عزت بولس
بقلم: م. عزت بولس
مع بداية شمس عام ميلادي جديد رحل عن عالمنا المليء بالصعاب لمكان أخر هرب منه الحزن والكآبة والتنهد م. عدلي أبادير يوسف، بعد شيخوخة صالحة وحياة حافلة بالنجاح وبكل ما هو سامي من الأعمال.
لن أقول توفي أبادير فهو ليس كذلك لأنه معنا الآن ودائمًا بروحه، فقط لقد فارقنا الرجل بجسده، وتلك هى طبيعة عجلة الحياة تمرض الأجساد وتشيخ ومن ثم تموت،لكن العظماء من أمثال راحلنا الغالي أبادير يتخطون بثمار سنوات عمرهم وجودهم المادي بالحياة، فتكون ثمارهم تلك قيم لأتجاهات مؤشرها النجاح لأجيال عديدة قد لاتكون عاصرت صاحب الثمار الناجحة في حياته كلها.
لقد فارقنا بالجسد وللأبد أبادير وعندما نتأمل بعض من مراحل حياته سنتعجب بل وسنندهش متسائلين كيف لم تُشغل نجاحات ذلك الرجل عقله وقلبه ليكتفي بالإستمتاع بها دون أن يخوض معارك ضارية مع وحوش كاسرة لا ترحم بنهاية سنوات حياته؟؟ لكنها عبقرية "أبادير" فالرجل كان يمتلك عقل و مشاعر وأحاسيس كبيرة تتسع لتفهم معاناة الجميع، ومساعدتهم بكل ما أستطاع من دعم بمختلف أنواعه لتنقص تلك المعاناة.
الأقباط بمصر وما يعانونه من تمييز على كافة المناحي الحياتية بشكل صارخ ومنظم...كان الإهتمام الأول للراحل أبادير بشكل خطوات فعلية لإحداث حراك على المستوى السياسي المصري منذ صيف عام 2004، حيث عقد العديد من المؤتمرات المعنية بمناقشة ذات الشأن هنا في "زيورخ" و "واشنطن"جامعًا على نفقته الخاصة العديد من المهتمين بالقضية القبطية بمصر وقضايا الأقليات بشكل عام بقارات العالم الخمس.
بذلك النشاط المحموم المُجهد والمكُلف جدًا أستطاع أبادير أن يُحدث "حراك" إيجابي على الساحة السياسية المصرية فيما يتعلق بالقضية القبطية،بل أنه يمكنني القول ودون مبالغة أو مزايدة أن "مؤتمرات أبادير" كانت علامة فارقة في مسار القضية القبطية وعن التقييم الآن يمكن الحديث عن كيف كانت قبل تلك المؤتمرات وكيف أصبحت بعدها الآن؟
صارع أبادير وهو بعمر الخامسة والثمانون الزمن وبذل الكثير من الجهد الذي ربما لا يستطيع من هم في نصف عمره بذلك الوقت أن يقوموا ببعض منه، لكنه الإيمان.... نعم الإيمان لقد كان أبادير مؤمنًا بكل ما فعلت يداه من خطوات لتحريك المياة الراكدة على الساحة السياسية المصرية، ونجح بقوة والآن أصبحت كل وسائل الإعلام تناقش مفردات تلك القضية بشكل واسع لأنهم وجدوا صوت قوى صرخ منذ خمس سنوات هنا من "زيورخ" للاستيقاظ من غفوتهم المقيتة وقد كان ذلك الصوت لأبادير.
أبادير وهو رجل في الثمانين كان يمكن أن يركن للراحة والاستمتاع بما تبقي من العمر بعيدًا عن أجواء القتال في قضية كبيرة كالقضية القبطية داخل مصر، لكنه آبي ذلك الوضع الذي يشبه راحة الموت وتمسك بالحياة وكان يعمل لأكثر من ستة عشر ساعة باليوم دون كلل لقد حول ليله نهارًا ونهاره ظل كما هو نهارًا للعمل فيما عدا بعض الساعات القليلة للراحة،حتى غرف المستشفيات التي كانت تحوي جسده المريض كان يُحول أروقتها لغرفة مكتب ليعمل مستمرًا في رغبته التي لا تخفت شعلتها داخله خدمة "القضية القبطية" لقد كان يُصارع الزمن يريده أن يتوقف ليمهله بعض الوقت لتحقيق إنجاز لأناس لهم مطالب عادلة وهم"أقباط"مصر.
حس مرهف...مشاعر أبوة صادقة...قلب كبير...قدرة عجيبة على عبور الذات لمساعدة الآخرين... بعض قليل جدًا من سمات راحلنا الغالي أبادير والتي لمستها بذاتي طوال عشر سنوات هى فترة قربي منه، ويمكنني القول أن كل من تعامل مع م.عدلي أبادير أقر بتلك السمات الجيدة لشخصه وأضافوا عليها الكثير والكثير،بل أنه حتى المختلفين معه في أطروحاته الحياتية والسياسية كانوا يحترمونه ويحبونه مقدرين نياته الصادقة لكل ما صنعت يداه من أعمال.
لقد كان أبادير بحياته وبساطته تجسيدًا لعبقرية التواضع وشموخ القبطي الأصيل وعظمة المصري صاحب الحضارة.
تهرب مني الكلمات المعبرة عن شعوري بعظيم الفقدان للراحل الغالي م. عدلي أبادير الذي علمني الكثير والكثير و حول مجري حياتي منذ عام 2004 ومع ميلاد جريدته الإليكترونية اليومية"الأقباط متحدون" من مجرد مهندس معتكف على أداء أعمال تقنية إلى مجال رحب حيوي مرتبط بقضايا الوطن مصر والقضايا العادلة للأقليات به.
وكم كان يحب م. عدلى صفحته "الأقباط متحدون" التي ظل لأخر ساعات عمره يسأل عن كيفية سيرها؟ والنجاحات التي حققتها.
لن تكون م . عدلى أبادير ذكرى أبدًا فأنت بحياتك منهج حياة لمن يريد النجاح وستظل كما أنت دائمًا شريان يبعث بالأمل والحياة في قلوبنا المتوجعة لرحيلك والمتمسكة بذات الوقت باستكمال الحلم الذي زرعته في داخلنا منذ خمس سنوات.
الكلمة الواردة بالأعلي هى للمهندس عزت بولس ألقاها خلال صلاة الجناز بالأمس على جثمان الراحل الغالي م. عدلي أبادير يوسف
http://www.copts-united.com/article.php?A=12231&I=316