عامًا لم يرَ النور بعد، وبالفعل كان يصدق، فكل ما يقول عندما كان يهم أبناؤه بالتلويح بحمل الملف القبطي إلى المحافل الدولية، كانت مساعدته لهم بلا حدود، وبحق تعكس أنه لا أمل في الإصلاح من جهة الداخل.
وأتذكر أنه كان لي شرف حضور وسماع مداخلته في أحد برامج الحقيقة مع الأستاذ وائل الإبراشي، حينما كنت ضيفًا في هذا البرنامج، فلم يستطع المذيع وائل الإبراشي، على رغم مقدرته إسكات أو منع المناضل عدلى أبادير من الاسترسال في مداخلته، لا لشئ، لكن لما كان يقوله عدلى أبادير، فبرغم حدته لم يكن يقل سوى الواقع والحقيقة التي لا تقبل العكس.
وأيضًا من خصائل المناضل الكبير عدلى أبادير، أنه كان أبًا روحيًا لنشطاء الأقباط، فكانت حكمته البالغة وحنكته الكبيرة تقضيان على كل خلاف، وكان رغم أسلوبه الحاسم والقاطع، محبوبًا من الجميع، وهو أيضًا بحبه يجمع الكل، فكان بحق قلبًا كبيرًا، ونهرًا صافيًا من الحب والنقاء، ورافدًا من روافد العلم والمعرفة والفكر والنضال.
ولا يكفينا في كل ما قلت، ولكن تبقى المسألة العظمة، وهو أن عدلي أبادير لم يرحل عن عالمنا، ونحن خاويوا اليدين، ولكن رحل تاركًا مدرسة، وتاريخ مدرسة للنضال المدني السلمي، مدرسة تجمع تلامذته تعلم الأجيال، وإن الدرس الأول هو أن نكون مهمومين بمشاكل مصر، معشوقيين بحب مصر، وأيضًا مدرسة لا توجد في أي مناهجها أية دروس للنفاق، أو الخداع، مدرسة ترى القيام والجرأة والقول الشجاع والرأي السديد، مهما كلفنا ذلك، مدرسة لا تعرف في الحق لومة لائم، مدرسة ترعى الفقراء والبسطاء وتشد على أيادي النشطاء.
ترك كتابًا للتاريخ مليئًا بالنضال الوطني والكفاح السلمي، مليئًا برصد انتهاكات الملف القبطي، مليئًا بالعلم والمعرفة، وأيضًا تاريخًا مملؤًا بالحب والحكمة، مليئًا بدروس مستفادة ممن كتبه أعظم رواد الحركة القبطية في العصر الحديث .
هنيئًا عدلي أبادير مع رفيق نضالك شوقى كراس.. حقًا كُتب لكم أن تسمعوا ذلك الصوت الإلهي"كنتَ أمينًا على القليل فأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك – جاهدت الجهاد الحسن وأكملت السعي وحفظت الإيمان وأخيرًا وضع لك إكليل البر"، فأنت تصلي الآن مع الكنيسة المنتصرة، وتنشد أنشودة الغلبة ليحفظ الله كنيستنا المجاهدة.. حقًا أنت مدرسة وتاريخ، كتبته بأحرف من نور لا تبلى ولا تزول إلى مدى الدهور.
وإنني أقترح بعد هذا المقال أمرين:
الأول: بأن يكون يوم الحادي والثلاثون من كل عام وهو يوم رحيل المناضل الكبير المهندس عدلي أبادير أن يُسمى هذا اليوم "يوم النضال القبطي الوطني"
ثانيًا: أن يتم الإعداد من الآن بأحد أكبر فنادق القاهرة لإقامة أكبر حفل تأبين لهذا الراحل العظيم تدعى فيه كافة الهيئات والمؤسسات والنشطاء، وأن يُغطى بأكبر تغطية إعلامية.
رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان
NAG_ILCO@HOTMAIL.COM
http://www.copts-united.com/article.php?A=12225&I=316